المساعدات الخارجية تَكبَح جماحَ إنزلاق الأردن نحو المديونية

تمكّن الأردن من خفض عجوزات الموازنة في العام 2018، غير أن ارتفاع التكاليف التشغيلية والركود في مصادر الإيرادات سيتسببان بإستمراره في الإعتماد على المساعدات الخارجية.

الملك عبدالله بن الحسين يستقبل رئيس حكومته هاني الملقي: المملكة ستخرج من عنق الزجاجة في 2019

بقلم كيرك سويل*

يعتبر معظم الخبراء أن الموازنة الأردنية للعام 2018، التي أُقِرّت وتحوّلت إلى قانون في 18 كانون الثاني (يناير) الفائت، هي إنجاز ناجح لرئيس الوزراء هاني الملقي. فلدى تسلّمه منصبه في العام 2016، كانت المملكة الهاشمية تتجه نحو فقدان الملاءة، مع إزدياد نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي من أكثر من 60 في المئة إلى 93.4 في المئة بين العامَين 2011 و2015، أي بزيادة نحو ست نقاط مئوية في السنة. لقد تمكّن الملقي، على إمتداد موازنتَين مُتتاليتين، من تَبطِيء الإنزلاق إلى حد كبير، وحال دون إرتفاع نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي إلى أكثر من 95.3 في المئة، وذلك من خلال الحصول على مساعدات مالية كبيرة. بيد أن هذا الإنضباط المالي يُلقي بضغوط على الإقتصاد الضعيف أصلاً، وبالكاد بدأ الأردن عملية إعادة الهيكلة الإقتصادية الضرورية من أجل إقتصاد مستدام.
تتألف الموازنة الأردنية من جزئَين. وقد بلغت قيمتها العامة الأساسية للعام 2018، 9.02 مليارات دينار أردني (12.7 مليار دولار أميركي)، يتم تمويلها بواسطة إيرادات داخلية ومساعدات خارجية تبلغ قيمتها 8.50 مليارات دينار، فيبقى هناك عجزٌ قدره 523 مليون دينار. أما موازنة “الوحدات الحكومية”، التي تضم مجموعة من المؤسسات الرسمية حيث تطغى عليها مرافق الكهرباء والمياه، فتبلغ 1.81 مليار دينار (2.6 ملياري دولار أميركي)، وتموّلها إيرادات بقيمة 1.42 مليار دينار، ودعم قدره 191 مليون دينار من الموازنة الأساسية، ومساعدات خارجية قدرها 55 مليون دينار، فيبقى هناك عجزٌ يبلغ 148 مليون دينار. وهكذا يصبح مجموع العجز 671 مليون دينار (946 مليون دولار)، أو 2.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو رقم مقبول نسبياً، ما يفسّر وتيرة النمو البطيئة في نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي. بالطبع، لولا المساعدات الخارجية التي تصل إلى 755 مليون دينار (1.1 مليار دولار)، لبلغ العجز أكثر من الضعف، وتخطّت نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي سريعاً مئة في المئة.
ويعود نجاح الملقي في تبطيء إنزلاق الأردن نحو المديونية، ليس إلى الخفوضات في الإنفاق في الموازنة الأساسية، إنما إلى الزيادة في الإيرادات الداخلية، وبدرجة أقل، إلى خفض الإنفاق على الدعم الحكومي للكهرباء. بيد أن الحكومة الأردنية ستتعرّض لضغوط شديدة من أجل إجراء تغييرات دراماتيكية في الموازنات المقبلة.
لقد سجّلت الإيرادات التي يتم توليدها داخلياً، مثل الضرائب، والتعرفات الجمركية، والرسوم، زيادة كبيرة من 6.2 مليارات دينار في العام 2016 إلى 6.9 مليارات دينار في العام 2017، ويُتوقَّع أن تحقق زيادة إضافية في العام 2018. إذاً، تزداد الإيرادات المستمدّة من الإقتصاد الأردني بمعدّل أكبر بمرّتين تقريباً من معدل الزيادة في الإنفاق. وبما أن الضرائب في الأردن متدنّية تاريخياً، حيث يعتمد النموذج السياسي الريعي على المساعدات الخارجية، فقد تمكّنت البلاد من زيادة إيراداتها الداخلية بمعدل الضعف تقريباً، من 4.2 مليارات دينار فقط في العام 2011 إلى 7.8 مليارات دينار في العام 2018. لكن ذلك يعني أن الحكومة تقتطع نسبة 14 في المئة إضافية من إجمالي الناتج المحلي سنوياً من الاقتصاد الذي يُعاني أصلاً من الضعف. لقد أدّى ارتفاع المعدلات، إلى جانب الأثر السلبي للنزاعات الإقليمية على قطاعَي التجارة والسياحة في الأردن، إلى القضاء على النمو الداخلي.
في حين أن نسبة النمو في إجمالي الناتج المحلي الأردني ظلّت، طوال سنوات، عند حدود 2 في المئة ونيّف – وهي نسبة متدنّية في حالة بلدٍ في طريق النمو – فإن حتى هذا النمو المتدنّي يُمكن أن يُعزى بالكامل إلى المساعدات الخارجية. وخلال العام 2017، تلقّى الأردن تعويضات بقيمة 1.78 مليار دولار لإستضافته لاجئين سوريين على أراضيه، وعند إضافة المساعدات المباشرة لموازنة 2018، وقدرها 1.1 مليار دولار، والتحويلات من المواطنين الذين يعملون في الخارج، وقدرها 1.5 مليار دولار، تُصبح قيمة المحفزات الخارجية 11 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
أما التأثيرات الإقتصادية الخارجية على الأردن الناجمة من عدم الإستقرار، فلم تتحسّن سوى قليلاً. فالقطاع السياحي يتعافى من الإنهيار الذي شهده بعد العام 2011، مع إرتفاع أعداد السياح من 4.8 ملايين في العام 2016 إلى 5.2 ملايين في العام 2017. بيد أن هذا الرقم لا يزال دون الذروة التي بلغتها البلاد في العام 2010 مع 8.2 ملايين سائح؛ وفي مطلع العام 2016، أشارت الحكومة، وفقاً لتقديراتها، إلى أنها خسرت 6.9 ملايين سائح بسبب “الربيع العربي”. بالمثل، لم تظهر أي معافاة حقيقية بعد في التجارة مع سوريا والعراق التي شهدت أيضاً تدهوراً. لقد تسبّب الإنهيار الأمني في العام 2014 بتراجع الصادرات الأردنية إلى العراق بمعدّل الثلثين تقريباً، من مليارَي دولار في العام 2014 إلى 695 مليون دولار في العام 2017. في حين أن الأمن تحسّن إلى درجة معيّنة، وأُعيد فتح معبر طريبيل إلى الأنبار في أيلول (سبتمبر) الماضي، فقد أدّت الخطوة التي أقدم عليها العراق بفرض تعرفة بنسبة 30 في المئة لحماية المنتِجين العراقيين في أواخر العام 2016، إلى تبطيء وتيرة المعافاة. وعلى الرغم من موافقة عمّان وبغداد، في 28 شباط (فبراير) الفائت، على إعفاء بعض المنتجات الأردنية من الرسوم الجمركية، فإنه ليس واضحاً إذا كان هذا الإلغاء الجزئي للتعرفات سيُساهم، في حال تطبيقه، في إعادة إنعاش التجارة بين البلدَين.
من ناحية أخرى إزداد مجموع الإنفاق التشغيلي بواقع 523 مليون دينار في العام 2017، ومن المتوقع أن يزداد بواقع 426 مليوناً إضافية في العام 2018، لا سيما بسبب إرتفاع الأكلاف المترتبة على الإنفاق على الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والمعاشات التقاعدية، والفوائد على الديون. وتستحوذ هذه القطاعات الأربعة على ثلثَي الإنفاق التشغيلي، في حين أن الإنفاق الرأسمالي للعام 2017 تراجع قليلاً، من 1.029 مليار إلى 1.025 مليار دينار. وقد سجّل الإنفاق العسكري، على وجه الخصوص، زيادة سريعة، من 1.24 مليار في العام 2017 إلى 1.43 مليار دينار في العام 2018. علاوةً على ذلك، وبما أن الجزء الأكبر من النمو في الإنفاق يتركّز في هذه القطاعات غير الإنتاجية، فهذا يعني أن عصر النفقات سيستمر في القطاعات الحيوية في المدى الطويل مثل التعليم والبنى التحتية.
كذلك سيكون من الصعب تكرار تجربة التراجع الشديد في الإنفاق. فتحسين إدارة مشتريات الطاقة مقروناً بالزيادات المطردة في المبالغ التي يدفعها المستهلكون مقابل الحصول على التيار الكهربائي، ساهم في خفض العجز الذي تعاني منه المرافق العامة، من 1.29 مليار دينار (1.81 مليار دولار) في العام 2014 – بعدما أوقفت مصر صادراتها من الغاز الطبيعي الذي يُباع بأقل من سعر السوق، ووجد صنّاع السياسات الأردنيون صعوبة في العثور على بدائل رخيصة – إلى 114 مليون دينار (203 ملايين دولار) فقط في العام 2017، و148 مليون دينار (209 ملايين دولار) في العام 2018.
غالب الظن أن أي جهود لإجراء مزيد من الخفوضات في النفقات من طريق إعتماد إجراءات تقشفية، ستلقى ردود فعل غاضبة في الداخل. لقد تسبّبت الخفوضات في الدعم الحكومي للخبز على وجه الخصوص، بإندلاع إحتجاجات أسبوعية، وأثارت إهتمام الإعلام أكثر من أي مسألة أخرى. في كانون الثاني (يناير) الماضي، ضغطت كتلة “الإخوان المسلمين”، المسمّاة “التحالف الوطني للإصلاح”، من أجل طرح الثقة بحكومة الملقي على هذا الأساس، لكنها فشلت في مسعاها، والسبب أن تركيبة البرلمان تضمن وجود أكثرية من النواب الموالين للحكومة. غير أن الخفض الذي أقرّه الملقي في دعم الخبز، يبقى متواضعاً؛ ففي حين أن الحكومة كانت تقدّم في السابق الدعم للخبز في شكل عام، وكان غير الأردنيين يُفيدون أيضاً من هذا الدعم، مع العلم بأنهم يشكّلون نحو ثلث السكان، فقد أصبحت الأسعار أكثر ارتفاعاً الآن، وصار المواطنون يحصلون على دفعات مباشرة للتعويض. وعلى الرغم من أن موازنة 2018 تتضمن زيادة تتراوح من 67 إلى مئة في المئة في أسعار ثلاثة أصناف من الخبز، إلا أنه بالكاد باتت الأسعار تُضاهي الآن المستويات المعمول بها في مصر. علاوةً على ذلك، لن تؤدّي الدفعات النقدية المباشرة إلى التعويض على الأردنيين الأكثر فقراً وحسب، إنما أيضاً على جميع الموظفين الحكوميين، حتى لو كانت رواتبهم مرتفعةً.
رداً على الإحتجاجات، أعلن الملقي، في 13 شباط (فبراير) الفائت، أن أسلافه تركوا البلاد على حافة عدم الملاءة، وأن الفشل في إعتماد إجراءات صارمة لزيادة الإيرادات سيؤدّي إلى أزمة مديونية من شأنها أن تتسبّب بدمار البلاد، وهو محقٌّ في كلامه. وما يطرح علامة إستفهام أكبر هو تأكيد الملقي أن الأردن “سيخرج من عنق الزجاجة” في العام 2019. ففي حين أن الإجراءات الآيلة إلى زيادة الضرائب وخفض الدعم الحكومي يساهمان في كسب الوقت، إلّا أنهما يتركان الأردن في حالة تخبّط من أجل الحفاظ على ملاءته المالية، وتجعله مرهوناً للدفق المتواصل للمساعدات الطائلة. وبما أن دول الخليج العربي عمدت إلى خفض مساعداتها إلى الأردن بعد العام 2011، سيزداد إعتماد البلاد، بصورة مطردة، على المساعدات الخارجية الأميركية. وتُشكّل المساعدات إلى الأردن نسبة 40 في المئة من مجمل المساعدات الأميركية إلى الشرق الأوسط، وقد تعهّد وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، في 14 شباط (فبراير)، بزيادة المساعدات الاقتصادية الأميركية، من مليار دولار سنوياً إلى 1.3 مليار دولار.و يشكّل هذا المبلغ أكثر من 10 في المئة من قيمة الموازنة السنوية الأردنية، ما يعني أننا أمام خطة إنقاذ فعلية، ولو تحت مسمّى آخر.
بغية أن يتمكن الأردن من البقاء والإستمرار، عليه أن يجد طريقة لخفض الإنفاق العسكري، وهو الإنفاق التقديري الوحيد في الموازنة الذي يشهد زيادة سريعة، وأن يُجري إعادة هيكلة جذرية لنموذجه الإقتصادي – وإلّا عليه أن يعتاد العيش على الدوام عند حافة الإنهيار الاقتصادي.

• كيرك سويل مدير شركة ” Utica Risk Services” لدراسة المخاطر السياسية في الشرق الأوسط. لمتابعته عبر تويتر uticarisk@
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى