“فايسبوك” تحتاج إلى تصحيح المسار

بقلم كابي طبراني

على مدى الأيام القليلة الفائتة، أصبح من الواضح أن شركة “فايسبوك” (Facebook) كانت شريكاً سلبياً في عملية التلاعب بالبيانات الشخصية لنحو 50 مليون مواطن أميركي للتأثير في نتائج الإنتخابات الرئاسية التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لقد إستخدمت الشركة المتخصصة في البيانات، “كامبريدج أناليتيكا”، المعلومات وإشارات ال”لايك” للعبور منها إلى بيانات “فايسبوك”، مُستخدِمةً إختبارات الذكاء على الإنترنت وغيرها من الألغاز والمسابقات غير الحكيمة على ما يبدو لتتمكّن من إستخدام التحليل الحسابي (الخوارزمي) لقياس التفضيلات السياسية الشخصية. ثم تمّ إستخدام هذه البيانات الملغومة لإستهداف الإعلانات السياسية والرسائل السياسية الأخرى للتأثير في نتائج الانتخابات الأميركية وتغييرها، وهناك مخاوف من أن العملية قد قوّضت عمليات تصويت مهمة أخرى في أماكن أخرى.
وشركة “كامبريدج أناليتيكا”هي شركة مُسجّلة في ولاية “ديلاوير” الأميركية، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة نيويورك، وهي متخصصة في جمع ومزج معلومات إستخراج البيانات، وبيانات الوساطة، وتحليل البيانات مع الإتصالات الإستراتيجية للعمليات الإنتخابية. وقد تمّ إنشاؤها في العام 2013 كفرعٍ من الشركة الأم البريطانية “أس سي أل غروب” (SCL Group) للمشاركة في السياسة الأميركية. وفي العام 2014 ، شاركت “كامبريدج أناليتيكا” في 44 سباقاً سياسياً أميركياً. والشركة مملوكة جزئياً لعائلة روبرت ميرسر، وهو مدير صندوق أميركي للتحوّط يدعم العديد من الأهداف السياسية اليمينية المحافظة.
في العام 2015 ، شاركت الشركة في البداية في تحليل البيانات لحملة تيد كروز الرئاسية. وفي العام 2016، عملت مع حملة دونالد ترامب الرئاسية، ومع حملة “الخروج من الإتحاد الأوروبي” لإنسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي. كان دور “كامبريدج أناليتيكا” في تلك الحملات مثيراً للجدل وهو موضوع تحقيقات جنائية مستمرة في كلا البلدين.
من الواضح أن فضيحة إستخراج البيانات هذه ترقى إلى إعتداء خطير على العملية الديموقراطية، وهي إلغاءٌ للقيم التأسيسية التي قامت عليها شركة “فايسبوك”، وتسيء بشكل واضح إلى المعلومات الشخصية التي يتقاسمها الأعضاء على هذه الشبكة للتواصل الإجتماعي التي أصبحت شركة عملاقة مع القليل من الإشراف التنظيمي إذا وُجِد. إن هذا التدخل المُتعَمَّد والمقصود والتلاعب الصارخ يخرقان قوانين حماية البيانات في جميع أنحاء أوروبا ومجموعة كبيرة من الدول، ويجب محاسبة المسؤولين عن ذلك.
وفي بريطانيا، دعا أعضاء مجلس العموم مؤسس “فايسبوك” مارك زوكِربيرغ للإدلاء بشهادته أمام لجنة تابعة للمجلس لشرح ما يعرفه هو و”فايسبوك” – ولماذا تم السماح لعمليات “كامبريدج أناليتيكا” أن تحدث؟ كم عدد الشركات الأخرى التي حصلت على مثل هذه البيانات الملغومة؟ ما هو حجم إستخراج البيانات؟ لماذا تكون البيانات الشخصية مُتاحة بحرية لمن لديهم قدرات “خوارزمية” (إحتسابية) للتأثير في حياتنا بشكل غير ملائم؟ أين إشراف الشركة؟ أين حماية البيانات الشخصية؟ كيف كانت شبكة التواصل الاجتماعي هذه قادرة على الحصول على هذه القوة الجامحة؟ وكم إستفادت من البيع المُتعمِّد أو المقصود للبيانات الشخصية؟ هذه ليست سوى بعض الأسئلة التي يحتاج زوكِربيرغ ومجلس إدارته إلى الجواب عنها – وقريباً.
كان الهدف الأصلي ل”فايسبوك” هو إنشاء منصّة يُمكن من خلالها للأصدقاء البقاء على تواصل. الآن، صارت المنصّة حملة إعلانية ضخمة، كما تحوّلت إلى منصّة إخبارية، لا يوجد فيها أي إشراف، ولا قيم تحريرية، ولا أخلاق، ولا تَحَكُّم، ووسيلة تتلاعب عن قصد بمعلومات مستخدميها، وتتقاسمها على ما يبدو مع طرف ثالث ومُسوِّقين بقصد تعظيم الأرباح. لقد إستخدمت شبكة التواصل الإجتماعي العملاقة بياناتها التي جمعتها عن ملياري مستخدم لها للتلاعب السياسي والإستغلال التجاري وتخريب أو تحريف الأخبار والمحتوى.
الواقع أن هذا الخرق للبيانات يُمثل خرقاً للثقة من جانب “فايسبوك”، وينبغي أن تُحاسَب على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى