هل تسرق الولايات المتحدة دور السعودية في عالم الطاقة؟

مع توقع إجتياز إنتاج النفط الأميركي إنتاج النفط السعودي مع نهاية العام 2018، أخذ بعض الخبراء يتوقعون بأن تسرق الولايات المتحدة دور المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة وتصبح “القوة المُهيمنة” في هذا القطاع. ولكن إلى أي حدّ يصحّ هذا الكلام؟

الزيت الصخري في أميركا: أعاد الولايات المتحدة إلى فاعل كبير في عالم الطاقة

بقلم سامانتا غروس*

توقعت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها عن سوق النفط الصادر في كانون الثاني (يناير) نمواً “مُتفجِّراً” في إنتاج النفط الأميركي، بسبب إرتفاع أسعار النفط. وفي جلسة إستماع عقدها الكونغرس أخيراً، وصف فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، الولايات المتحدة بأنها ستكون “زعيمة النفط والغاز بلا منازع في العالم على مدى العقود القليلة المقبلة”. ومن المتوقع أن يتجاوز إنتاج النفط الأميركي 10 ملايين برميل يومياً في 2018 ، متجاوزاً المملكة العربية السعودية وخلف روسيا فقط.
هذه الزيادة الهائلة في الإنتاج تطرح السؤال التالي: هل تأخذ الولايات المتحدة دور المملكة العربية السعودية في سوق النفط؟ إنه سؤال مثيرٌ للإهتمام، وبالتأكيد واحدٌ تطرحه الإدارة الحالية في تركيزها على “الهيمنة في مجال الطاقة”. ولكن الجواب هو كلا – إن الصناعة الأميركية لن تلعب أبداً دوراً مماثلاً لدور السعودية في سوق النفط، بغض النظر عن زيادة حجم إنتاج النفط الأميركي. لفهم السبب، من المفيد النظر في أحداث سوق النفط الأخيرة.

“أوبك” تُخفّض الإنتاج لزيادة الأسعار، ولكن إلى متى؟

بعدما وصلت أسعار النفط إلى أكثر من 110 دولارات للبرميل في العام 2014، إنهار سعر برميل النفط الخام من نوع “برنت” إلى ما يقل عن 30 دولاراً في أوائل العام 2016. ورداً على ذلك، إتفقت منظمة الدول المُصدِّرة للنفط “أوبك” مع روسيا على خفض الإنتاج، بهدف زيادة الأسعار وتخفيض مخزونات النفط. وقد تم التوصل إلى هذه الصفقة لتخفيض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً في أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 وتم تمديدها حتى نهاية العام 2018. وقد قدم السعوديون الجزء الأكبر من خفض المعروض بإقتطاع 486,000 برميل يومياً. ومنذ تخفيض الإنتاج، إرتفع سعر برميل النفط بنحو 25 دولاراً.
من المؤكد أن هذه النتيجة تبدو وكأنها نجاحٌ ل”أوبك”. ولكن نظراً إلى التغيرات في سوق النفط العالمية، من المرجح أن تكون المكاسب الإجمالية لمنظمة الدول المصدّرة للنفط مؤقتة.
فالزيت الصخري الذي يهيمن على نمو الإنتاج في الولايات المتحدة يوفّر النفط بشكل أسرع وبتكاليف أولية أقل بكثير من إنتاج النفط والغاز التقليدي. وهذا يسمح للإنتاج في الولايات المتحدة أن يكون مُستجيباً جداً لتقلبات الأسعار مثل ذلك الذي فعلته “أوبك” في العام الماضي. هذا الإنتاج الأميركي المتجاوب أو المُستجيب يتصدّى بسرعة لخفض إنتاج ال”أوبك”. في الواقع، لقد توقّعت وكالة الطاقة الدولية بأن زيادة إنتاج النفط في أميركا وحدها ستعوِّض تقريباً عن خفض إنتاج ال”أوبك” بحلول نهاية العام 2018.
إن الزيادة السريعة في إنتاج النفط الأميركي تضع منظمة “أوبك” في موقف صعب. لقد أظهرت هذه المنظمة قدرتها على فرض تخفيضات على الإنتاج بين أعضائها ورفع أسعار النفط، ولكن على حساب فقدان حصّتها في السوق مع نمو الإنتاج الأميركي إستجابةً لإرتفاع الأسعار.
وقد تكون هذه الخسارة في حصتها في السوق أكثر ضرراً ل”أوبك” في عالم اليوم حيث هناك وفرة في الطاقة. إن التنبؤ بتوقيت ذروة الطلب على النفط أصبح لعبة كلامية بين إقتصاديي النفط. في حين يتفق الجميع تقريباً على أن العالم سوف يشهد عقداً أو عقدين من النمو المستمر في الطلب على النفط، فإن الحفاظ على الحصة في السوق في هذا العالم المُتغيِّر هو أكثر أهمية مما كان عليه الأمر في الماضي. وربما تكون “أوبك” فازت في معركة رفع أسعار النفط، ولكن يبدو أنها تفقد حرب حصة السوق.

أميركا منتجٌ حاسمٌ للنفط ولكن ليس “مهيمناً”

أصبحت الولايات المتحدة مُنتِجاً مهمّاً للنفط وغيّرت المشهد في سوق النفط العالمية، ولا سيما مع تمتعها بقدرة على إعادة التوازن بسرعة أكبر إلى السوق إستجابة لتغيّرات الأسعار. لكن إختلافات مهمة بين الصناعتين النفطيتين الأميركية والسعودية تعني أن الولايات المتحدة لن تتولى الدور السعودي في أسواق النفط العالمية، على الرغم من أنها باتت مستعدة لتجاوز السعودية من حيث حجم الإنتاج.
يتمّ إنتاج النفط السعودي من قبل كيان واحد – “أرامكو السعودية” – التي تملكها وتُشغّلها الحكومة السعودية. إن “أرامكو” لا تعمل بدافع الربح البسيط مثل شركة ربحية. إن المخاوف التي تتعلق بالسياسة وإدارة سوق النفط العالمية تؤثر في قرارات الإنتاج بطريقة لا تحدث في شركة تُركّز فقط على الربح. وتُخطّط “أرامكو” حالياً لبيع أسهم تعادل خمسة في المئة من قيمتها في إكتتاب عام أولي في النصف الثاني من هذا العام، ولكن الهيكل الأساسي وصنع القرار في الشركة سيبقيان تحت سيطرة الحكومة.
في الولايات المتحدة، تتكوّن صناعة النفط من عشرات الشركات التي تتّخِذ قرارات الإستثمار والإنتاج بشكل فردي، على أساس تكاليفها الخاصة، ووضعها المالي، والشهية للمخاطر. إن صناعة النفط الأميركية لن تعمل كدولة لإدارة السوق أو رفع الأسعار. في الواقع، مثل هذا السلوك غير قانوني بموجب قانون مكافحة الإحتكار. ولكن هذا هو بالضبط ما تعمله أرامكو السعودية والدول الأعضاء الأخرى في “أوبك” – وهذا هو الغرض في الأساس من منظمة “أوبك”.
وهناك نقطة ذات صلة هي أن جميع المُنتجين الأميركيين الأفراد يتلقون ويأخذون الأسعار من السوق، مما يعني أنهم غير قادرين على التأثير في أسعار النفط العالمية من خلال إجراءاتهم الخاصة. ولكن أرامكو السعودية كبيرة بما فيه الكفاية لكي تؤثر قراراتها في مجال الإنتاج في الأسعار. وبالإضافة إلى خفض الإنتاج لدفع الأسعار إلى أعلى، كما يحدث اليوم، يُمكن للرياض زيادة الإنتاج بسرعة للتعامل مع إنقطاع إمدادات النفط. والمملكة العربية السعودية هي البلد الوحيد المنتج للنفط الذي يتمتع بقدرة إنتاج إحتياطية بديلة كبيرة. وتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن السعوديين يحتفظون بحوالي 1.5 إلى 2 مليون برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية كإحتياط، وهي إستراتيجية لن تكون ذات معنى إقتصادي لشركة ربحية.
هذا الإختلاف بين أخذ الأسعار وصنع الأسعار هو السبب في أن وصف الولايات المتحدة بأنها “القوة المهيمنة في مجال الطاقة” هو مُضلّل. بالنسبة لي، إن “الهيمنة” تعني القدرة على تحريك الأسواق، حيث أن الصناعة الأميركية، في حين أنها قوية ومهمة على نحو متزايد لأمن الطاقة العالمي، ليست مُنَظَّمة لتحقيق هذه الغاية.
وثمة فرق مهم آخر بين إنتاج النفط السعودي وبين إنتاج النفط في الولايات المتحدة، ويكمن في التكلفة المنخفضة جداً لإنتاج النفط السعودي. والتكاليف الفعلية هي سرية للغاية، ولكننا نعرف أنها من بين أدنى المستويات في العالم. وفي عالم من المتوقع أن يتسطّح فيه الطلب على النفط وينخفض على مدى العقود المقبلة، فمن المرجح أن تظل صناعة النفط السعودية مُربحة في نهاية عصر النفط. وقد حققت صناعة النفط في الولايات المتحدة إنخفاضاً في تكاليف الإنتاج من خلال منافسة لا هوادة فيها والإنضباط في إنخفاض الأسعار. ولكن موارد النفط الصخري التي غذّت طفرة الإنتاج في أميركا هي في الغالب أكثر تكلفة من إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية.

كيف سيلعب السعوديون في عالم النفط الجديد؟

على الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت مصدراً لا غنى عنه لإنتاج النفط والغاز، فإن أرامكو السعودية ستواصل القيام بدور فريد في أسواق النفط العالمية، نظراً إلى حجمها الكبير ونفوذها وإنخفاض تكاليف إنتاجها.
والسؤال المثير للإهتمام خلال السنوات المقبلة هو كيف ستتفاعل أرامكو السعودية مع مزيجٍ من وفرة العرض ونهاية نمو الطلب التي، على الرغم من أنها قد تستغرق سنوات عديدة، تقترب لا مُحالة. حتى الآن، ركّز السعوديون على إدارة الأسعار وضمان إستمرار إحتياطاتهم بشكل جيد في المستقبل. ولكن مع نهاية مُحتملة لنمو الطلب، هل سيُغيِّرون إستراتيجيتهم للتنافس بقوة أكبر في السوق على السعر، مُتَصَرِّفين أكثر مثل المنتجين الأميركيين؟ فقط الوقت كفيلٌ بإعطاء الجواب.

• سامانتا غروس هي زميلة في مبادرة معهد بروكنغز حول الطاقة والمناخ. ويتركز عملها على تقاطع الطاقة والبيئة والسياسة، بما في ذلك سياسة المناخ والتعاون الدولي، وكفاءة الطاقة، وتطوير النفط والغاز غير التقليدي، والتجارة الإقليمية والعالمية للغاز الطبيعي، وعلاقة الطاقة والمياه.
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى