أهلاً بالمرأة في الجيش الجزائري ولكن…

تقتحم المرأة صفوف الجيش الجزائري بأعداد متزايدة، إنما لا تزال تصطدم بسقفٍ جندري (نوعية الجنس) في ما يتعلق بأنواع الأدوار التي تؤدّيها.

مجندات يتمرنّ: لدى المرأة أيضاً قوة خشنة!!!

بقلم دالية غانم – يزبك*

من غير الشائع تجنيد النساء في الجيوش العربية، حتى في الأدوار غير القتالية، والسبب الأساسي هو أن المسألة لا تزال محطّ سجال على المستويَين الإجتماعي والسياسي. وفي حين أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي عمدت إلى ترقية المرأة إلى مراتب أعلى في الجيش، منذ حرب الإستقلال (1954-1962)، إلّا أن تحقيق الإندماج الجندري في القوات المُسلَّحة هو معركةٌ مستمرة منذ وقت طويل.
أخيراً، سعت السلطات الجزائرية إلى القيام بخطوات مهمّة نحو تجنيد النساء ومنحهن المساواة داخل المؤسسة العسكرية. في العام 2006، نصّ مرسوم رئاسي على جعل مكانة المرأة في الجيش مُساوية من الناحية القانونية لمكانة الرجل. وقد وضع الجيش الجزائري سياسة رسمية لتحقيق المساواة في الحقوق والفرص، وبُذِلت جهود من أجل تطبيقها.
في العام 2009، رُقِّيت فاطمة الزهراء عرجون، المديرة العامة لمستشفى عين النعجة العسكري، إلى رتبة عميد، فأصبحت أول سيدة تصل إلى هذه الرتبة في الجيش الوطني الشعبي. وتبعتها ثلاث سيدات أخريات، بينهن فاطمة بودواني التي كانت أول إمرأة تتم ترقيتها إلى رتبة لواء في العام 2017. لكن على الرغم من هذه المكاسب، لم تُدمَج النساء بالكامل في الجيش الوطني الجزائري، ولم يُرفَضن. بل يبدو أن دمجهن غير مكتمل.
تبلورت المواقف حول المرأة في الجيش الجزائري خلال حرب الاستقلال. وحتى لو أن الصورة التي جرى ترويجها آنذاك كانت للمرأة المقاتلة التي تناضل من أجل الحرية، والتي جسّدتها نساء شجاعات على غرار جميلة بوحيرد، وزهرة ظريف، وحسيبة بن بو علي، إلّا أن هؤلاء السيدات كنّ الإستثناء أكثر منه القاعدة. فواقع الحال هو أن نحو 82 في المئة من النساء المشارِكات في الحرب كنّ مسؤولات عن جمع الأموال أو الأدوية أو الأسلحة، أو عن أداء وظائف سكرتارية أو تمريضية. وشكّلت النساء ثلاثة في المئة فقط من المجاهدين، في حين أن 2 في المئة فقط من مجموع النساء شاركن في النزاع.
عند نيل الإستقلال، وغداة تحوّل جيش التحرير الوطني، الذي كان قائماً في أثناء الحرب، إلى الجيش الوطني الشعبي، إستمرّ تهميش النساء، ولم توضَع أي سياسة لتجنيدهنّ في الجيش. كان بإمكان المرأة العمل في المؤسسة العسكرية بصفة مدنية في مناصب إدارية، ولم تشهد البلاد نقطة تحوّل في هذا المجال سوى في العام 1978، عندما أصدر رئيس الجمهورية آنذاك هواري بومدين مرسوماً يُجيز للمرأة الإلتحاق بالجيش الوطني الشعبي برتبة ضابط وضابط صف. أخيراً فُتِح أمام النساء الباب الذي يؤدّي إلى “معترك الرجال”.
كانت خطوة أولى أساسية، إنما لم تعمّر طويلاً، إذ توقّف تجنيد النساء في العام 1986. فتجنيد النساء وتدريبهن، وبناء المنشآت، وتطوير رأس المال البشري، وتغطية النفقات المتعلقة بدمج المرأة وإجازة الأمومة، شكّلت عبئاً مالياً شديداً على كاهل المؤسسة العسكرية، ما أدّى إلى تعليق سياسة تجنيد النساء. وفي نهاية المطاف، غادرت معظم النساء الجيش الوطني الشعبي إما لتأسيس عائلة أو للعمل في القطاع الخاص.
في العام 2001، استؤنِف تجنيد النساء، وبدأت المرأة تؤدّي عدداً مطّرداً من الأدوار. إستُتبِع المرسوم الرئاسي الصادر في العام 2006 بخطوات إضافية لتحقيق مساواة المرأة في التجنيد والتدريب والترقية والحقوق والواجبات. وإتُّخِذت إجراءات عملية، منها إجازة الأمومة، لوضع المكانة الجديدة للمرأة حيّز التطبيق، وتسهيل مشاركتها في الجيش الوطني الشعبي.
نتيجةً لذلك، إلتحقت النساء، منذ ذلك الوقت، بمختلف فروع القوات المسلحة، مثل مدرسة أشبال الأمة المرموقة في وهران، حيث شكّلن نسبة 18 في المئة من مجموع المجنّدين في العام 2013. كذلك إلتحقن بأكاديمية الإدارة العسكرية والأكاديمية البحرية، اللتين إستقبلتا ضباطاً نساء لأول مرة في العام 2013. وتجدر الإشارة إلى أنه من أصل 92 ضابطاً في صف التخرج في الأكاديمية البحرية في ذلك العام، كان عدد الإناث 29، أي نحو 31.5 في المئة من المجموع.
كذلك قُبِلت النساء في المدرسة العليا للدرك الوطني في مدينة يسر في ولاية بومرداس. في 2002-2003، كان عدد الإناث في المدرسة 18 فقط. لكن منذ ذلك الوقت، “أفادت أكثر من ألف امرأة من التدريب الذي يُقدَّم في مدرسة يسر”، وفقاً لمدير المدرسة العقيد رياح رباح. بإمكان النساء الإلتحاق بمختلف فرق الدرك، ما عدا مجموعة التدخل والإحتياط. يقول رباح إن المرأة مستثناة من هذه الوحدات “بسبب ظروف العيش شديدة القسوة”. بيد أن هذه النزعة الأبوية الحمائية تشكّل عائقاً أمام التقدّم المهني وأمام وصول المرأة إلى المناصب العسكرية الأرفع، حيث تُعتبَر الخبرة في وحدات القتال أو التدخّل أمراً أساسياً.
أصبحت المرأة الجزائرية أكثر حضوراً في الجيش بالمقارنة مع السابق – مع إزدياد أعداد النساء في الجيش راهناً بواقع ثلاثين مرة عمّا كانت عليه في العام 1978. إنما لا يزال هناك تقسيم تقليدي للعمل من منطلق جندري. فالمرأة تعمل في الغالب في قسم المعلومات والتواصل في الجيش الوطني الشعبي، حيث تصل نسبتهن إلى 17 في المئة من النساء العسكريات و51 في المئة من النساء المدنيات الموظَّفات لدى الجيش. كذلك تعمل أعداد كبيرة من النساء في قسم الصحة، في حين تشغل نساء كثيرات أدواراً تعليمية، أي مدرِّسات أو باحثات أو عالمات. في الوقت نفسه، بالكاد تُعيَّن النساء في مناصب كبرى معنيّة بصنع القرارات في الجيش. لذلك، لسن فعلياً في موقع يخوّلهن المشاركة في القرارات التي من شأنها أن تؤثّر في حياة زميلاتهن ومسيراتهن المهنية.
كذلك تُستبعَد المرأة من فرق المشاة والمدرّعات والمدفعية الميدانية. ومن هذا المنطلق، تُحظَر عليها المشاركة في القتال، ولا يُمكنها بالتالي تولي قيادة العمليات العسكرية. نتيجةً لذلك، وفي المواقع الأعلى من رتبة رائد، تُقطَع الطريق أمام المرأة وتُمنَع من الوصول إلى المراتب نفسها التي يبلغها الرجل، ما يُظهِر أن سياسة المساواة التي ينتهجها الجيش الوطني الشعبي لا تُطبَّق كما يجب.
ينبغي على الجيش الوطني الشعبي أن يواظب على تشجيع إنضمام النساء إلى المؤسسة العسكرية، مع العمل على توسيع نطاق وظائف المرأة وتجنّب حصرها فقط بالمناصب النمطية التي يُنظَر إليها بأنها مقتصرة تقليدياً على النساء. يجب أن تتمكّن المرأة من الإلتحاق بالوحدات القتالية، إذ يتعيّن عليها أن تؤدّي دوراً محورياً في عمليات مكافحة الإرهاب، ما يتيح لها المساهمة في حماية الجزائر. أضف إلى ذلك أنه عبر فرض قيود على إنضمام المرأة إلى هذه الوحدات، يتسبّب الجيش الوطني الشعبي بتحجيم المقلع الذي يمكن أن يخرج منه قادة أكفّاء، ما يحدّ من الفعالية الإجمالية للوحدات.
بمقدور المرأة المساهمة في التفكير النقدي والخلاّق داخل المؤسسة العسكرية، ما يُفضي إلى الإستخدام الأمثل للاستخبارات وتفعيل صنع القرارات. والأهم من ذلك، تستطيع الجزائر، عبر دمج النساء في القوات المسلحة، المساهمة في الدفع بإتجاه ثقافة عسكرية مختلفة جداً في البلاد. وهكذا بإمكان المرأة، عبر المساهمة في إعادة صياغة العلاقات المدنية – العسكرية، ردم الفجوة بين الجيش والمجتمع.

• دالية غانم – يزبك باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تتمحْور أبحاثها حول العنف والتطرّف السياسيين، والتعصّب، والإسلاموية، والجهادية، مع تركيز خاص على الجزائر وعلى انخراط النساء في التنظيمات الجهادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى