مناقصة على مفاعلين نوويين في السعودية تُثير المخاوف من إنتشار الأسلحة النووية

أعلنت المملكة العربية السعودية أخيراً عن مناقصة لبناء مفاعلين نوويين حيث من المرجح أن تُعلن عن إسم الفائز بالصفقة في وقت لاحق من آذار (مارس) الجاري. وقد أثار هذا الأمر قلقاً في المحافل الدولية من إنتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

الرئيس دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان: هل يستطيع الثاني أن يُقنع الأول بالصفقة حسب شروطه؟

بقلم راشيل فورلو*

وسط التركيز الكلي على ما إذا كانت إدارة دونالد ترامب ستُعيد التصديق على الإتفاق النووي الإيراني الذي وُقِّع في العام 2015، عمدت المُنافِسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، المملكة العربية السعودية، إلى إعادة إحياء طموحاتها النووية الخاصة. وفي وقت لاحق من هذا الشهر، ستُعلن الرياض عن إسم الفائز بالعقد لبناء أول مفاعلين نوويين في البلاد والذي ستبلغ قيمته مليارات الدولارات، حيث من المقرر أن يتم بناؤهما بمحاذاة الخليج العربي. ويتنافس كونسورتيوم أميركي مع كثيرين آخرين في ما أصبح يبدو مسابقة جيوسياسية، ولكن ليس من دون جدل وخلاف.
لقد شاركت الولايات المتحدة في أكثر من 100 صفقة نووية مثل هذه من قبل ، فما الذي يجعل واحدة مع المملكة العربية السعودية تُثير مثل هذا الخلاف والإنقسام؟ تريد الرياض الحصول على قُدرات لتخصيب اليورانيوم، وهي سمة أساسية في صنع الأسلحة النووية التي تسببت في الكثير من القلق وهي في حوزة إيران. إن واشنطن التي تشعر بالقلق من إشعال سباق تسلح إقليمي تبدو متردّدة للتخلي عن بنودها الوقائية التي تهدف إلى منع إستخدام التكنولوجيا النووية المدنية لأغراض عسكرية، وهو ما يعني في واقع الأمر تغيير القواعد بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية. لكن الإصرار على فرض قيودٍ أشدّ من المحتمل أن يدفع الرياض إلى أحضان مُزايدٍ صيني أو روسي لا يحتاج إلى تعديلات صارمة في مفاعله لمعالجة مخاوف عدم إنتشار الأسلحة النووية. بالإضافة، ونتيجة لذلك ، فإن قطاع الطاقة النووية الأميركي المتخلّف أصلاً سيفقد فرصة عمل أخرى.
ورغم كل الجدل الدائر حول عقد المفاعلين، فإن رغبة المملكة العربية السعودية وسعيها إلى الحصول على الطاقة النووية ليست جديدة. في العام 2008، أبرمت أميركا صفقة مع المملكة للحصول على الطاقة النووية للإستخدام المدني فقط. لكن منذ ذلك الحين، تراجعت الرياض عن الشروط المُتَّفق عليها، وفي أواخر 2017، قال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أنه يتوقع توقيع عقد لبناء مفاعلين نوويين بحلول نهاية العام 2018. والآن، فيما يخطط وزير الطاقة الأميركي ريك بيري لرحلته الثانية إلى المملكة العربية السعودية في غضون ثلاثة أشهر فقط، ويستعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للشروع في جولة تستغرق أسابيع عدة في الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر، فقد تم إعداد المسرح للصفقة.
لكن لا تزال هناك نقطة شائكة واحدة: إن الرياض ترغب في تخصيب اليورانيوم. وفي الماضي، كانت عمليات نقل المواد النووية الأميركية دائماً تُحمى بشكل صارم من إمكانية تطويرها إلى غرض عسكري. وكجزء من قانون الطاقة الذرية لعام 1954، يجب أن تتوافق المبيعات النووية إلى دول أجنبية مع ما يُعرف بإتفاقية 123، التي تقيد إستخدامات مُعيَّنة للتكنولوجيا النووية. في صفقات مع الإمارات العربية المتحدة وتايوان، على سبيل المثال، تم حظر كلا البلدين من تخصيب اليورانيوم بالكامل؛ ويشار إلى هذه الصفقات الآن ب”المعيار الذهبي” للإتفاقات النووية.
وقد تمّ ذلك لسبب وجيه. إن القيود السهلة أو المُتساهلة، على الكيفية التي يُمكن فيها إستخدام التكنولوجيا النووية، يُمكن أن تؤدي إلى خلق ثغرات تسمح للبلدان بتطوير أسلحة نووية، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض الجهود الدولية السابقة لمنع الإنتشار النووي. إن إكتساب المملكة العربية السعودية لمثل هذه القدرات من شأنه أن يحوّل توتراتها مع إيران إلى أزمة نووية مُحتملة. لكن الرياض – مثل طهران ، في الواقع – حافظت بإستمرار على حقها في الحصول على قدرات التخصيب كعضو مُوَقِّع على معاهدة حظر الانتشار النووي، والذي يسمح للدول بتطوير مثل هذه التكنولوجيا طالما أنها لا تُستَخدَم عسكرياً.
على الرغم من هذه التأكيدات، لا تزال أميركا حذرة. وإذا سمحت واشنطن بيع التكنولوجيا النووية للرياض من دون تطبيق وتنفيذ ضمانات، فإن المحللين يخشون من أن يقود ذلك الدول الأخرى إلى السعي إلى إعادة التفاوض بشأن صفقاتها الخاصة بالتجارة النووية مع الولايات المتحدة. إن الإتفاقية الإماراتية، التي تم التفاوض عليها في العام 2009، تتضمّن بنداً يسمح لأبو ظبي إعادة فتح المفاوضات إذا تخلّت الولايات المتحدة عن القيود المفروضة على أي دولة شرق أوسطية أخرى. وهذا يُمكن أن يفتح الأبواب المغلقة لبلدان مثل مصر أيضاً للبحث عن شروط مُعدَّلة التي من شأنها أن تجعل من السهل على التكنولوجيا النووية العسكرية أن تنتشر في المستقبل.
في كلتا الحالتين، إذا وافقت إدارة ترامب على صفقة المفاعلين من دون الأخذ بإتفاقية 123، فمن المحتمل أن تواجه ضغطاً كبيراً من الكونغرس. وبحسب ما ورد في بعض المعلومات فإن “إد ماركي”، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قد أبلغ السفير السعودي في واشنطن بأن أي إتفاق من هذا القبيل قد يفرض التصويت في المجلس والنقاش حول البيع. ومن شأن ذلك، على أقل تقدير، أن يؤخر إنهاء الصفقة ويدفع بالمملكة العربية السعودية نحو عروض أخرى، أو يوقف الصفقة تماماً.
ومع ذلك ، يبدو أن هذا لم يردع إدارة ترامب. على الرغم من العواقب، فإن السعي إلى إبرام صفقة مفاعلين نوويين مع المملكة العربية السعودية قد لا يعود بالنفع على الأعمال الأميركية فحسب، بل قد يكون أيضاً أمراً جوهرياً بالنسبة إلى مكانة واشنطن العالمية، حيث أن العرض السعودي قد إتخذ صبغة جيوسياسية أخرى.
في قلب هذا النقاش تكمن رغبة إدارة ترامب في إطلاق قطاع الطاقة النووية الأميركي، الذي تراجع خلف منافسيها الدوليين. إن المُزايد الأميركي الرئيسي للعقود السعودية هو شركة “وستنغهاوس” (Westinghouse)، التي أفلست في آذار (مارس) 2017 بعد أن خسرت عقوداً لأربعة مفاعلات في الولايات المتحدة، وهو تطور أدّى إلى فقدان الآلاف من الوظائف المحلية وأجبر الشركة على النظر دولياً للحصول على مشاريع مستقبلية.
من دون صفقة مع واشنطن، فإن الرياض على الأرجح ستستبعد “وستنغهاوس” لصالح شركة روسية أو صينية مملوكة للدولة. وهذا الأمر لن يؤدي فقط إلى تعريض جهود منع إنتشار الأسلحة النووية للخطر، حيث إن اتفاقية المفاعلات الأميركية – السعودية الأضعف ستوفر ضمانات أكثر من عقد روسي أو صيني، كما أنها ستهدد بتقليص النفوذ الديبلوماسي الأميركي في المنطقة.
لذا فإن الولايات المتحدة عالقة في مأزق. فإما أن تسمح إدارة ترامب بالبيع، وتتحمل مسؤولية إدارة خطر الانتشار النووي، أو يمكنها الإصرار على إتفاق “معيار الذهب”، الذي من شأنه أن يدفع السعوديين إلى البحث في مكان آخر. ولكن قد يكون هناك خيار ثالث.
بدلاً من إستخدام “معيار الذهب” كنموذج، يمكن للولايات المتحدة أن تنظر إلى الاتفاقية النووية التي وُقِّعت في العام 2015 مع إيران. وعلى الرغم من أن هذا الإتفاق لا يزال مثيراً للجدل – والرئيس دونالد ترامب نفسه قال أنه يود تعديله أو إلغاءه – إلّا أن قيوده يمكن أن توفّر الضمانات المحدودة اللازمة لصفقة الطاقة النووية مع المملكة العربية السعودية. وبموجب إتفاق مماثل، سيكون لدى المملكة العربية السعودية القدرة على إستخدام التكنولوجيا النووية للأغراض المدنية في المدى القصير، مع إمكانية إضافة قدرات تخصيب اليورانيوم في المستقبل. إن روبرت أينهورن، مساعد وزيرة الخارجية السابق لحظر الانتشار النووي في عهد الرئيس بيل كلينتون، حدد الشروط المحتملة لمثل هذه الصفقة في مقالة في كانون الثاني (يناير) الفائت: يُمكن أن تشمل الصفقة شروطاً مثل تأخير لفترة 15 سنة قبل متابعة التخصيب ومراقبة واسعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مثل هذا الإتفاق لن يكون مثالياً بالتأكيد. ولكن إذا كان الدافع الرئيسي للمملكة العربية السعودية هو تنويع قطاع الطاقة لديها ومواكبة البرنامج النووي الإيراني، فقد ينجح ذلك. ما زال من الممكن السماح للرياض بمتابعة تطوير الطاقة المدنية، وستكون هذه الصفقة مماثلة لتلك التي ترتبط بها طهران حالياً.
عندما يزور الأمير محمد بن سلمان الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر، مع التوقف في محطات في جميع أنحاء البلاد لجذب الإستثمار والأعمال التجارية في جدول أعماله الطموح، فإنه سيجتمع أيضاً مع مسؤولين أميركيين لإجراء محادثات حول المفاعلات المخططة. لقد تحدث ترامب بتهوّر عن الأسلحة النووية، إن لم يكن الطاقة النووية، والذي لا يبشر بالخير في الحفاظ على الضمانات النووية لحليف كان حاباه وإستعدّ له أكثر من أي حليف آخر. ولكن، في هذه الحالة على وجه الخصوص، لا تستطيع الولايات المتحدة التخلّي عن قيودها النووية تماماً.

• راشيل فورلو محللة مستقلة لشؤون الشرق الأوسط تركّز على اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، ومقرها حالياً في عمّان، الأردن.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرَّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى