الجزائر في عين العاصفة؟

أدت سلسلة من الاحتجاجات قام بها العاملون في القطاع العام في الجزائر أخيراً إلى إزعاج” التوازن الدقيق في البلاد. السؤال الآن الذي يطرحه الخبراء ما هو المرجح أن يحدث بعد ذلك؟

الرئيس عبد العزيز بوتفليقة: الحاكم الصامت؟

بقلم عبد القادر شرف*

بعدما هزّت الجزائر أخيراً سلسلة من الإضرابات والمظاهرات العمالية في كل من قطاعي التعليم والرعاية الصحية، يطرح معظم الخبراء السؤال التالي: هل ستواجه البلاد عاماُ من الإضطرابات التاريخية التغييرية؟
مع إقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية في العام 2019 ومعها إحتمال ولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة (81 سنة)، يضع كثيرون في حكومته اللوم، بالنسبة إلى الإحتجاجات الإجتماعية الأخيرة، على “أيدٍ أجنبية”.
على مدار الأشهر الثلاثة الفائتة، أضرب بعضٌ من نقابات المعلمين بسبب عدم رفع الرواتب وظروف العمل. لكن عندما وصلت محاولات التوفيق بين النقابات والحكومة إلى طريق مسدود، تحوّل النظام إلى الإمام علي آية، وهو شخصية دينية معروفة، لنزع فتيل الوضع القابل للإشتعال. لكن جهوده لم تصل إلى أي شيء حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، كان ما يقرب من 13,000 عامل في قطاع الصحة العامة أضربوا عن العمل منذ ثلاثة أشهر تقريباً رغم أن المحاكم أعلنت أن أفعالهم غير قانونية. وقد قاموا بإحتجاجاتهم بسبب ضعف الرواتب وظروف العمل السيئة والإعفاء من الخدمة العسكرية.
ومما زاد الطين بلة، أن الشرطة فرّقت بالقوة إعتصام عمّال القطاع العام في الجزائر العاصمة حيث أصيب 20 متظاهراً وأُلقي القبض على عدد منهم.
في الجزء الجنوبي من البلاد، لا يزال الوضع الإجتماعي – الإقتصادي للطوارق يتميز بالتهميش والإقصاء والضيق. وقد أرسل قائدهم أمين عقال الهقار أحمد إيدابر ، إنذاراً نهائياً إلى السلطات قبل “إتخاذ أي إجراء”، على حد قوله. على الجانب الآخر، طالب الطاهر بلعباس، القيادي في “حركة العاطلين من العمل في الجنوب”، بـ”تغيير حقيقي”.
وتأتي هذه الاحتجاجات في وقت يتسم الوضع الداخلي بعدم اليقين السياسي المستمر حيث أن الرئيس بوتفليقة لم يتحدث مباشرة إلى الشعب منذ تعرضه لسكتة دماغية في العام 2013.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ إستقلال البلاد عن فرنسا في العام 1962، حاولت النخبة الحاكمة فيها الحفاظ على الإنسجام الإجتماعي من خلال الإنفاق العام، الذي إزداد بشكل كبير منذ أن وصل بوتفليقة إلى السلطة في العام 1999، لكن الخيارات أخذت تتناقص مع كل جولة من الإضطرابات الشعبية.
لقد إنخفضت عائدات النفط والغاز السنوية بشكل كبير منذ العام 2014، مما أجبر النظام على خفض الدعم وتأمين مصادر تمويل جديدة لتغطية العجز في الموازنة. كما حدّت الحكومة من إستيراد مئات البضائع. وتُظهر مؤشرات تكاليف المعيشة إلى أن أسعار الغذاء قد إرتفعت بنسبة 15 في المئة.
وفي هذا السياق المليء بالتحديات، ولتخفيف وجع الضربة، دعا بوتفليقة الأطباء والمُدرّسين المضربين إلى وضع حدّ لخلافهم مع المسؤولين، معتبراً أن الطبيعة المُتقلِّبة لأسواق النفط العالمية والموجات الصادمة التي ترسلها من خلال المحفظة المالية العامة “يتطلب منا تحرير إقتصادنا من الإعتماد على عائدات النفط”.
وهذا الأمر يتناقض مع حقيقة الوضع. لقد كان تنويع الإقتصاد قضية رئيسية في الجزائر بعد الاستقلال، لكن السياسات المُتعاقبة فشلت في الحدّ من إدمانها على عائدات النفط.
بالمقارنة مع جيرانها الفقراء في الموارد، فمن الواضح أن الجزائر تتراجع إلى الوراء. ويبدو أن فضيحة “أوراق بنما” في العام 2016 كشفت الفساد على نطاق واسع بين المسؤولين مثل الوزير السابق شكيب خليل ومديرين تنفيذيين لشركة النفط المملوكة للدولة “سوناطراك”.
وجادل عالم الإجتماع الجزائري هواري عدي، الذي يعيش في مدينة ليون الفرنسية، في مؤتمر عُقد منذ أسبوعين بأن الجزائر قد حصلت على تريليون دولار في الفترة بين العام 2002 إلى العام 2014. وفي حين أن مبلغ 500 مليار دولار قد دُفِع إلى شركات أجنبية لبناء البنية التحتية وخُصص مبلغ 300 مليار دولار للسلع المستوردة، فإن 200 مليار دولار المتبقية قد إختفت في شكل فواتير مُبالغ فيها والتي غطت العمولات على عقود الاستيراد والتصدير الرئيسية.
يبدو أن النخبة الحاكمة مُترددة في مواجهة ومعالجة الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها سكان الجزائر البالغ عددهم 40 مليون نسمة. إن الوضع المتردي والمستمر حتى حلول خلفٍ لبوتفليقة قد يؤدي إلى ظهور سلسلة من الإضطرابات الشعبية العنيفة. إن تأثير دولة جزائرية في أزمة لا يُمكن ولا ينبغي الإستهانة به.

• الدكتور عبد القادر شرف هو باحث مستقل مقره في الولايات المتحدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى