كيف روَّع النظام السوري معارضيه بكل أنواع الأسلحة القاتلة والمُدَمِّرة!

الجهود التي يبذلها السوريون للصمود بوجه القصف الجوي في الغوطة الشرقية جعلتهم أكثر هشاشة أمام الهجمات الكيميائية.

لم يبقَ لساكني الغوطة سوى الرحيل!!!

بقلم ناتاشا هال*

منذ شنَّ نظام بشار الأسد هجوماً جوياً ومدفعياً واسع النطاق على الغوطة الشرقية في 18 شباط (فبراير)، يتكدّس المدنيون في تلك المنطقة في عدد محدود من الملاجئ التي لا يصلها الهواء تحت الأرض من أجل النجاة من الذخائر المتفجّرة. وقد تحدّثت التقارير أيضاً عن شنّ هجمات بغاز الكلور. وإزاء تناثر الأسلحة المتفجّرة والكيميائية، بات الأشخاص الذين يكافحون من أجل الصمود، أمام خيار مستحيل: الموت في ملجأ تحت الأرض إختناقاً بسبب تنشّق الغاز السام، أو المجازفة بالتعرّض للإصابة بالمتفجرات فوق الأرض. وفي هذا السياق، يزداد عجزهم ويأسهم.
لقد دفع الإستخدام الواسع للذخائر المُتفجِّرة خلال الأعوام الخمسة الماضية من قبل النظام السوري وحلفائه الروس، بالمدنيين إلى حفر كهوف وأقبية، وملاجئ تقع بالكامل تحت الأرض، للإحتماء من هذه الهجمات. وفقاً لمنظمة “مكافحة العنف المسلّح”(AOAV) التي ترصد الأذى اللاحق بالمدنيين بسبب الأسلحة المتفجّرة، أصبحت هذه الهجمات شائعة بوتيرة مطردة في سوريا. لقد تسبّبت الأسلحة المتفجرة – بما فيها الهجمات الجوية، والقصف، والعبوات الناسفة – بتسجيل 13,313 إصابة مؤكَّدة في صفوف المدنيين بين قتيل وجريح في العام 2016، مقارنةً بـ8,732 في العام 2015، والسبب الأساسي وراء إرتفاع أعداد الإصابات هو الزيادة بنسبة 77 في المئة في عدد الهجمات الجوية التي يشنّها الطيران الحربي السوري والروسي. وتشير البيانات الأولية لمنظمة”مكافحة العنف المسلح” عن العام 2017، إلى أن حصيلة القتلى المدنيين جراء المتفجرات التي تُطلَق من الجو في سوريا إزدادت بنسبة 55 في المئة، من 6,382 في العام 2016 إلى 8,051 في العام 2017. تُشَنّ غالبية هذه الهجمات على مناطق مأهولة، ما يؤكّد أنها إستراتيجية مُتعَمّدة من النظام. ومن أجل التعامل مع هذا الواقع، أقدم المدنيون على بناء مستشفيات ومدارس تحت الأرض تجنّباً للهجمات.
كذلك سُجِّل ما لا يقل عن 198 هجوماً بغاز الكلور في سوريا منذ العام 2012، بما في ذلك 8 هجمات منذ مطلع العام 2018، وفقاً للجمعية الطبية السورية – الأميركية. وقد تسبّب هجوم بالقذائف، أخيراً، على بلدة حمورية في الرابع من آذار (مارس)، ب”إنبعاث مواد مُسببة للإنزعاج والتهيّج”. على الرغم من أنه جرى لاحقاً التثبّت من أن الهجوم على البلدة لم يكن بغاز الكلور، إلّا أنه أثار الذعر في صفوف المدنيين وأسفر عن إجلاء عشرات الأشخاص من المنطقة. ونادراً ما يتسبّب غاز الكلور بوفاة الأشخاص لأنه يتبعثر بسرعة، لكن بما أنه أثقل وزناً من الهواء، يندفع باتجاه الخنادق والأقبية. وفي العموم، ليست بحوزة المدنيين أقنعة للوقاية من الغاز نظراً إلى أن استخدام هذا السلاح يتم بشكل متقطّع، وهكذا فإن إرشادات التوعية للنجاة من هجوم بغاز الكلور تفترض التوجّه إلى مستوى أعلى عن الأرض. غير أن هذا الأمر يتعارض بشكل مباشر مع التحذيرات التي يُطلَب التقيّد بها في معظم الهجمات بالذخائر التقليدية. في العام 2015، لقيت عائلة من ستة أشخاص كانت تختبئ في ملجأ تحت الأرض في ناحية سرمين، مصرعها في هجوم بغاز الكلور، لأنها كانت تتواجد تحت الأرض للإحتماء من الهجمات الجوية.
كذلك يُثير إستخدام غاز الكلور مخاوف من إستعمال غازات أشدّ فتكاً. يمكن أن تتشابه العوارض الأولى التي تظهر على الشخص عند تعرّضه لغاز الكلور – بما في ذلك الشعور بألمٍ حارق في الحلق والعينَين، وصعوبة في التنفّس، وسعال، وعيون دامعة، وغثيان وتقيؤ – مع رد الفعل على عدد كبير من الأسلحة الكيميائية الأخرى. وهي تشبه في شكل خاص العوارض الأولى التي تظهر عند الشخص الذي يتعرض لغاز السارين، والتي يمكن أن تتطور إلى تشنجات، وشلل، وإلى الوفاة في غضون دقائق معدودة. بعد إطلاق قذائف مليئة بغاز السارين على أحياء زملكا وعين ترما والمعضمية في الغوطة، في 21 آب (أغسطس) 2013، ما أسفر عن مقتل 1300 شخص وإصابة أكثر من عشرة آلاف آخرين، أشرفت “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” على تدمير الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية في وقت لاحق من العام نفسه. غير أن العوارض الأولى للتعرض لغاز الكلور مشابهة إلى حد كبير لتلك التي يصاب بها الأشخاص في الدقائق الأولى لإستنشاقهم غاز السارين، إلى درجة أنه بعد شيوع إستخدام غاز الكلور في مطلع العام 2014، اعتقدت العائلات أن النظام لم يسلّم كامل أسلحته الكيميائية – وقد تبيّن أن هذا الاعتقاد صحيح عندما شُنَّ هجوم آخر بغاز السارين على خان شيخون في الرابع من نيسان (أبريل) 2017.
لقد تحوّل إستعمال غاز الكلور إلى حرب نفسية شديدة الفاعلية ضد المدنيين الذين يشعرون بأنهم عاجزون عن حماية أنفسهم – فضلاً عن أنه أرخص بكثير من الأسلحة الأخرى. يعوِّل الجيش السوري، الذي يتألف في معظمه من ميليشيات محلية تدعمه أخرى أجنبية، على هذه التكتيكات من أجل توليد مستوى من الصدمة النفسية والجسدية يقود إلى إستسلام الأشخاص المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، أو هروبهم. بهذا المعنى، الهدف الذي يتوخّاه النظام هو بثّ الخوف والإمعان في تدمير أي مظهر من مظاهر الحالة السويّة في المناطق المأهولة من المدنيين، ما يقود إلى استسلامهم التام.
يبدو النظام وحليفته روسيا متلهّفَين للسيطرة على ما تبقّى من الأراضي السورية: إنهما يقاتلان في مناطق كانت تنعم بالاستقرار سابقاً، مثل الغوطة الشرقية وقلعة المضيق في حماه، ويتجاهلان حتى الهدنات المؤقت. نظراً إلى عدم وجود جيش وطني موحّد، وإلى ما تعانيه البلاد من اقتصاد مدمَّر، سيستمران في إستخدام هذه التكتيكات المنخفضة الكلفة والتي لا تتطلب عديداً بشرياً كبيراً، لمحاربة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة قبل شنّ هجوم بري. وعلى ضوء حجم التروما ونطاقها، وحتى لو اقتصرت القوات البرية على حدّها الأدنى في المستقبل، مع إعادة إعمار هامشية أو معدومة، غالب الظن أن النظام سيتمكّن من استعادة الأراضي التي كانت خاضعة سابقاً لسيطرة المعارضة، لأن السكّان لن يجرؤوا على التمرّد.
على الرغم من وقوع هجومَين مؤكّدَين بغاز السارين، ونحو مئتَي هجوم بغاز الكلور بحسب التقارير، ومئات الهجمات على الأحياء السكنية، وعلى الرغم من التوصل إلى العديد من إتفاقات وقف إطلاق النار من طريق التفاوض، آخرها إتفاق أُبرِم في 24 شباط (فبراير) الماضي، لم تترتب سوى تداعيات قليلة على النظام السوري جراء هذه الممارسات، ما يُثير المخاوف من أن المعايير المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان تنهار على نطاق واسع وعلى مرأى من الجميع. وسوف يواجه النظام السوري صعوبات في إعادة بناء البلاد المدمَّرة، وإحكام سيطرته على الأراضي التي استحوذ عليها أخيراً، وربما أيضاً إخماد تمرّد في السنوات المقبلة – لكنه ينجح، في الوقت الراهن، في زرع الرعب في نفوس المدنيين.
نظراً إلى أن معظم البلدان قادرة على الوصول إلى كميات كبيرة من غاز الكلور، وهو عبارة عن مادّة كيميائية تُستخدَم على نطاق واسع لأغراض مدنية، يمكن أن يُستعمَل هذا التكتيك في أي مكان ضد المدنيين إذا لم يتم تحميل المرتكبين المسؤولية ويُعاقَبون على أفعالهم. من الممكن ألّا يمثل المرتكبون أبداً أمام العدالة، غير أن تكوين قاعدة راسخة من الأدلة قد يساعد على إبقائهم قيد المساءلة في المستقبل. بما أن النظام وروسيا على السواء ينكران إرتكاب أي انتهاكات، ليس هناك من سبب إذاً كي يرفضا دخول لجنة إلى البلاد للتقصي عن هذه الممارسات. وفي حين أن إحقاق العدالة قد يستغرق سنوات، هناك بعض الخطوات التي يُمكن أن تقوم بها الأمم المتحدة الآن كي تُظهر أنه لن يتم غض النظر بالكامل عن الانتهاكات الفادحة للقانون الإنساني الدولي. وقد تشمل تلك الخطوات إنسحاب الأمم المتحدة من دمشق، حيث يحرص النظام السوري على استمرار المنظمة الدولية في تقديم المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرته، حتى فيما يمنعها من تقديم المساعدات إلى المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. فهذه المساعدات تساهم في شكل أساسي في تحرير الأموال الضرورية لمواصلة الحرب، وفق ما أشار إليه الخبراء. وهكذا تُوجِّه الأمم المتحدة رسالة خطيرة إلى العالم عبر العمل مع النظام السوري على مدار الحرب، والاستعداد للعمل مع منظمات المساعدات والمتعاقدين المتحالفين مع النظام في مرحلة إعادة الإعمار في المستقبل.

• ناتاشا هال محللة مستقلة متخصصة في شؤون اللاجئين والأزمات الإنسانية. لمتابعتها عبر تويتر: ArtInExileDC@
• عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى