تركيا تُحاوِل تحويل روسيا وإيران ضد أميركا في سوريا لتحقيق أهدافها ضد الأكراد

من خلال إثارة المشاعر وتعبئة جبهة مشتركة ضد الولايات المتحدة في سوريا يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التقليل من حدة تصاعد التوتر مع روسيا وإيران ويحاول إصلاح وتحسين العلاقات معهما لتحقيق أهداف أنقرة ضد الأكراد.

الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون: هل توصلا إلى حل في سوريا؟

بقلم غونول تول*

أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في تصريح أخيراً أن الولايات المتحدة تعمل ضد مصالح تركيا وايران وربما روسيا في شمال سوريا، حيث تُرسل مساعدات عسكرية إلى الميليشيات الكردية السورية. وقال أردوغان امام أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان: “اذا أعلنت واشنطن أنها سترسل 5 آلاف شاحنة و2,000 طائرة شحن من الأسلحة لمحاربة “داعش”، فإننا لن ولا نُصدّقها، لأن هذا يعني أن (الولايات المتحدة) لديها حسابات ضد تركيا وإيران، وربما روسيا”. من خلال إثارة المشاعر وتعبئة جبهة مشتركة ضد أميركا، يسعى أردوغان إلى التقليل من حدة تصاعد التوتر مع روسيا وإيران ويحاول إصلاح وتحسين العلاقات معهما. وإذا نحج في ذلك، فإنه سيتعين على واشنطن أن تتعامل مع تركيا الأشد عناداً والأقل مساومة والتي يزورها وزير الخارجية ريكس تيلرسون في 15/02/2018.
ويأتي تصريح أردوغان في وقت يتصاعد فيه التوتر بين تركيا وروسيا وإيران حول سوريا. وقد أقامت الدول الثلاث شراكة في بلاد الشام وقادت المحادثات السورية في أستانا، عاصمة كازاخستان. ولكونها مُحبَطة من التعاون القائم بين الولايات المتحدة والميليشيا الكردية السورية، “وحدات حماية الشعب”، فقد توجّهت أنقرة إلى موسكو وطهران طلباً للمساعدة. وكانت تركيا أقامت “مراكز مراقبة” في شمال غرب محافظة إدلب، المعقل الاخير للمعارضة المناهضة للأسد، وذلك في اطار الجهود التي تبذلها الدول الثلاث لإقامة مناطق تخفيف التصعيد. لكن يبدو أن نية تركيا الحقيقية هي كبح جماح “وحدات حماية الشعب”، التي تسيطر على منطقة عفرين المجاورة لإدلب. وأعربت تركيا عن أملها في أن تهاجم عفرين فيما تغض شريكتاها في أستانا الطرف عن ذلك. وإعتقدت أنقرة أنها حصلت على رغبتها عندما أعطت موسكو، التي تسيطر طائراتها على فضاء عفرين، الضوء الأخضر أخيراً للتوغل العسكري التركي في الجيب الكردي. وقد وافق كل من إيران ونظام الأسد مُرغَمين على تحرّك تركيا.
لكن التطورات الأخيرة على الأرض تشير الى ان الطريق الى الإمام قد لا يكون سلساً، وان الشراكة مع روسيا وإيران قد لا تكون قوية كما تأمل أنقرة. من جهتها تشعر روسيا بالإحباط بسبب فشل تركيا في خفض وإنهاء نفوذ “حركة تحرير الشام” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” في إدلب، في حين تزايد قلق إيران ونظام الأسد من الهجوم التركي على عفرين. وبعد توغل الجيش التركي أخيراً في الجيب الكردي، سمح نظام الأسد ل”وحدات حماية الشعب” نشر تعزيزات في المنطقة من خلال الأراضي الخاضعة لسيطرته. وطالبت طهران منذ أيام تركيا بوقف هجومها العسكري في سوريا، مُدّعية أن العملية كانت خرقاً للسيادة السورية وستزيد من حدة التوتر. وفي وقت سابق، هاجمت قوات النظام وأخرى مدعومة من الجمهورية الإسلامية قافلة عسكرية تركية في حلب. وفي الأسبوع الفائت، أسقطت قوات المعارضة طائرة مقاتلة روسية من نوع “سوخوي 25” بإستخدام نظام دفاع جوي محمول في إدلب. وقد أعلنت “حركة تحرير الشام” مسؤوليتها عن الهجوم. ويتهم البعض فى موسكو تركيا بالهجوم مشيراً الى ما تراه علاقة غامضة تربط تركيا مع هذه الجماعة المتطرفة المسلحة.
كل هذه الأشياء هي الأحدث في سلسلة من الحوادث التي تُشير إلى تصدّعات خطيرة في الشراكة الهشّة بين روسيا وإيران وتركيا. وفي كانون الأول (ديسمبر) الفائت، أصيبت القوات الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم الجوية السورية بنيرانٍ مدفعية وفقدت جنديين. ووضعت مصادر روسية اللوم آنذاك على تركيا قائلة ان المدفعية المُستخدَمة فى الهجوم دخلت سوريا من تركيا. وبعد الحادث، بعثت موسكو برسالة قوية إلى رئيس أركان الجيش التركي تحثّ فيها تركيا على التأكد من أن جماعات المعارضة السورية المسلحة التي هي تحت سيطرتها تحترم إتفاق تخفيف التصعيد. وبعد بضعة أيام، إستدعت وزارة الخارجية التركية السفيرين الروسي والإيراني لإنتقاد ما تقول أنقرة أنه تصعيد للقوات الحكومية السورية للعنف في مدينة إدلب.
الواقع أن ما يجعل التوتر المتصاعد مع روسيا وإيران مثيراً القلق بشكل خاص لأنقرة يكمن في العزلة المتزايدة التي باتت تركيا تشعر بها. إن البلاد تقترب بسرعة من أزمة عسكرية فى علاقاتها مع حليفتها فى حلف شمال الأطلسي “الناتو”: الولايات المتحدة. وقد إزداد التوتر حدة بعدما هدّد الرئيس أردوغان بعمل عسكري ضد “منبج”، وهي منطقة كردية شرق عفرين حيث يوجد حوالى ألفي جندي أميركي من القوات الخاصة. واذا نفّذ أردوغان تهديده، فان ذلك سيؤدي إلى مواجهة بين القوات التركية والقوات الأميركية. وتضغط واشنطن لمنع التوغل التركي في “منبج”. وقد إجتمع مستشار الامن القومي للرئيس دونالد ترامب مع نظيره التركي فى إسطنبول الأسبوع الفائت لبحث هذه القضية، ومن المقرر ان يكون وزير الخارجية ريكس تيلرسون عقد إجتماعات مع نظيره التركي مع صدور هذا الموضوع.
من جانبها تواجه واشنطن خيارات صعبة أيضاً. إن تركيا تطالب بإنسحاب القوات الكردية من “منبج”. وإذا وافقت الولايات المتحدة على ذلك، فإنها قد تهدد خططها لتحقيق الاستقرار في منطقة شمال شرق سوريا. واذا لم يحدث ذلك فان العلاقات مع حليفتها في “الناتو” يُمكن ان “تنقطع تماماً” كما حذّر وزير الخارجية التركي أخيراً. والحل التوفيقي قد يكون بحلّ مجلس منبج العسكري – وتوفير الأمن للمدينة. ويتحالف المجلس مع “وحدات حماية الشعب”. إن جهداً أميركياً بحل مجلس منبج العسكري وإستبداله بمجموعة أكثر تنوّعاً تضم فاعلين محليين ليسوا مؤيدين بشكل علني ل”وحدات حماية الشعب”، قد يوفر مخرجاً لائقاً يحفظ ماء وجه الرئيس أردوغان الذي كان يُحذر علناً من “عملية منبج وشيكة”. وإذا ما كان أردوغان سوف يستقر على أرضية وسطية سوف يعتمد على تحسن العلاقات التركية مع روسيا وإيران. ومن الأهمية بمكان بالنسبة إلى أنقرة أن تحافظ على موافقة روسيا الضمنية على العملية العسكرية التركية في سوريا والضغط الذي يمكن أن تستخدمه موسكو على إيران والنظام في دمشق للتأكد من أنهما لن يفسدا خطط تركيا.
يحاول أردوغان أن يخفف من الخلافات مع شركائه في أستانا من خلال إعلانه وتسويقه بأن الدعم الأميركي ل”وحدات حماية الشعب” هو عمل ضد تركيا وإيران وروسيا معاً. وقد أعرب عن امله في أن يستمر الضغط على واشنطن في الوقت الذي يٌمكن أن تتواجه فيه القوات التركية والأميركية فى سوريا. يعرف أردوغان أن تركيا لا يُمكنها أن تأخذ روسيا والولايات المتحدة في وقت واحد. لذا، إذا تمكنت من تخفيف حدة التوترات مع موسكو، فإن أنقرة ستكون أقل اهتماماً بما يجب أن يقدمه الوزير تيلرسون لمنع التوغل التركي في منبج.

• غونول تول هي مديرة الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات فس “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى