لماذا ستُبقي الإنتخابات التشريعية على الوضع القائم في العراق

بعد إقدامه على العديد من الخطوات الناقصة في مطلع حملته الإنتخابية فإن غالبية الخبراء تعتقد بأن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي سينتهي في نهاية المطاف مع أكثرية ضئيلة في مشهد سياسي يزداد إنقساماً.

نائب رئيس “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس: هاجم العبادي من دون أن يسميه

بقلم كيرك سويل*

من المُرتَقب أن تُجرى الإنتخابات التشريعية في العراق في 12 أيار (مايو) المقبل بعد نقاش حامِ ومُحتدِم على خلفية المساعي الهادفة إلى تأجيلها. وعلى الرغم من بعض الآمال المبنية على أن الحرب والتململ الواسع من السياسة العرقية – المذهبية قد يساهمان في إحداث تحوّل سياسي، فإن هذه الإنتخابات، على ما يبدو، تتّجه نحو إفراز حكومة ضعيفة من جديد يقودها رئيس الوزراء حيدر العبادي، الإسلامي الوطني الذي يشدّد في سياساته على ربط العراق بالغرب. إن التغيير مُستبعدٌ، نظراً إلى الدور الأمني القوي الذي تؤدّيه الميليشيات المدعومة من إيران، وإلى توزيع الحقائب الوزارية من منطلق عرقي – مذهبي، فضلاً عن الهيكلية المذهبية للتحالفات المُسجَّلة حديثاً، والضعف التنظيمي للعلمانيين وتدنّي معنوياتهم.
إنتُخِب العبادي، لولايته الأولى، في أيلول (سبتمبر) 2014 بسبب حدوث إنقسام في صفوف “إئتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو التحالف الإنتخابي الذي حصد العدد الأكبر من المقاعد في نيسان (إبريل) من ذلك العام. لقد أدّى إنهيار الجيش العراقي وسقوط الموصل في قبضة ما يُسمّى بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إلى القضاء على صدقية المالكي، الأمر الذي أسفر عنه إنتخاب العبادي رئيساً للوزراء. وقد تبادل الرجلان الإنتقادات في الأعوام الثلاثة الماضية، ولا يتوانى العبادي عن إنتهاز كل الفرص المُتاحة للإلقاء باللائمة، في جميع المشكلات التي يتخبّط فيها العراق، على الحوكمة السيئة في ظل سلفه.
على ضوء الإنقسامات في “إئتلاف دولة القانون”، والفصيل الأساسي فيه، “حزب الدعوة الإسلامية”، الذي ينتمي إليه كلٌّ من المالكي والعبادي، لم يتّضح بعد ما هي الصيغة التي سيترشّح العبادي من خلالها وعلى أساسها. وعلى الرغم من أن العبادي تكتّم على خططه، إلّا أن التقارير الإخبارية في العراق والمنطقة العربية كشفت، على إمتداد العام 2017، أنه سوف يترشّح على قائمة إنتخابية مُنفصلة كممثّل عن “حزب الدعوة الإسلامية”. وسوف يرأس المالكي من جديد قائمة “إئتلاف دولة القانون” الذي لا يزال متحالفاً مع “الدعوة الإسلامية”. ويبدو أن العبادي لم يُفكّر مُطلقاً في طرح المسألة على المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات في العراق لتوضيح إذا كان يُسمَح لحزبه الترشح في إطار تحالفين. غير أن المسألة توضّحت في الثامن من كانون الثاني (يناير) الفائت عندما أصدرت المفوضية العليا المُستقلة للإنتخابات قراراً إعتبرت بموجبه أن هذا الأمر غير جائز للأحزاب، وذلك عملاً بالمادة 29 من قانون الأحزاب السياسية الصادر في العام 2015.
وقد تسبّب ذلك بمأزق داخل “حزب الدعوة الإسلامية”، لأن المالكي، الذي ظلّ أميناً عاماً له، سجّل الحزب باسمه من أجل قطع الطريق على العبادي. وعندما أبدت غالبية القيادات في الحزب دعمها للعبادي، قرّر الحزب في 13 كانون الثاني (يناير) عدم خوض الإنتخابات، بما يتيح المجال أمام قيادييه لدعم الإئتلاف الذي يريدونه. وبما أن مهلة تسجيل الإئتلافات الجديدة إنتهت في 11 كانون الثاني (يناير)، فإن الخريطة الإنتخابية باتت واضحة، مع العلم بأنه أمام الأحزاب مهلة حتى 10 شباط (فبراير) الجاري، موعد تقديم قوائم المرشحين، للإنضمام إلى الإئتلافات أو الإنسحاب منها. ومن بين القادة الشيعة الكبار، أعلن العبادي عن تشكيل “إئتلاف النصر” الذي توسّع سريعاً ليضم 29 حزباً. وسجّل المالكي من جديد “إئتلاف دولة القانون” على قائمة الإئتلافات المُرشّحة للانتخابات، أما هادي العامري، زعيم “منظمة بدر” فيرأس “تحالف الفتح”، في حين أسّس مقتدى الصدر حزباً جديداً أطلق عليه إسم “الإستقامة” سوف يكون جزءاً من إئتلاف جديد دُعي “سائرون”. وشكّل عمار الحكيم “تيار الحكمة” في تموز (يوليو) 2017 بعد إنسحابه من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.
وفي مسعى منه لضمان فوزه، عَمَدَ العبادي إلى التحوّل بعيداً من نزاعه مع المالكي، وتوجّهَ نحو محاولة التحالف مع “تحالف الفتح” بزعامة العامري. غير أن العبادي الذي أمضى الأعوام الثلاثة الماضية في رفع لواء السياسة غير المذهبية، حتى إنه وعدَ في الأشهر الأخيرة بتشكيل تحالف عابِر للمذاهب، تعرّض لكمّ هائل من الإنتقادات بسبب البراغماتية الباردة التي دفعته إلى التحالف مع “الفتح” الذي يتألف من الأجنحة السياسية للميليشيات المدعومة من إيران. صحيح أن قائمة العبادي الحالية تتضمن مرشّحين سنّة، غير أن كتلته يطغى عليها الإسلاميون الشيعة – وبما أن المرشّحين السنّة هم أقل بروزاً، من الممكن ألّا يفوز أيٌّ منهم في محافظته، وقد ينتهي الأمر بحصول العبادي على كتلة برلمانية جميع أعضائها من الشيعة. بيد أن الإنتقادات استمرت مع إنهيار تحالف “نصر العراق” بين العبادي والعماري بإنسحاب “الفتح” منه، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على إعلانه في 14 كانون الثاني (يناير). فقد كان هناك، على ما يبدو، خلاف في الرأي لدى قيادات “الفتح” حول منافع التحالف مع العبادي؛ لكن العامري شدّد على أنه مستعد للانضمام إلى الائتلاف بعد الانتخابات. لاحقاً، إنسحبت فصائل أخرى، منها “الحكمة”، من “إئتلاف النصر” الذي يتزعّمه العبادي.
الواقع أن الإنتخابات ستكون أيضاً بمثابة إستفتاء على الصدر الذي أمضى العامَين الماضيين في العمل على تقديم نفسه في صورة جديدة، كشخصية شعبوية جامِعة تضغط من أجل الإصلاحات والحكومة النظيفة والرشيدة، عبر جملة خطوات منها إقامة تحالف بين أنصاره الإسلاميين والمحتجّين العلمانيين. بيد أن الحركة الإحتجاجية التي قادها الصدر، بالاشتراك مع العلمانيين، أثارت سجالاً بسبب الطموحات السياسية للصدريين. هذا فضلاً عن أن شريك الصدر في الاحتجاجات، “التحالف المدني الديموقراطي”، وهو الحزب العلماني الأساسي في العراق والذي فاز بخمسة مقاعد في إنتخابات 2014، إنقسم إلى أربعة أجزاء، ما قلّص من حظوظه بالفوز بمقاعد في الانتخابات. كما أن حسن العاقولي، الأمين العام لحزب “الإستقامة” المُعيَّن من الصدر، يظهر كشخصية مدّعية في المقابلات، مُحاولاً التعتيم على واقع أن “الإستقامة” هو مجرد حزب صدري آخر يتخفّى خلف قناع علماني، الذي قد يُقيِّض مصداقية الحزب.
من التحدّيات الأخرى التي يواجهها العبادي هي المقاطعة التي يدعو إليها نشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لا سيما بدافع خيبة الأمل التي قد تصيبهم إنطلاقاً من التوقّع بأن الانتخابات ستفرز من جديد النخبة السياسية نفسها، والتي قد تتحوّل إلى نبوءة ذاتية التحقق. لطالما بدا جلياً، وفق الأخبار المتداوَلة، أن عدداً كبيراً من العراقيين غير راضٍ عن الأحزاب الإسلامية والعلمانية، وهذا ما أكّدته دراسة إستقصائية أجراها مركز البيان للدراسات والتخطيط في بغداد في العام الفائت. لكن نظراً إلى الموارد التنظيمية المتفوّقة للقوائم الانتخابية التي يسيطر عليها الإسلاميون الشيعة، وإلى الإنقسام في صفوف الفصائل العلمانية، وتأثير المقاطعة، فإنه على الأرجح أن تؤدي الانتخابات وتقود إلى برلمان خاضع من جديد لسيطرة الإسلاميين الشيعة.
غالب الظن أن التهديدات الضمنية من الدويلة الميليشياوية المدعومة من إيران سوف تؤثّر أيضاً في تشكيل الإئتلاف بعد الانتخابات. فقد إدّعى أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، في كلمة ألقاها في 24 كانون الثاني (يناير)، أن هناك مؤامرة من حزب “البعث” لإعادة تنظيم صفوفه والتسلل إلى الدولة من طريق الإنتخابات، وطالب بتجريد مرشحي “البعث” من الأهلية لخوض الانتخابات. ومع أن العبادي لم يُذكَر بالاسم، إلّا أنه كان المُستَهدَف الحقيقي من الخطاب، لأنه كان هناك في تلك المرحلة حديث علني عن تحالف مُحتمَل بين العبادي والكتلة السنّية العربية – العلمانية الشيعية بقيادة أياد علاوي.
من المُستبعَد أن يكون للأحزاب السنّية العربية تأثير في إختيار رئيس الوزراء، وسوف يقتصر تأثيرها فقط في توزيع الحقائب الوزارية. وتدعم معظم الأحزاب السنّية الآن خطاً وسطياً، وتقف إلى جانب حكومة بغداد في النزاعات مع إقليم كردستان أو مع الدول السنّية في المنطقة. وبما أن العبادي شخصية أقل إثارة للإستقطاب بالمقارنة مع ما كان عليه المالكي، فإنه لن يواجه صعوبة في العثور على حلفاء سنّة طالما أن أكثرية واضحة من النوّاب الشيعة تمنحه دعمها، بحسب ما هو مرجّح.
كذلك، لن يكون على الأرجح للأصوات الكردية تأثير كبير، على الرغم من التكهّنات بأن الأكراد قد يؤدّون من جديد دور “صانعي الملوك”. يُشار في هذا الصدد إلى أن حكومة العبادي الأولى تشكّلت من دون أي دعمٍ من الأكراد، كما أنه من شأن الهبوط في معنويات الأكراد إبان الإستفتاء الكارثي على الإستقلال في إقليم كردستان في أيلول (سبتمبر) الماضي، أن يؤدّي إلى مزيد من التدني في نسبة الاقتراع في صفوف الناخبين الأكراد. يُضاف إلى ذلك وحدة الصف العربي المتنامية والعابرة للمذاهب، ما يعني أن تأثير الأكراد في العام 2018 سوف يشهد إنحساراً بالمقارنة مع العام 2014.
إذاً، ما لم يتمكّن العبادي من إستعادة الزخم بطريقة من الطرق، غالب الظن أنه سينتهي به الأمر مع أكثرية ضئيلة في مشهد سياسي شديد الانقسام، وسيجد نفسه مضطراً من جديد إلى تشكيل حكومة مؤلّفة من خليط غير متجانس وعاجزة عن إقرار التشريعات الأساسية – ومنها، في الوقت الراهن، موازنة 2018 – فيتولّى بنفسه تسيير شؤون جميع المبادرات الحكومية على أساس تنفيذي أحادي. فضلاً عن ذلك، كلما حقّق مجهود المقاطعة نجاحاً أكبر، فهذا يعني أن حكومة العبادي العتيدة ستكون على الأرجح أكثر ضعفاً.

• كيرك سويل خبير في تحليل المخاطر السياسية وناشر الرسالة الإخبارية التي تصدر كل أسبوعَين Inside Iraqi Politics . لمتابعته عبر تويتر: uticarisk@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى