بعد سبع سنوات على “الربيع العربي”، ماذا حدث للدعوات إلى تغيير إيجابي؟

بقلم ميشال مظلوم

من اللافت أنه بعد سبع سنوات على بداية الإنتفاضات العربية، فإن رسالة تلك الفترة تبدو وكأنها قد نُسيت تماماً في أجزاء من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي بلدان أخرى خارجية.
إنّ ما بدأ كمظاهرات لصالح الحرية والديموقراطية والحكم الرشيد سرعان ما إنحدر إلى عنفٍ واسع النطاق وإنهيار العديد من الدول مثل سوريا وليبيا واليمن. ونتیجة لذلك، تم إغفال الدافع الأساسي للثورات، لصالح أولئك الذین یدافعون عن الإستقرار في سیاق قراءة غیر مَرِنة للمصلحة الوطنیة.
إن الدول الغربية، التي يُفترَض أن تتعاطف بشكل كبير مع فكرة الديموقراطية العربية، أثبتت أنها كانت حذرة من عواقبها في المنطقة، خلف واجهة الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان. وبسبب تهديد الجماعات الجهادية، سرعان ما تخلّت عن أولئك الذين كانوا يقاتلون من أجل حريتهم. ولهذا السبب حتى لو ظل مستقبل بشار الأسد غير مؤكد اليوم، فإن عدداً قليلاً من القادة الغربيين يطالبون بتنحيته كشرط مُسبَق لنهاية المفاوضات حول النزاع السوري.
لقد لعبت الولايات المتحدة على وجه الخصوص دوراً سلبياً للغاية منذ العام 2011. كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما دائماً شخصاً أشدّ خوفاً من الإضطراب والإلتزام مما كان داعماً للديموقراطية. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في سوريا، حيث أنه رغم التأكيدات الدورية بأن حكم الأسد قد إنتهى، فإن أوباما لم يفعل شيئاً لتغيير التوازن لصالح المتمردين، حتى قبل وصول الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
دونالد ترامب، بالمثل، كان قلقاً قليلاً لما يحدث في سوريا. وقد أدلت إدارته ببيانات متناقضة حول النتيجة السياسية المرجوة للبلاد، ولكنها كانت غائبة إلى حد كبير عن جميع المسارات الديبلوماسية في سوريا، سواء في جنيف أو أستانا. ونظراً إلى جدول أعماله القومي الضيِّق، فإن ترامب ليست لديه مصلحة في نشر حقوق الإنسان والديموقراطية والحكم الرشيد، والتي يُحفِّزها جميعها نهج عالمي إزاء الشؤون الخارجية. في الواقع، هناك بعض التساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأميركي يعتبر هذه الأهداف مهمة.
مع ذلك، هل تستفيد الدول العربية من إعتماد خط معاملة مماثل في العلاقات الداخلية والخارجية؟ إن الواقعية السياسية التي تتغلغل في المنطقة، القائمة على أولوية السعي إلى تحقيق المصلحة الوطنية، كثيراً ما تطرح مشاكل بالنسبة إلى الدول العربية. وهذا ما تركها مُنقَسمة بشكل ميؤوس خلال الحرب العربية – الإسرائيلية في العام 1948، والذي كان السبب في الحرب الباردة العربية في خمسينات وستينات القرن الفائت. واليوم، تبدو الدول العربية غير قادرة على تنسيق رد مُوحَّد على التهديد الإيراني، أو حتى على القضايا التي يوجد بشأنها توافق في الآراء، مثل وضع القدس.
هذا لا يعني بطبيعة الحال أن على دول المنطقة أن تتخلّى عن مصالحها الوطنية. غير أن الدفاع عن القيم العالمية، شأنه في ذلك شأن وضع المصلحة الجماعية قبل المصلحة الوطنية في حالات معينة، يمكن أن يكون في كثير من الأحيان وسيلة أكثر فعالية لتحسين موقف البلد ورفاهيته.
لقد إكتسبت الولايات المتحدة قدراً كبيراً من إبراز صورة الديموقراطية في الخارج. وهذا لا يعني أن جهودها الديموقراطية قد نجحت في كل مكان، ولكنها كانت جزءاً أساسياً من تعاملاتها وقوتها الناعمة في الخارج، ولا سيما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبالمثل، تعلّم الإتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة مزايا التضحية بجوانب من السيادة الوطنية لصالح التعاون السياسي والاقتصادي الذي يعود بالفائدة على الجميع. ومن المؤكد أن المشروع الأوروبي واجه صعوبات ولكن ليس أكثر من الدول التي سعت إلى الخروج من الإتحاد الأوروبي، كما أبرزت المفاوضات الحالية بشأن خروج بريطانيا من أوروبا.
بعبارة أخرى، إن تعزيز القيم العالمية والمصالح عبر الوطنية ودعم السيادة الوطنية في بعض الأحيان، أداة أساسية في العلاقات الدولية. كيف تتعزز القيم العالمية مع الإنتفاضات العربية؟ من خلال تزويد العرب بشيء يُمكن أن يطمحوا إليه ويُحفِّزهم. وكان إبتعاد العديد من الدول الغربية عن العرب بعد العام 2010 شاهداً على قصر نظرها، لأنه إذا لم يتم التعامل مع المشاكل بشكل كاف، فلا شيء يضمن أن الانتفاضات لن تُستأنف في المستقبل.
إن التطلع إلى الإستقرار أمر مفهوم. غير أن الثبات وعدم الحركة بالكاد يؤدي إلى الإستقرار، لأنه يزيد من الإحباط بين السكان الأصغر سناً في بلدان المنطقة. إن اعتماد تعريفٍ عازل للمصلحة الوطنية، وهو مبدأ يرفض القيم العالمية والمصالح عبر الوطنية في عالم يُمكن أن تتداول فيه هذه الأفكار بحرية عبر الإنترنت، هو وصفة للكوارث.
ليس من المستغرب أن رجل المرحلة هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فهو زعيم خارجي يثق به العديد من القادة في المنطقة. ففلسفته الخاصة باستقرار حديدي على الأقل تتمتع بجدارة الوضوح، في حين أن واشنطن، إعتماداً على من هو في البيت الأبيض، لا تزال غير منتظمة. لكن من العام 2010 إلى العام 2011، كانت الولايات المتحدة أقرب إلى الواقع العربي. إن رفضها إستخلاص الدروس والعبر من تلك الفترة المشؤومة أمر مخجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى