تحديات ثلاثة أمام الإقتصاد المصري بعد إنحسار التوترات المالية

بدأت الإحتياطات بالعملات الأجنبية في مصر بالتعافي، غير أن ضعف الاستثمارات الخارجية المباشرة وتراكم الديون قد يضعان عراقيل أمام الإصلاحات.

صندوق النقد الدولي: تقاريره إيجابية عن الإقتصاد المصري في المدى القصير

بقلم برندان ميغان*

في السنة التي تلت تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، شهد الإقتصاد المصري إنحساراً للتوترات المالية التي إستفحلت لأكثر من جيل. وكان النقص في السلع الأساسية تراكم لبعض الوقت، مما جعل تعويم الجنيه المصري أمراً لا مفر منه. وبالإضافة الى الصدمة التى تلت ذلك، فقد شهد المستهلكون خفضاً فى دعم الوقود، وزيادة نسبتها 7 في المئة فى معدلات الفائدة على مدى العام الفائت، ووعداً بالمضي قُدُماً في زيادة الضرائب وغيرها من إجراءات التقشف التي تهدف الى دفع الاقتصاد وإنعاشه.
في مقابل هذا الإستعراض الدراماتيكي والنادر للسياسة الحذرة، حصلت مصر، أو أقلّه المكانة المالية لحكومتها، على مكافأة سخيّة من المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف والمستثمرين. لقد تسلّمت البلاد، خلال العام المنصرم، الدفعات الأولى من قرض الصندوق النقد الدولي الذي تصل قيمته إلى 12 مليار دولار، كما حصلت على أكثر من 18 مليار دولار من جهات خاصة إستثمرت في سندات الخزينة المصرية، وعلى 7 مليارات دولار في شكل ديون بالدولار الأميركي. في الإجمال، أدّت الديون من الاستثمارات الخاصة والمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف، إلى وصول الإحتياطات المصرية بالعملات الأجنبية إلى أكثر من 36 مليار دولار في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2017 – أي بزيادة بلغت نحو 20 مليار دولار بالمقارنة مع حزيران (يونيو) 2016.
قد تبدو هذه الأرقام مثيرة للإعجاب – وقد حرصت الحكومة على الترويج لها على مسامع كل من يُبدي إستعداداً للإصغاء – إلّا أنه لا تزال هناك بعض الأسئلة الجدّية عن مطواعية ومرونة الإقتصاد وآفاق النمو في المدى الطويل. إلى جانب التحديات السياسية والأمنية الكثيرة التي ستعترض مصر في السنوات المقبلة، فإن ثلاث مسائل إقتصادية في شكل خاص تدفع بالمستثمرين نحو التحوّط في رهاناتهم.
أولاً، في حين أن سندات الخزينة المصرية وسندات اليوروبوند لم تجد صعوبة في العثور على مشترين، كانت تدفقات الإستثمارات الخارجية المباشرة أضعف من المتوقَّع. فقد إرتفعت بنسبة 6.5 في المئة فقط لتبلغ 13.35 مليار دولار في السنة المالية 2016-2017 التي إنتهت في حزيران (يونيو) المنصرم. وبلغ صافي التدفقات 7.92 مليارات دولار، أي أقل بما يزيد عن مليارَي دولار من الهدف الذي كانت الحكومة قد حدّدته وهو 10 مليارات دولار. لكن النقطة الأهم تتمثل في ما يحمله ذلك من مؤشرات عن أنه على الرغم من قدرة مصر على توليد سيولة نقدية بصورة سريعة عبر بيع هذه السندات، إلّا أنه لا يتم توظيف الأموال في إستثمارات طويلة الأمد في قطاع الأعمال. إن سندات الخزينة – سندات حكومية قصيرة الأمد تصبح مستحقة في أقل من عام على إصدارها – تؤمّن عائدات سريعة للمستثمرين المحليين والأجانب، لكنها لا تشكّل رهانات طويلة الأمد على الإقتصاد المصري. في حين أن سندات اليوروبوند التي باعتها مصر تصبح مستحقة في فترة تتراوح من خمسة إلى ثلاثين عاماً، يتم إصدار هذه السندات بالدولار واليورو – وليس بالجنيه المصري. يعني ذلك أن المستثمرين لا يزالون يُبدون حذرهم من توظيف أموالهم في المدى المتوسط والطويل في الإقتصاد المصري، بسبب المخاوف التي تراودهم بشأن عافية الجنيه في المستقبل.
تتمثل العثرة الثانية المُحتَمَلة في التراكم السريع للديون، لا سيما الديون بالعملات الأجنبية. وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، سوف يبلغ مجموع معدل الديون إلى إجمالي الناتج المحلي في مصر، الذي يشمل الديون بالعملة المحلية والعملات الأجنبية على السواء، 101.2 في المئة بحلول أواخر العام 2017. صحيح أنها زيادة كبيرة بالمقارنة مع المعدل المنخفض الذي سُجِّل في العام 2008، وبلغ 66.7 في المئة، بيد أن صندوق النقد الدولي توقّع أن يتراجع الرقم في السنوات المقبلة. لكن على النقيض من الديون بالجنيه المصري، حيث تستطيع الحكومة أن تفتعل تضخماً لخفض أكلاف الديون عبر صك مزيد من العملة من أجل تسديد المستحقات لدائنيها، لا تخسر الديون بالدولار واليورو قيمتها عند تراجع سعر صرف الجنيه المصري. فبغض النظر عن السياسة المالية أو النقدية التي تقرّر الحكومة إستخدامها، تحافظ الديون بالدولار الأميركي على القيمة نفسها بالدولار.
وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري، تضاعفَ معدّل الدين الخارجي إلى إجمالي الناتج المحلي في مصر خلال السنة المالية 2016-2017، من 16.6 إلى 33.6 في المئة. ومن الأسباب التي تقف خلف هذه الزيادة الديون للمنظمات المتعددة الأطراف على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي من غير المرجّح أن تطرح مشكلة، وذلك نظراً إلى آجالها الطويلة، وإنخفاض أسعار الفوائد، وفترات السماح الممنوحة لتسديدها. لكن فيما تسعى مصر إلى شراء المزيد من سندات اليوروبوند خلال العام المقبل، فقد تجد الحكومة نفسها في موقف صعب عندما تصبح هذه السندات مستحقّة، في حال فشِلَ الإقتصاد في تحقيق النمو المتوقع، أو تراجعت قيمة الجنيه المصري. واقع الحال هو أن المستثمرين لا يزالون يشكّكون في آفاق البلاد في المدى الطويل، وخير دليل على ذلك تكاليف تأمين الديون المصرية ضد التخلف عن السداد.
التحدي الثالث الذي يُخيّم فوق الإقتصاد المصري يُمكن تفاديه بسهولة أكبر في حال إختارت الحكومة التصرف بطريقة مسؤولة مادّياً وأعطت الأولوية لمصالحها في المدى الطويل. فيما تتوسّع عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي وإستخراجه شرق المتوسط، بإمكان الحكومة تحقيق المزيد من الريوع من مبيعات الغاز الطبيعي. لقد إكتشفت شركة الطاقة الإيطالية “إيني” حقل “ظهر” العملاق في آب (أغسطس) 2015، وتترقّب الحكومة أن يلبّي الإنتاج في الحقل الطلب الداخلي بحلول أواخر العام 2018. كما تتوقّع مصر أيضاً أن تبدأ تصدير فائض الغاز من حقل “ظهر” وسواه من الحقول في المياه الإقليمية المصرية بحلول نهاية العقد الجاري. وسيُتيح ذلك للبلاد تلبية إحتياجاتها من الطاقة، وتجنّب الإطفاء المُبرمج للتيار الكهربائي وتقنين الطاقة في الصناعات الثقيلة، اللذين يرزح الاقتصاد تحت وطأتهما منذ العام 2011. على الرغم من ذلك، إذا بدأت الريوع تشكّل جزءاً كبيراً من الإيرادات الحكومية، فقد تخبو الشهية المصرية للإصلاح. وقد يتم تأجيل تطبيق الخفوضات في الدعم الحكومي، ويُمكن أن تخضع الخطط الآيلة إلى خصخصة سوق الغاز الطبيعية المصرية بصورة جزئية، للمراجعة من أجل إفساح المجال أمام الحكومة للعب دور أكبر من المتوقَّع.
في حين أن الزيادات الكبيرة في الأسعار الناجمة من تراجع قيمة العملة سوف تنحسر على الأرجح خلال العام المقبل، فإن مصر لم تتجاوز مرحلة الخطر بعد. من شأن عوائق أساسية أن تحول دون التقدّم بسهولة نحو إقتصاد مستقر وفي طور النمو، ومن الواضح أن المستثمرين الأجانب لا يزالون مُترَدّدين في توظيف أموالهم في البلاد. لكن إذا تمكّنت مصر من إبقاء ديونها الخارجية تحت السيطرة، والإستمرار في التحلي بالمسؤولية المالية، وإستقطاب مزيد من الإستثمارات الخارجية المباشرة – ليس فقط من مديري الصناديق الذين يسعون إلى تحقيق أرباح نقدية سريعة من سندات الخزينة ذات الإيرادات المرتفعة – فستكون قادرة على شق طريقها نحو النمو في المدى الطويل.

• برندان ميغان محلل لشؤون الاقتصاد الكلي يركّز على الشرق الأوسط. لمتابعته عبر “تويتر”: @BrendanJMeighan
• عُرّب هذا المقال من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى