تغير المناخ: الشرق الأوسط يواجه أزمة مائية كبيرة

أكد البنك الدولي أن تحسين إدارة وتوزيع الموارد المائية النادرة يشكلان تحدياً كبيراً لضمان النمو والاستقرار الجيوسياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأشار في تقرير جديد نشره أخيراً إلى أن نقص الإمداد بالمياه وخدمات التنقية المتهالكة تؤدي إلى خسائر إقتصادية بقيمة 21 مليار دولار سنوياً في هذه المنطقة .

الأمن المائي لدول الخليج العربية

بقلم أمل قنديل*

يشير الفريق الدولي المعني ببرامج تغير المناخ إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون واحدة من مناطق العالم الأكثر تضرراً من جرّاء تغيّر المناخ في القرن الحادي والعشرين، خصوصاً بسبب زيادة الحرارة والجفاف. وفي مواجهة هذه التحديات، فإن التدخلات في القطاعات الزراعية المحلية لديها إمكانية تعويض العديد من الأثار السلبية على المنطقة.
إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الأكثر ندرة بالمياه في العالم. وفي حين يعيش حوالي 5 في المئة من سكان العالم في هذه المنطقة، فإنها لا تملك سوى نحو 1 في المئة من إجمالي موارد المياه العذبة المتجددة في العالم. وفي العام 2011، بلغ متوسط نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة في المنطقة 819.8 متراً مكعباً. ويشير هذا الرقم إلى إنخفاضٍ بنسبة 75 في المئة في توافر المياه العذبة منذ خمسينيات القرن الفائت ومن المتوقع أن ينخفض بأكثر من 40 في المئة بحلول العام 2030.
جميع بلدان المنطقة تقريباً تُعاني من “الإجهاد المائي” – لقد إنخفض نصيب الفرد من المياه المتاحة إلى ما دون عتبة 1000 متر مكعب سنوياً. ومن بين عشرة بلدان في العالم يُتَوَقَّع لها أن تُعاني من أعلى إجهاد مائي بحلول العام 2040، يوجد سبعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وفلسطين والسعودية وعُمان. وهناك 13 بلداً إقليمياً إعتُبرت فعلياً أنها تُعاني من “ندرة المياه”، حيث نصيب الفرد فيها من المياه العذبة المتجددة هو أقل من 500 متر مكعب، وهي اليمن والأردن والجزائر وليبيا وتونس وجيبوتي، فضلاً عن جميع البلدان المذكورة أعلاه.
كما يُشكل الأمن الغذائي مصدر قلق كبيراً، بدرجات متفاوتة، بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتعتمد البلدان العربية على إستيراد 30 إلى 35 في المئة من إمداداتها الغذائية. في العام 2011، قبل أن تندلع الإنتفاضات العربية وتُحدِث إضطرابات شديدة في الإقتصادات، أو في الحالات القصوى إنهياراً إقتصادياً وإجتماعياً شبه كامل لعدد من البلدان، كان من المتوقع أن ترتفع واردات الحبوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 55٪ بحلول العام 2030.
هناك العديد من الآثار السلبية الرئيسية التي تزيد من تعقيد الإعتماد على الواردات الغذائية في المنطقة. أولاً، تُشكّل الحبوب عنصراً رئيسياً في النظم الغذائية لسكان منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا، وتبلغ نسبة الإعتماد على إستيراد الحبوب أكثر من 50 في المئة – وهي أعلى نسبة على مستوى العالم. ثانياً، على الرغم من عدم وجود أرقام حديثة لمعدلات الفقر في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن كون الحبوب تشكل جزءاً كبيراً من النظام الغذائي للسكان فهو مؤشر قوي على وجود فقر كبير في الدخل. ومما يزيد من حدة المعاناة تقلبات أسعار التجارة الدولية للحبوب والمواد الغذائية الأساسية الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإن الحواجز التجارية الداخلية في كل بلد على حدة تجعل من الصعب على الفقراء الحصول على الإمدادات الغذائية. فكلما زاد إعتماد المجتمع على الواردات الغذائية الأساسية، زاد عدد الفقراء المُعرَّضين لخطر إنعدام الأمن الغذائي كلما حدثت إضطرابات في التجارة.
ثالثاً، على الرغم من تباطؤ معدلات النمو السكاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنها لا تزال مرتفعة بما فيه الكفاية لتسبب في إجهاد إقليمي حاد. وبصفة خاصة عندما يتفاقم الوضع مع زيادة في التنمية الإقتصادية، فإن إرتفاع الطلب على المياه من المرجح أن يؤدي إلى مستويات أعمق من الإجهاد المائي (أنظر الشكل البياني)، وكذلك إلى زيادات موازية في الطلب على الأغذية.

رابعاً، إإن الاعتماد المرتفع على إستيراد الأغذية في المنطقة وتعميق ندرة المياه موجودان جنباً إلى جنب مع قطاعٍ زراعي يُشكّل أصلاً مُستَهلِكاً كبيراً للمياه العذبة — في المتوسط، يستهلك القطاع الزراعي 85 في المئة من إجمالي المياه في المنطقة.
وأخيراً، في حين أن كل هذا يحدث، فإن الآثار المادية للتغير المناخي – زيادة الإجهاد الحراري، ومعدلات التبخر، ونسبة الجفاف – من المتوقع أن تضرب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص.
ندرة المياه ليست مجرد ظاهرة طبيعية. إنها حالة نسبية تكون فيها الأسباب الطبيعية وكذلك العوامل البشرية مسؤولة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تتميز إلى حد كبير بمناخ قاحل / شبه قاحل، يُمكن أن تتفاعل أنماط استخدام المياه البشرية مع الظروف المناخية بطرق تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه الطبيعية. وفي المقابل، تُعتَبر أنماط إستخدام المياه جزءاً لا يتجزأ من مسألة الأمن الغذائي الإقليمي؛ فهي تشكل مُحَدِّداً قوياً لمستويات إنتاج الإمدادات الغذائية المحلية. ونتيجة لأشكال إشكالية استخدام المياه على المستوى الإقليمي، تزداد مستويات الواردات الغذائية، وكذلك تعرض المنطقة لتقلبات الأسواق الزراعية والغذائية الدولية. ومن خلال إحداث زيادة في الإعتماد على الواردات، فإن أنماط إستخدام المياه تُعمِّق الضعف الإقليمي إزاء إنعدام الأمن الغذائي الناجم عن الظروف غير المستقرة وغير المتوقعة والمتقلبة في هذه الأسواق. وعلاوة على ذلك، فإن عدم التوازن الهيكلي المتزايد بين العرض والطلب العالميين على الأغذية سيؤدي إلى تفاقم هذه المسألة في المدى الطويل.
على الرغم من هذه التحديات، فإن أنماط إستخدام المياه يُمكن أن يكون لها تأثير بديل مؤات في الأمن الغذائي. ويُمكن تحقيق هذا السيناريو مع إدخال تحسينات على التوازن بين ندرة المياه العذبة الطبيعية والطلب السكاني على هذه المياه. وبإختصار، سيترتب على ذلك تخفيض ضغوط الإستهلاك على العرض المُتاح. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط كفاءة الري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 51 في المئة فقط. وتشير التقديرات إلى أن رفع هذا المعدل إلى 70 في المئة من شأنه أن يُوفّر 50 مليار متر مكعب من مياه المنطقة سنوياً، ويسمح لها بإنتاج 30 مليون طن إضافي من الحبوب – 45 في المئة من وارداتها من الحبوب في العام 2011.
ومن شأن هذا النوع من التغيير في أنماط إستخدام المياه الذي يعزز إنتاج الغذاء المحلي أن يعزز أيضاً قدرة سبل كسب العيش الزراعية وزيادة الدخل، وتحسين الأمن الغذائي، والحدّ من مخاطر إنعدام الأمن الغذائي المتصلة بالتجارة.
وفي حين تشير التوقعات إلى إرتفاع وزيادة ندرة المياه مع تغير المناخ — وبالتالي فإن الأمن الغذائي سيتدهور أيضاً في بعض مناطق المنطقة – فإن هذه التوقعات تتبع سيناريوهات العمل التجاري المعتاد. إن مدى التدهور المتوقع في نصيب الفرد من المياه المتاحة ليس بعد أمراً واقعاً تماماً؛ فلن يكون الأمر كذلك إلا إذا تأخرت التدابير التكيفية كثيراً. ويمكن للسياسات الحكومية أن تشجع تدابير التكيُّف في الزراعة للتخفيف من الضغوط المتزايدة على موارد المياه العذبة وعلى الأقل إيقاف معدل الزيادة في ندرة المياه. ولا توجد وصفة واحدة تناسب جميع السياسات لتحقيق ذلك، مما يترك مجالاً لنهج مبتكر مرن في ضوء الأولويات والقيود الاجتماعية والاقتصادية في كل بلد.

• أمل قنديل باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهي متخصصة في الإقتصاد السياسي للشرق الأوسط، وبخاصة في مجالات المياه والأمن الغذائي والزراعة وتغير المناخ وقضايا الفقر والتنمية الريفية. وتُركّز عملها على مصر، وكذلك على الأردن وسوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى