في سوريا قد يكون الجزء الصعب من الأزمة على وشك أن يبدأ

فيما بدأت حدة المعارك العسكرية في سوريا تنخفض فإن معركة من نوع آخر بدأت تحتدم في الخفاء بين بشار الأسد وموسكو وطهران حول من سيكون له اليد الطولى في تقرير مصير البلاد.

العميد الركن سهيل الحسن: لماذا أثنى عليه بوتين؟

دمشق – محمد الحلبي

في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، زار فلاديمير بوتين قاعدة حميميم الروسية في سوريا، يرافقه بشار الأسد. وفي لقاء مع ضباط سوريين، أشاد بالعميد الركن سهيل الحسن، رئيس فرقة النمور في الجيش السوري، وإعتبره قائداً عسكرياً مميزاً وفعّالاً.
لقد أشار بوتين ضمناً إلى أن الروس كانوا يراقبون العميد الحسن عن كثب، موحياً للأسد القلق بأنه يُمكن أن يبرز كرجل مُفضَّل لدى موسكو إذا أجبر الرئيس السوري على ترك منصبه. كل هذا كان ضمناً، لا أكثر، ولكن نظرة الرهبة على وجه الحسن أظهرت أنه يعتبر الثناء نعمة مختلطة، لأن ذلك يمكن أن يدفع الأسد إلى التخلص منه.
أكّد بوتين على أن الحرب في سوريا قد إنتهت فعلياً. وفي هذا المجال لم يكن الرئيس الروسي وحده متفائلاً. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في مقابلة مع محطة “فرانس 2” التلفزيونية أخيراً ان النزاع ضد تنظيم “داعش” سيكتمل وينتهي بحلول شباط (فبراير) المقبل “لذلك سيكون من الضروري التحدث مع بشار وممثليه”.
مع ذلك، وكما قال مدير مركز كارنيغي موسكو، ديمتري ترينين أخيراً خلال زيارته لبيروت، فإن الجزء الصعب يبدأ الآن. خلال الحملة العسكرية لاحظ بأن روسيا كانت اللاعب الخارجي المهيمن. ولكن الآن بعدما بدأ يتحرك الوضع نحو تسوية سياسية وإعادة الإعمار، فإن العديد من الأطراف الأخرى سيكون لها رأي في ما يحدث في سوريا، حتى أن موسكو سوف تحتاج إلى تقاسم المسؤولية مع آخرين. وتوقع بأن”الديبلوماسية الروسية ستحتل مكان الصدارة. وسوف تواجه تحدياً من آخرين”.
في الواقع، هناك شيء واضح هو أنه طالما ظلّ الأسد رئيساً، فإنه سيمثل عائقاً كبيراً أمام تطبيع الوضع في سوريا. ولكن إذا كانت أولوية بوتين هي تعزيز المكاسب الروسية في بلاد الشام التي تم تطبيعها، فهذا يعني إيجاد حلٍّ لمستقبل الرئيس السوري. ولا شك أن الأسد يدرك هذا الأمر، ولهذا السبب قال مراراً وتكراراً إن أي عملية سياسية يجب أن يُقررها السوريون أنفسهم وليس الغرباء.
إن ما هو قائم اليوم هو مواجهة مُعقَّدة بشكل خاص، حيث يواجه كلٌّ من نظام الأسد والروس وإيران بعضها بعضاً في سوريا، وكلها حذرة من نوايا الطرفين الآخرين. ويُقال أن الأسد قلق بشأن تأثير إيران، على أمل أن يوازن ذلك بالإعتماد على روسيا. لكنه يعرف أيضاً أن الروس قد يكونون على إستعداد للتخلي عنه وإخراجه من السلطة، وأنه لا يستطيع إلّا تحييد هذا الجهد من خلال الميل أكثر إلى طهران، التي تريده أن يبقى في منصبه، لكي تحافظ على تأثيرها الواسع النطاق في دمشق اليوم.
وينظر الروس والإيرانيون أيضاً إلى بعضهما البعض بعيون من الشك. أيُّ طرف بينهما سوف يكون أكثر تأثيراً؟ من جهته يحرص بوتين على عدم رؤية سوريا تتحوّل إلى خط أمامي في مواجهة إيران مع إسرائيل، وقد إتخذ خطوات مع الأميركيين لمنع نشر القوات الإيرانية والموالية لطهران بالقرب من مرتفعات الجولان المحتلة. إيران، بدورها، لا تثق في نوايا روسيا بما يتعلق بالأسد، وهي تشعر بأن بوتين مستعد جداً لتقديم تنازلات للولايات المتحدة والدول العربية في سوريا أكثر مما هو مستعدٌ لمراعاة مصالحها الخاصة.
ماذا يحدث للأسد هو الفيل الجاثم في غرفة اللعبة النهائية للأزمة السورية. لفترة طويلة كان ضعف الرئيس السوري، من المفارقات، قوّته. كان ضعفه الكبير ينذر بسقوطه الذي بدوره يهدد الصرح بأكمله الذي تسعى روسيا وإيران إلى الحفاظ عليه في سوريا. ولكن الآن بعدما أصبح هذا الأمر غير مُحتمل، فإن إزالة الأسد قد تُسبب ضرراً أقل في هيكل السلطة العسكرية – الأمنية السورية، مما يجعله أكثر عرضة للخطر.
ويُقال أن موسكو وطهران تختلفان حول ما يجب القيام به معه. ومع ذلك، ستحتاج سوريا في مرحلة ما إلى تمويلٍ لإعادة الإعمار، ومن المتوقع أن يأتي القليل من عالم عربي معادٍ جداً لبقاء الأسد في منصبه. إن عشرات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة بناء بلد مدمر يجب أن تأتي من مكان ما، ولا يمكن لروسيا ولا لإيران تمويل إعادة الإعمار. وعلاوة على ذلك، فإن استمرار الرئيس السوري في السلطة سيكون عائقاً أمام عودة اللاجئين، ويشجعهم على البقاء في البلدان المتاخمة لسوريا.
إذا كان الأسد هو العقبة الوحيدة التي تحول دون كل هذا، فقد يُغري حتى أقرب حلفائه لبدء إعادة حساب التكاليف والمنافع النسبية لإبقائه في منصبه. إن إيران ليست أقل إهتماماً من روسيا في تعزيز السلام في سوريا ما بعد الحرب، حتى لو تباينت وإختلفت الدولتان بشكل كبير حول الظروف التي يحدث فيها ذلك. كما أن يدي الأسد مغمورتان وغارقتان في بحر من الدماء حيث لا يمكن تجاهل آثارها.
مما لا شك فيه أن العميد الحسن أدرك ذلك. ويُشتبَه في أن الأسد قد يقضي على الأفراد الذين يُعتبَرون بدائل مُحتملة لحكمه (وقد فعل ذلك). لذا قد تنطلق مع نهاية الحرب السورية لعبة القضاء والإقصاء والإلغاء السياسي أو البدني الذي يثير العديد من الأسئلة الجديدة حول آفاق البلاد غير المؤكدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى