“بيتكوين” ليست عملة المستقبل

بقلم كابي طبراني

بعدما نجحت فقاعة العملة الرقمية “بيتكوين” من زيادة عدد أصحاب المليارات، حسبما جاء أخيراً في مؤشر “بلومبيرغ” للأكثر غنى في العالم، بدأت نقاشات عدة مُثيرة للإهتمام. واحدٌ منها هو حول ما إذا كان يجب على الحكومات إصدار عملة رقمية مُشَفَّرة (cryptocurrency) خاصة بها.
الجواب غير مُرضٍ (وإن كان صحيحاً): إن الأمر يتعلّق بأشياء عدة. فالمستقبل غير النقدي (بعيداً من “الكاش”) في طريقه إلينا بالفعل، والحكومات والمصارف المركزية ليس أمامها خيار سوى التحضير له. ولكن المستقبل غير النقدي لا يتطلب بالضرورة عملة رقمية مدعومة من الحكومة. وفي حين أن التكنولوجيا الكامنة وراء “بيتكوين” وغيرها من العملات الرقمية من المؤكد أنها ستستفيد من العديد من التطبيقات، فإن إستبدال النقد المادي وحلولها مكانه من غير المرجح أن يكون واحداً منها.
إن تقنية “سلسلة الكتل” أو “بلوك تشين” تُعطي “بيتكوين” خاصتين حاسمتين – يُمكن تبادلها من الند إلى الند من دون الحاجة إلى وسيط موثوق به، وتُتيح للمعاملات بأن تكون مجهولة المصدر. في كلتا الحالتين، فإن بيتكوين تُشبه النقد المادي (الكاش). ولكن في حين أن النقد المادي هو من مسؤولية الحكومة، ويسيطر البنك المركزي على قيمته، فإن “بيتكوين” ليست من مسؤولية أي دولة ولا أحد يسيطر عليها. إن هذا هو عيبها القاتل كعملة. لا يوجد شيء لإيقاف قيمتها من الإنهيار والإنخفاض إلى الصفر.
من ناحية أخرى، يُمكن للحكومات، إذا أرادت، إصدار عملة رقمية مشفرة، مثل “بيتكوين”، خاصة بها، وجعلها عملة قانونية (legal tender)، ودعم قيمتها. والسؤال هو: لماذا تريد ذلك؟ إن جهل المصدر الذي سيوفره النقد المادي في هذه الحالة هو عيبٌ، من وجهة نظر الحكومة، لأنه يؤدي إلى التهرّب الضريبي والجريمة. لذا فإن عملات رقمية يصدرها البنك المركزي، إذا صدرت يوماً، من المرجح أن لا تكون مجهولة المصدر.
لن يكون هناك أي سبب أيضاً لعملات البنك المركزي الرقمية للإستغناء عن وسيط موثوق به – لأن هذا هو أمر من الأمور المهمة للبنك المركزي. وكما إتضح، فإن الوسطاء الموثوق بهم من شأنهم أن يُسَهّلوا عَمَل العملات الرقمية على نطاق واسع. وبعدم وجود هؤلاء الوسطاء، فإن الأنظمة القائمة على تقنية “سلسلة الكتل” هي أكثر تعقيداً بكثير، وتتطلب كميات هائلة من القدرة الحاسوبية.
لذا فإن العملات الرقمية المدعومة من الحكومة، إذا صدَرَت يوماً، لن تعمل مثل “بيتكوين”. ولكن هناك سؤالاً أساسياً أيضاً: هل ستكون هناك حاجة إلى عملات رقمية مشفرة مدعومة من الحكومة في أحد الأيام؟
لا تأخذ ذلك كأمر مفروغ منه. الواقع أن النقد المادي يبدو على نحو متزايد بأنه أصبح شيئاً قديماً عفا عليه الزمن. في السويد، على سبيل المثال، هناك بعض المتاجر لم يعد يقبل الأوراق والقطع المعدنية النقدية. وتستفيد البلدان التي هي في طور النمو بشكل متزايد من الأموال المنقولة من حساب إلى آخر من طريق الهاتف المحمول. ولكن أياً من هذه الإبتكارات الإلكترونية النقدية تطلّب عملة رقمية، أو عملة رقمية مدعومة من الحكومات. فالإقتصادات تسير سعيدة من دون نقد.
علاوة على ذلك، قد تكون لعملة رقمية، يُطلقها البنك المركزي بشكل واسع النطاق، عواقب غير مقصودة بعيدة المدى. وخلافاً للنقد المادي، يُمكن أن تكون بديلاً قريباً من حسابٍ جارٍ في مصرف تجاري (مع عدم وجود خطر من فشل البنك أيضاً). إن هذه المنافسة الجديدة المدعومة من الحكومة قد تتطلّب من المصارف إعادة النظر في أعمالها، ومن الحكومات مراجعة نهجها بالنسبة إلى التنظيم المالي.
من المؤكد أنه ينبغي ألّا يكون هذا الأمر غير وارد. إن النظام المالي الذي يُمكن أن يتشكل عندها – واحدٌ يعتمد بدرجة أقل على الكيمياء الخطيرة في المصارف التقليدية، التي تستخدم الودائع القصيرة الأجل لتمويل القروض الطويلة الأجل المحفوفة بالمخاطر – قد يكون تحسّناً.
على هذا النحو، كما يقول الخبراء، هناك حاجة إلى مزيد من البحوث. حتى الآن، كانت البنوك المركزية حكيمة بموقفها الحذر. وعلى الرغم من أن هذا الأمر واضح بالفعل: فإن مستقبل المال قد يشمل أو لا يشمل النقد الرقمي – ولكن مثل هذه العملة المدعومة من الحكومة، إذا صدرت يوماً، سوف تكون مختلفة جداً عن “بيتكوين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى