ديبلوماسية الطاقة الروسية تُسبّب قلقاً في واشنطن

بقلم رؤوف محمدوف*

الخلاف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يُزعج أصدقاءهما ويُشجّع ويُجَرِّىء أعداءهما، خصوصاً روسيا.
إن الانتقادات العامة السعودية لقرار الرئيس دونالد ترامب لإعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتحذير وزارة الخارجية الأميركية بأنه ينبغي على الرياض أن تسمح للمساعدات الإنسانية أن تصل إلى اليمن، هما إثنتان من القضايا المتعددة التي تضرّ بالعلاقات. كما أن التطور الذي من المُحتَمَل أن يؤدي إلى تفاقم سوء العلاقات الأميركية – السعودية هو زيادة نفوذ روسيا العالمي في مجال الطاقة.
أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أخيراً أنه سيخوض الإنتخابات لإعادة إنتخابه في العام 2018. إذا فاز، وهو شبه مؤكد، سيكون الزعيم السوفياتي أو الروسي الأطول الذي حكم لهذه الفترة الطويلة منذ جوزيف ستالين. إن فوز بوتين سيعني ان السياسة الداخلية والخارجية لروسيا من المرجح ان تبقى من دون تغيير.
ما يعنيه ذلك للإقتصاد الروسي ليس مؤكَّداً بشكل واضح. لقد تعثّر هذا الاقتصاد بسبب العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا في العام 2014 جرّاء إستيلائها على شبه جزيرة القرم ودعم الإنفصاليين الأوكرانيين الشرقيين، وبسبب الإنخفاض العالمي في أسعار الطاقة.
وعلى الرغم من أن السياسة النقدية الروسية ساعدت على تحقيق إنتعاش هامشي، فقد حذّرت محافظة البنك المركزي إلفيرا نبيولينا من أنه من دون إجراء إصلاح إقتصادي كبير، سينمو الناتج المحلي الإجمالي بأقل من 2 في المئة سنوياً، حتى لو إرتفعت أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل.
من جهتهم يعرف الخبراء الإقتصاديون في داخل وخارج روسيا أن إعتماد موازنة الدولة على عائدات النفط والغاز يُلزِم الكرملين بتبنّي سياسات تضمن أقصى قدر من عائدات الطاقة. وبما أن الطاقة تُشكّل حوالي نصف إجمالي الصادرات الروسية، فإن إستقرار أسعار النفط المُتقَلِّبة يُعَدُّ أحد التحديات المهمة لديبلوماسية الطاقة في الكرملين.

سعر النفط وحجم الصفقة

تتغير ديناميات صناعة النفط والغاز بسرعة. تاريخياً، أدّى إرتفاع الإنتاج في روسيا وغيرها من المنتجين، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، إلى وفرة في المعروض العالمي. ومن بين النتائج المترتبة على ذلك أن رقّاص الساعة لإنتاج النفط قد تحوّل من بلدان منظمة “أوبك” إلى دول غير أعضاء في هذه المنظمة.
وأدّى إنخفاض الأسعار إلى إجبار البلدان المُصدّرة للنفط على زيادة الإنتاج إلى أقصى حدٍّ ممكن، من أجل زيادة الإيرادات وحماية حصتها في السوق. وقد تخلّت السعودية، وهي المُنتج الوحيد المؤرجح في”أوبك”، عن موقفها المُتمثّل في التمسك بمستويات الإنتاج السخيّة. وتهدف هذه السياسة إلى إبقاء الأسعار مُنخفِضة لتوجيه ضربة إلى منتجي الصخر الزيتي، الذين تزيد تكاليفهم عن المنتجين التقليديين. غير أن منتجي الصخر الزيتي أبدوا مرونة غير متوقعة من خلال تحسين التكنولوجيا والكفاءة حيث تمكنوا من أن يكونوا رابحين عندما تكون أسعار النفط منخفضة. وهذا يعني أن تخفيضات حجم الإنتاج كان لا مفرّ منها. ومع هذه التخفيضات جاءت تحوّلات في السياسة الخارجية لمُصدِّري النفط.
نتيجة لذلك، قرر المصدرون للنفط من داخل وخارج منظمة “أوبك”، بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا، في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) تمديد صفقة تخفيض الإنتاج التي عُقدت سابقاً لمدة تسعة أشهر أخرى. وهنا ثمة درس مهم نستطيع إستخلاصه من عملية التفاوض وهو أن المملكة العربية السعودية لم تعد قادرة بمفردها على فرض السياسة العالمية لأسعار النفط. إن السعوديين يحتاجون إلى دعم روسي لتحقيق التخفيض الذي يريدونه. وهذا التطور يترك المملكة عرضة لأهواء الكرملين.
كما أن النفوذ الجديد الذي تتمتع به روسيا بالنسبة إلى أسعار النفط يخلق مخاوف أمنية دولية لواشنطن. من المعروف أن المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة هي واحدة من أهم حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، ولكن روسيا تحاول من جهتها إعادة بناء نفوذها في المنطقة، مع نجاح ملحوظ في سوريا.

سياسة قسّم تسد الروسية

تواصل روسيا إتباع سياسة قَسِّم تَسُد في الشرق الأوسط. لقد ساعد دعمها العسكري حليفها، الرئيس بشار الأسد، على كسب الحرب الأهلية السورية. كما حقق الكرملين تقارباً مع قطر وقام بهنددسة أول زيارة لعاهل سعودي حاكم، الملك سلمان، إلى موسكو في تشرين الأول (أكتوبر). وقد عززت صفقات الأسلحة التي عُقدت مع كلٍّ من الدولتين الخليجيتين الإنطباع بأن روسيا أصبحت قوة يُحسَب لها حساب في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تسوّق بأنها على شفا الإستقلال في مجال الطاقة، فإن قدرة روسيا الجديدة على التأثير في صفقات خفض الإنتاج الدولي، وبالتالي أسعار النفط، يجب أن تكون مُقلِقة. فأميركا هي فعلياً أقل إعتماداً على واردات النفط، بل إنها أقل إعتماداً على نفط الشرق الأوسط أكثر مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. ولكن الطبيعة العالمية لسوق الطاقة لا تزال تُعرّض الإقتصاد الأميركي لتقلبات أسعار النفط والغاز.
وقد أكّد كلٌّ من الإنفجار الذي وقع فى محطة الغاز الطبيعي فى “بومغارتن” في النمسا، وقرار الصين بخفض إنتاج الفحم فى أسواق الطاقة، على مدى ترابطهما. يجب على واشنطن ضمان أن روسيا لا تتفوّق عليها لزيادة تأثيرها في سياسة الطاقة العالمية، وبالتالي الأسعار.
وهذا يعني أن على الولايات المتحدة أن تُراقب عن كثب العلاقات بين أهم حلفائها في الخليج ومنافستها الروسية. ولا تزال دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، من بين أكبر البلدان المصدرة للنفط في العالم. ولا تزال شركات النفط الأميركية أكبر منتجي النفط والغاز في المنطقة. وتحتاج واشنطن إلى إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع السعوديين وغيرهم من منتجي النفط في الشرق الأوسط لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة والحفاظ على نفوذها في العالم الأوسع.

• رؤوف محمدوف باحث مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. ويركز أبحاثه على قضايا أمن الطاقة، وإتجاهات صناعة الطاقة العالمية، فضلاً عن علاقات الطاقة بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى