هل يمكن للعملات المُشَفَّرة المساعدة على مكافحة الفساد؟

بقلم باسم رحال

أتاح التقدم التكنولوجي فرصة مهمة لزيادة المساءلة والشفافية بشكل كبير بالنسبة إلى التمويل العام للحدّ من الفساد. على سبيل المثال، إذا قررت حكومة إنشاء طريق، يمكنها الآن تتبع كيفية إنفاق كل دولار، وتحديد جميع مستخدمي الأموال، والتأكد من أن المُصَرَّح لهم فقط بإنفاق الأموال يفعلون ذلك حسب النفقات المُحدَّدة أصلاً في غضون الوقت المسموح به . إن التحقيقات في قضايا الإحتيال والفساد تستغرق الآن في المتوسط 15 شهراً. إن إعتماد “العملة المُشفّرة” (cryptocurrency) – عملة رقمية تستخدم التشفير لضمان أن المعاملات آمنة — كوسيلة للدفع لمشروع تسمح بتحديد كل مستخدم للمال، على عكس وسائل الدفع التقليدية مثل الأوراق والقطع النقدية. وعلى الرغم من أن العملة المُشفّرة الأكثر شعبية، مثل بيتكوين، هي مجهولة وتَستَخدِم فقط مفتاحاً لتحديد المُستخدِم، فمن الممكن أن تشمل معلومات شخصية، مثل رقم الهوية، وجعل العُملة المُشفّرة غير مجهولة. ويسمح إستخدام العملة المُشفّرة أيضاً إجراء معاملات فورية ونقل ملكية بلا حدود (“مال مع أجنحة”)، مما يُقلِّل من وقت المعاملة والتكلفة، لأنه ليست هناك حاجة لوسطاء ماليين.
ويُمكن لحكومة أو مؤسسة تنموية إستخدام عملة مُشَفّرة غير مجهولة قائمة أو تطوير عملة مُشفَّرة خاصة بها وإعطاؤها إسماً، مثل “كلينكوان” على سبيل المثال. ويُمكِن تحديد قيمة العملة المُشفّرة من قبل السوق أو يُفَضَّل أن تكون مربوطة بعملة مادية لتقليل التقلب (بيتكوين على سبيل المثال أظهرت تقلبات عالية جداً منذ إنشائها).
إن إعتماد تكنولوجيا “سلسلة الكتل” أو “بلوك تشين” (blockchain) يساعد على تتبع إستخدام العملة المشفرة. إن سلسلة الكتل هي قاعدة بيانات موزعة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة بإستمرار من السجلات المسماة (كتل). تحتوي كل كتلة على الطابع الزمني ورابط إلى الكتلة السابقة. صُممت سلسلة الكتل بحيث يمكنها المحافظة على البيانات المُخزَّنة ضمنها والحؤول دون تعديلها، أي أنه عندما تُخزَّن معلومة ما في سلسلة الكتلة لا يمكن لاحقاً القيام بتعديل هذه المعلومة. ولأن البيانات يتم تخزينها في العديد من أجهزة الكومبيوتر، فإن هناك خطراً ضئيلاً من فقدان البيانات، ولأنه يتم تشفيرها، فإن سرية البيانات محفوظة. وبسبب أن “بلوك تشين” هي دفتر تسجيل عام لجميع معاملات العملة المشفرة، فإنها قابلة للبحث ويُمكن إستخدامها لتتبع جميع المعاملات.
إن عدم الكشف عن الهوية والتتبع الضيق يجعلان الفساد أكثر صعوبة، خلافاً للمال التقليدي. وهناك سمتان إضافيتان تساعدان على مكافحة الغش والفساد على نحو فعال. أولاً، ينبغي أن تحتوي الكتل على بيانات إضافية تُخزَّن عادة بحيث تتوفر معلومات كافية لأغراض إنفاذ الغش والفساد. على سبيل المثال، يُمكن للكتلة تخزين طبيعة المصاريف والمشروع والنشاط المرتبطة بالصناديق. ثانياً، ينبغي أن يتضمن التحقق من الكتلة التحقق من أن البيانات الإضافية تفي بالعقد الذكي. ويحتوي هذا الأخير على بنود منطقية مُبَرمَجة بالشيفرة التي تؤدي العمليات وفقاً لشروط العقد. ويمكن أن تُحدِّد هذه البنود الشروط الواجب توافرها لإطلاق الأموال، والتواريخ التي يمكن توفيرها فيها، وما إلى ذلك. ويساعد إرضاء العقد على منع النفقات غير السليمة.
ويمكن دمج هذه الميزات الأربع بإستخدام تقنية “إثريوم” (Ethereum). و”إثريوم” هي منصة برمجيات المصدر المفتوح على أساس إستخدام “بلوك تشين” التي تسمح بإنشاء أنواع عملة مُشفرة جديدة ليست مجهولة وتسمح بإدراج معلومات إضافية في الكتل وإستخدام ميزات العقد الذكي. ومع إنشاء المنصة، يُمكن لحكومة أو مؤسسة تنموية ببساطة تخصيص عملة مُشفَّرة للأنشطة على أساس الموازنة. ويُسمَح لهؤلاء الأشخاص أو الشركات المُكَلَّفين بالأنشطة بأخذ العملة المُشفّرة وإنفاقها على السلع والخدمات، مع تحقّقٍ يجري تنفيذه في منصة “إثريوم” وفقاً للبروتوكول والعقد الموضوعين. ويتم هذا التحقق من قبل عمال مناجم من الداخل أو الخارج الذين سوف يكافَأون بحصة من العملة المُشفّرة أو من خلال رسوم المعاملات.
سيتم توفير الوصول إلى العملة المُشفّرة بإستخدام محافظ البرمجيات (التي لا تتطلب وجود حساب مصرفي، وهي ميزة في البلدان النامية حيث الوصول إلى حساب مالي منخفض). ويُمكن للحائزين النهائيين على العملة المشفرة أن يختاروا تحويلها إلى عملة ثابتة في سوق الصرف – التي يمكن أن تكون سوق صرف رئيسية تديرها مؤسسة تنموية أو حكومية أو سوق صرف ثانوية – أو إستخدامها كعملة، إذا قبلها السوق النظير، في مزيد من المعاملات خارج النشاط.
يمكن أن تساعد العملة المشفرة وتكنولوجيا “سلسلة الكتل” على منع الإحتيال والفساد، وخفض تكاليف الإنفاذ بفضل المعلومات التي يسهل الوصول إليها، والقيام بعمليات تفتيش أسرع، والمساعدة على الإشراف على التنفيذ ومراقبة كفاءة وفعالية الإنفاق، وزيادة الأثر الإنمائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى