المغرب والطريق الصعب للإنضمام إلى المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا

على الرغم من أن المغرب يسعى إلى تنويع علاقاته التجارية مع دول غرب أفريقيا، إلا أن المعارضة السياسية والاجتماعية داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) تطرح تساؤلات عن نواياه الحقيقية.

الملك محمد السادس في إفريقيا: وسع علاقات المغرب مع دول القارة السمراء بشكل كبير

بقلم ريكاردو فابياني*

في الأعوام القليلة الماضية، تسارعت وتيرة الإندماج الإقتصادي للمغرب في أفريقيا جنوب الصحراء. بين العامَين 2008 و2016، سجّلت الصادرات المغربية إلى باقي القارة الأفريقية زيادة بمعدّل 9 في المئة في السنة، في حين إرتفعت الإستثمارات الخارجية المباشرة بنسبة 4.4 في المئة. وظهرت السنغال وموريتانيا وساحل العاج ونيجيريا، على وجه الخصوص، في صدارة الدول الأفريقية التي تشتري المنتجات المغربية بدءاً من المواد الغذائية وصولاً إلى الآلات والسلع الكيميائية. وبصورة غير مفاجئة، سجّل الميزان التجاري بين الرباط وغرب أفريقيا، في تلك الفترة، فائضاً صافياً لمصلحة الرباط. وقد جرى التعويض عنه جزئياً من خلال تدفّق قوي للاستثمارات المغربية المباشرة إلى المنطقة، والتي تتركّز في شكل أساسي في القطاع المصرفي، وقطاعات التأمين والتصنيع والاتصالات السلكية واللاسلكية.
الواقع أن توجيه البوصلة نحو أفريقيا هو ثمرة مسار طويل أعاد المغرب من خلاله تقويم المنافع والخسائر المترتّبة عن أولويته السابقة المُتمثّلة في السعي إلى إقامة علاقات تجارية وإستثمارية مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. في البداية، ساعدت هذه المقاربة المغرب على بناء قاعدة تصنيعية داخلية، غير أن تأثيرها في المدى الطويل كان متفاوتاً. أولاً، وبعد ضم دول الكتلة السوفياتية سابقاً إلى الاتحاد الأوروبي، عمدت شركات كثيرة إلى نقل إنتاجها إلى هذه الدول، بدلاً من المغرب، أو الإستعانة بها كمصادر خارجية مُساهِمة في الإنتاج. ثانياً، ومع نهاية فترة سريان إتفاقية الألياف المتعددة في العام 2004، أصبحت صناعة الأقمشة المغربية مُعرَّضة للمنافسة من المنتجين ذوي الأكلاف المنخفضة في جنوب غرب آسيا. نتيجةً لذلك، أفضى الإندماج التجاري والإستثماري العمودي للرباط مع شركائها الاقتصاديين الأكبر حجماً بكثير، إلى تسليط الضوء على نقاط ضعف الحكومة، وتسبّب بما وصفه بعض الخبراء الاقتصاديين بأنه تراجع مُبكر للصناعة. ونظراً إلى أن تكاليف اليد العاملة في المغرب أعلى نسبياً، ومستويات الرساميل البشرية أكثر تدنّياً، والبنى التحتية أقل جودة، وقدرات الدولة أكثر إنخفاضاً، واجه المغرب صعوبة في التنافس مع الإقتصادات في آسيا وأوروبا الشرقية. وقد تحمّلت التجارة والسياحة والتحويلات والاستثمارات الخارجية المباشرة المغربية، أعباء إضافية بعد اندلاع أزمة منطقة اليورو في العام 2007، بسبب اعتماد البلاد على الاقتصادات المتعثّرة في جنوب أوروبا.
رداً على هذه الأزمة، بدأ المغرب البحث عن أسواق وشركاء آخرين لتحقيق النمو. تريد السلطات المغربية الحد من إعتمادها على أوروبا، والتنويع بإتّجاه الأسواق الناشئة حيث يُمكن أن تُفيد الشركات المغربية من تمتّعها بتنافسية نسبية. وفي حين يتعذّر على الشركات المغربية التنافس مع الشركات الأوروبية والأميركية، تتمتّع تلك الشركات بمكانة أقوى بكثير في مواجهة عدد كبير من الشركات التابعة لدول أفريقيا جنوب الصحراء مثلاً. كما أن صعوبة الوصول الدولي إلى أسواق أفريقيا جنوب الصحراء تمنح الشركات المغربية فرصة أكبر لتحقيق وفورات الحجم. والأهم من ذلك، الهدف الذي يتوخّاه المغرب في المدى الطويل هو أن يتحوّل إلى مركز للتجارة والإنتاج قادر على الربط بين الكتل التجارية في أوروبا وأميركا وأفريقيا جنوب الصحراء.
لذلك ليس مفاجئاً أن المغرب بدأ مثلاً، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، مفاوضات مع كتلة “مركوسور” (Mercosur) (السوق المشتركة الجنوبية) في أميركا اللاتينية من أجل إنشاء منطقة للتجارة الحرة بينه وبين أعضاء الكتلة، آملاً بأن يتحوّل إلى ممرّ تستخدمه أوروبا والولايات المتحدة في تصدير السلع والخدمات. وتعتقد السلطات أنه بفضل منشآت الحمولة في مرفأ طنجة ومكانة البلاد الجغرافية، سوف تجد الشركات الدولية بصورة مطّردة أنه من المناسب لها نقل جزء من عملياتها على الأقل إلى الأراضي المغربية. وإذا تحوّل المغرب إلى مركز لوجستي، فمن شأن ذلك أن يساعده على تعزيز الخدمات التي يُقدّمها في قطاعات النقل والشحن البحري والمصارف. علاوةً على ذلك، يأمل المغرب بأن تنظر إليه الشركات الدولية كمركز للتصنيع المنخفض الكلفة يمكنها أن تنطلق منه لتصدير البضائع إلى مختلف أنحاء العالم مع تعرفات متدنّية أو من دون أي تعرفات. على سبيل المثال، تواجه شركة أميركية تقوم بالتصدير إلى السنغال، مجموعة من التعرفات الحمائية، لكن في حال نقلت جزءاً على الأقل من إنتاجها إلى المغرب، فسوف تُلغى هذه التعرفات.
لكن على الرغم من أن دول أفريقيا جنوب الصحراء هي هدفٌ طبيعي للتوسّع الاقتصادي المغربي – نظراً إلى قربها الجغرافي، وطاقاتها الاقتصادية الهائلة، وطلبها المتزايد على السلع والاستثمارات – يواجه المغرب بعض الصعوبات في إقامة علاقات تجارية مع تلك الدول. لقد تقدّمَ المغرب بطلبٍ رسمي للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في 24 شباط (فبراير) 2017. وإعتقدت السلطات المغربية، في ذلك الوقت، أن هذه العملية ستكون سلسة نسبياً، بفضل العلاقات الديبلوماسية الممتازة التي تقيمها الرباط مع جميع الدول الأعضاء في مجموعة “إيكواس”، والعلاقات القائمة بينها وبين تلك الدول في مجالَي التجارة والاستثمار. وجاء طلب العضوية أيضاً في أعقاب عودة المغرب الناجحة إلى الاتحاد الأفريقي في 30 كانون الثاني (يناير) 2017، والتي رأت فيها المملكة نجاحاً ديبلوماسياً عظيماً.
بيد أن المسعى المغربي واجه إعتراضات شديدة من منظمات المجتمع المدني ومجموعات المصالح الإقتصادية في غرب أفريقيا. ففي نيجيريا مثلاً، مارس إئتلاف واسع من النقابات المهنية والصناعيين والمنظمات غير الحكومية، ضغوطاً على الحكومة لمنعها من فتح حدودها أمام السلع المغربية التي رأوا فيها تهديداً يُمكن أن يؤدّي إلى القضاء على الإنتاج المحلي. وفي السنغال، أعرب القطاع الخاص عن تحفظاته إنطلاقاً من أن مستويات الإنتاجية الأعلى في المغرب قد تؤدّي إلى تقويض القاعدة التصنيعية في البلاد.
لقد نجحت هذه التعبئة، حتى الآن، في عرقلة طلب العضوية المغربي، على الرغم من المساعي الحثيثة التي يبذلها المغرب في هذا الإطار. فعلى سبيل المثال، أعلن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في مطلع آذار (مارس) الجاري، أنه ينوي عقد إجتماعات مع نظرائه في إقتصادات “إيكواس” الأكبر حجماً. وكانت مجموعة “إيكواس” قد عمدت، في كانون الأول (ديسمبر) 2017، إلى تأجيل صدور قرار نهائي حول هذه المسألة إلى أجل غير مسمّى، بعد صدور تقرير عن الأثر تضمّن تحليلاً للمفاعيل السياسية والأمنية والاقتصادية التي يُمكن أن تترتّب عن إنضمام المغرب إلى المجموعة. وتبدو الحكومتان النيجيرية والسنغالية عاجزتَين، تحت تأثير الضغوط من الناخبين في الداخل ومن الجهود المغربية الضاغطة والدؤوبة، عن إيجاد حلٍّ لهذه المعادلة التي تبدو مستحيلة.
بغض النظر عما إذا كان المسعى المغربي للإنضمام إلى مجموعة “إيكواس” سيحظى بالموافقة أم لا، فإن طلب العضوية المغربي يُؤشّر إلى أن الرباط تجنّبت عمداً معالجة التداعيات الكاملة للانضمام إلى المجموعة. تفرض “إيكواس” على أعضائها تطبيق تعرفة خارجية مشتركة تتراوح من 5 إلى 35 في المئة، والهدف منها هو حماية اقتصادات غرب أفريقيا من المنافسة الدولية وتعزيز التجارة الإقليمية. إنما لدى المغرب إتفاق شراكة ينص على إقامة منطقة للتجارة الحرة بينه وبين الاتحاد الأوروبي منذ العام 2000، كما يربطه اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة منذ العام 2004. بطبيعة الحال، لن يتمكّن المغرب من الالتزام في الوقت نفسه بتعرفة “إيكواس” واتفاقية التجارة الحرة، لا بل إن الموافقة على التعرفة تتعارض مع سعي المغرب إلى أن يتحوّل إلى مركز عالمي للإنتاج واللوجستيات والتجارة.
تُحيط علامات إستفهام إضافية حول إستعداد المغرب للانضمام إلى العملة الموحّدة المقترحة لمجموعة “إيكواس”. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ثماني دول من أصل 15 في مجموعة “إيكواس” تتشارك عملة واحدة، الفرنك الغرب – أفريقي، وتنوي “إيكواس” إطلاق عملة تحت مسمّى “إيكو” لباقي الدول الأعضاء بحلول العام 2020، على أن يتم في نهاية المطاف دمج العملتَين. وفي كانون الثاني (يناير) الفائت، عمدت الحكومة المغربية إلى توسيع نطاق التداول بالدرهم المغربي، في إطار سلسلة الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي من أجل تحقيق مزيد من المرونة في سعر الصرف. وبما أن هذه السياسة تسعى إلى طمأنة المستثمرين وجعل الاقتصاد أكثر قدرة على الصمود في وجه الصدمات الخارجية، فهي تؤشّر إلى أن السلطات غير مهتمّة باعتماد عملة موحّدة أو حتى بتثبيت سعر الصرف مقابل الفرنك الغرب – أفريقي. فالمغرب، الذي يرغب على الأرجح في الانضمام إلى الكتلة إنما لا يريد إعتماد عملتها، تجنّب عمداً معالجة هذه المسألة، إدراكاً منه بأن ذلك لن يؤدّي سوى إلى زيادة المعارضة لاعتماد العملة الموحّدة.
أما في ما يتعلق بمواطني دول غرب أفريقيا، فلم ينطلق، حتى الآن، نقاشٌ في المغرب حول مدى الرغبة في فتح الحدود أمام مهاجرين جدد من دول أفريقيا جنوب الصحراء، أو إذا كان هذا الأمر هو “الثمن” الذي قد يترتب على المغرب تسديده ودفعه من أجل الإنضمام إلى سوق “إيكواس”. بالفعل، بما أن مواطني دول “إيكواس” قادرون عى التنقّل بحرية ضمن هذه المنطقة، قد تتأتّى عن ذلك تداعيات على قدرة المغرب على إستيعاب المهاجرين الإقتصاديين الذين ينجذبون إلى الرواتب الأعلى نسبياً في المغرب – ومن المحتمل أن يؤثّر في نظرة المغاربة إلى تأثير هؤلاء المهاجرين على معدل البطالة الذي لا يزال مرتفعاً.
إذاً الانطباع هو أن المغرب يتجنّب عمداً تقديم أي جواب حاسم عن هذه التساؤلات كي يتمكّن من توسيع هامش المناورة المتاح أمامه، والحصول على العضوية في مجموعة “إيكواس” على حساب الدول الأخرى.

• ريكاردو فابياني محلل رفيع لشؤون شمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا. لمتابعته عبر تويتر: ricfabiani@
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى