في زمن الفصح “أَيُّها الـحُـب… إِمـنـحـنـا قـيـامـتَـك”!

بقلم هنري زغيب*

وَرَدَتْني بالبريد الإِلكتروني قصةٌ مصوَّرةٌ من دقيقَتين وبِضْعِ ثَوانٍ، تدعو بَساطتُها إِلى التفكير عمرًا وبِضْعَ نوايا.
تقول القصة إِن مُدَرِّسةً سأَلت تلميذاتها الصغيرات في الصف أَن يكتُبنَ ما يعتقدْن أَنها أَجملُ عجائبِ الدنيا السبع. وجَـمعَت الأَجوبة فإِذا بها تفاوتت بين أَهرام مصر وتاج محلّ وجبل كانيون وقناة ﭘَنَما وال”إِمـﭙـاير ستيت” في نيويورك وكاتدرائية القديس بطرس في الـﭭـاتيكان وسُور الصين العظيم. لكنَّ تلميذةً واحدةً بقيَت هادئةً ولم تُقَدِّم ورقةَ إِجاباتها. سأَلتْها المًدرِّسةُ إِن كانت فهِمَت السُؤَال فأَجابت الفتاةُ الهادئة أَنَ العجائب الجميلةَ أَكثرُ من سبع. طَلَبَتْ منها الـمُدَرِّسة أَن تختصرَها في سبع، فأَجابت الفتاة بعد تردُّدٍ أَنَّ أَجمل العجائب هي: “أَن نلمِس، أَن نذُوق، أَن نرى، أَن نسمع، أَن نشعُر، أَن نضحك، وأَجملُها… أَن نُـحِبّ”.
كان جوابُ الفتاة الصغيرة عميقًا وبسيطًا، دليلَ أَن الناس يستهينون بكل بسيطٍ وعاديٍّ ويذهبون بعيدًا وطويلًا للتفتيش عن الأَجمل، بينما أَجملُ العجائب هي تلك البسيطةُ العاديةُ التي لا تحتاج إِلى أَن نسافرَ بعيدًا وطويلًا كي نراها، لأَنها تكون معنا وبيننا، وغالبًا فينا. يكفينا، بكل بساطةٍ، أَن نلمِس، أَن نذوق، أَن نرى، أَن نسمع، أَن نشعر، أَن نضحك، وأَجمل الأَجمل أَن نُـحِـبّ. وهذه هي النعمةُ الكُبرى: أَن نُحِب.
بلى: النعمةُ الكبرى في هذه الحياة هي نعمةُ الحب.
النعمةُ الأَعلى على قمَّة العُمر هي نعمةُ الحب.
وفيما نحتفل هذا النهار باليوم الثالث – وهو يومُ القيامة، القيامةِ بعد عذاب درب الجلجلة ومسامير الصليب وإِسفنجة الخل والطعن بالحربة وإِكليل الشوك – نحتفل جدًّا بــ”يوم الحب”.
الحب: بدون طريقِه الحياةُ جلجلة، بدون وُرودهِ الحياةُ مساميرُ صليب، بدون مائِه العذبِ الحياةُ طعمُها إِسفنجةُ خَــلّ، بدون لَـمْستِهِ السحريةِ الحياةُ طَعنةُ حربة، وبدون تاجِه الوحيدِ الحياةُ إِكليلُ شوك.
لا قيامةَ للعمر إِلَّا بأُعجوبة الحب. لا فُصحَ للحياة إِلَّا بـميلاد الحب.
وحدَهُ الحبُّ يدحرجُ الحجر عن قبر العمر، ويَـخرج إِلى الحياة التي يَصَّاعدُ منها بَـخُورُ الحنان والعذوبة والسعادة.
وحدَهُ الحبُّ يُــبْـعِـدُ عن خشَبة الـمِذْودِ خشَبةَ الصليب، ويَـجعلُها خشَبةَ الخلاص من خريف العمر إِلى ربيعِ أَيامٍ طويلةٍ يأْرج منها عطر الـمانيوليا وشَمُّ الغاردينيا وندى بَـــتَــلات الورد.
ليس يكفي أَن نعرفَ الحب. يجب أَن نستاهلَهُ فلا نُخطئَ إِليه ولا نؤْذيه بالسوى، لأَنّ الحبَّ فينا، والنعمةَ فينا، وإقتبالَ الحب فينا بعدَ أَنْ نتطهَّر نهائيًّا وكُـلِّــيًّـا من أَخطائنا، ونَندَمَ صادقين على خطايانا فنكونَ حاضرين لإستقبالِـهِ لحظةَ تَلْفَحُنا لحظةُ فوشيا بالوجْه الذي ننتظرُه طوال العمر حتى يَهلَّ علينا فتهلَّ معه السعادةُ التي لا قبْلَها قَبْلُ ولا بَعدَها بَعْد.
أَيُّها الحب… أَيُّها الحبُّ الذي خَلاصُنا أَنتَ ونعمتُنا الوحيدةُ أَنت: إِمنحْـنا قيامتَك الدائمة!

• شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى