مستقبل ميليشيات الحرس الثوري الإيراني في سوريا يُثير خلافاً بين طهران وموسكو

فيما بدا أن القمة الثلاثية التي عُقدت أخيراً في سوتشي وجمعت الرؤساء فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني تكللت بالنجاح، فإن الحقيقة التي تسرّبت في ما بعد تُشير إلى أن هناك خلافاً متنامياً بين موسكو وطهران حول مستقبل ميليشيات الحرس الثوري الإيراني في سوريا قد يهدد تحقيق السلام الموعود.

قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري: حساباته لا تنطبق مع بيادر حسن روحاني

بقلم أليكس فاتانكا *

بدأت الجولة الأخيرة لمحادثات السلام في سوريا التي تجري بوساطة من الأمم المتحدة في جنيف (في 29/11/2017) بهدف إقناع الرئيس بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة المختلفة بتسوية سياسية يُمكِن أن تضع حداً لأكثر من ست سنوات من الحرب الأهلية في البلاد.
وتأتي محادثات جنيف بعد أسبوع على محادثات أخرى حول سوريا، جرت هذه المرة فى سوتشي. وكان من المفترض ان يكون إجتماع 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الذي ضمّ بعض اللاعبين الرئيسيين في النزاع – إيران وتركيا وروسيا – نقطة تحوّل في قضية مستقبل سوريا. على الأقل كان هذا أمل طهران. وبدلاً من ذلك، سلطت المحادثات الضوء على الشقوق الناشئة بين الدولتين الداعمَتين الرئيسيتين للأسد، إيران وروسيا، وكشفت الإنقسامات داخل إيران بين الحكومة المدنية للرئيس حسن روحاني وقيادة الحرس الثوري الإسلامي.
بإختصار، إن الحرس الثوري الإسلامي، الذي صار يتمتع بوجود قوي في سوريا على مدى السنوات السبع الماضية من خلال ميليشياته المختلفة ووكلائه المحليين، حريص على الحفاظ على مكاسبه لصد أي نفوذٍ أو هجوم مُحتمل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وهذا الموقف قد يقوده قريباً إلى صراع مفتوح مع روسيا والجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك روحاني، الذي قد يكون أكثر إنفتاحاً على تسوية سياسية متعددة الأطراف لإنهاء الحرب السورية. وعلى وجه التحديد، فإن الحرس الثوري الإيراني لا يرغب فقط في تأمين النفوذ الإيراني في سوريا بعد الحرب، ولكن أيضاً تحويل الميليشيات السورية المتحالفة إلى قوة عسكرية سياسية مؤسسية على صورته ومثاله، والتي يُمكن أن تصبح مُحرّضاً محلّياً على غرار الدور الذي يلعبه “حزب الله” في لبنان .

شكوك في سوتشي

في سوتشي، إتفق الإيرانيون والروس والأتراك ظاهرياً على نقطة رئيسية واحدة هي أنه يجب على جميع الأطراف إحترام السلامة الإقليمية لسوريا. ونوقشت مسائل أخرى، بما فيها كيفية مواصلة دعم عملية خفض التصعيد في المناطق التي تمّ الإتفاق عليها في أستانا في أيار (مايو) الفائت. كان إجتماع سوتشي قبل كل شيء قمة تهدف إلى إظهار تطور الشراكة الإيرانية الروسية التركية وصعودها في سوريا.
في طهران، رغم ذلك، لا يزال هناك شك كبير موجود بالنسبة إلى النوايا الروسية والتركية في سوريا. والإيرانيون مُدركون بشكل خاص – ومستاؤون – لقدرة موسكو على العمل مع العديد من الشركاء المختلفين في المنطقة. وحالياً، بين الدول الثلاث التي كانت في سوتشي، تُقيم روسيا حواراً قوياً ومستمراً مع كل دولة أخرى تربطها علاقة بمسألة مستقبل سوريا، من الولايات المتحدة إلى إسرائيل إلى الدول العربية الخليجية. بدورها، تخشى طهران بشكل طبيعي أن يتم إنجاز الصفقات على رأسها وحسابها.
قبل يومين من قمة سوتشي، على سبيل المثال، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجتماعاً لمدة أربع ساعات مع الأسد، الذي كان توجه جواً إلى المدينة للتشاور مع الزعيم الروسي. وتشير التقارير عن الزيارة التي نُشرت في وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن طهران لم تكن على علم مُسبَق بها. بيد ان قرار بوتين بإطلاع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطط موسكو قبل قمة سوتشي يبدو أنه قد أزعج وأغضب طهران. وقد قرأ الإيرانيون هذه الإحاطة كمحاولة روسية لتهدئة وطمأنة الولايات المتحدة، التي تُعارض بشدة أي تسوية في سوريا من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على وجود إيران هناك. إن طمأنة واشنطن، التي تُقلق الإيرانيين بحق، لا يُمكن أن تأتي إلّا على حساب نفوذ ومصالح طهران في سوريا بعد الحرب.
لذلك ليس من قبيل المصادفة أنه في الأيام التي تلت قمة سوتشي، بدأ الحرس الثوري الإيراني التعبير عن قدرته على تعبئة الميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا والحفاظ عليها ونشرها. هذا هو عرض للقوة الصلبة، ولا شك أن بوتين ومستشاريه هما جزء من الجمهور المقصود.
وبعبارة أخرى، مع إستعداد موسكو لتحويل نفسها إلى الصانع الديبلوماسي الملك النهائي في هذه الأيام التي يحلّ فيها الغروب في الصراع السوري، فإن جنرالات الحرس الثوري الإيراني يُذكّرون الجميع، بمن فيهم الأسد والروس، بإستمرار سلطتهم ونفوذهم. وبينما تتطلع إيران إلى تحقيق أقصى قدر من الأهمية والنفوذ في سوريا بعد الحرب، فإن الفصيل المتشدد في البلاد، الذي يمثله الحرس الثوري الإسلامي، يعتقد بأن سنوات الإستثمار في الميليشيات السورية وغيرها من الميليشيات العربية سوف تؤتي ثمارها أخيراً.

الديبلوماسية لن تنفع

كان قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، أكثر وضوحاً بالنسبة إلى نواياه لتعزيز الميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا. في 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، على سبيل المثال، قال جعفري أن الأسد يعرف أنه “مدينٌ لميليشيات الشعب”، ويُدرك أنها ذات أهمية حاسمة لبقائه السياسي. وتوقع جعفري أيضاً أن الأسد “سيقوم بإضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات حتى تبقى ذات صلة في مواجهة التهديدات المستقبلية”. من نافلة القول أنه بالنسبة إلى جعفري، فإن الأمر يرجع إلى الحرس الثوري الإيراني لتحديد هوية مثل هذه التهديدات المستقبلية، ومن الآمن الرهان على أن الأهداف المعتادة للمجموعة — لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل — ستكون على تلك القائمة.
إن هدف الحرس الثوري الإيراني هو تحويل الميليشيات السورية، التي هي في الوقت الحالي تحت سيطرته، إلى جهات شبه حكومية حيث ستصبح أدوات دائمة للنفوذ الإيراني في سوريا، على غرار كيفية عمل “حزب الله” في لبنان. ولعلّ هذه الإستراتيجية ليست مفاجئة، حيث أن الحرس الثوري الإيراني هو في حد ذاته نتاج لهذا التطور. في العام 1979، بعد الثورة الإيرانية مباشرة، بدأ الحرس الثوري الإيراني كمجموعة صغيرة من المتشددين المُحبّين والمُتعَصِّبين لآية الله روح الله الخميني. على مر السنين، تحوّلت هذه الفرقة من مسلحين إسلاميين يقومون بالخدمة المسلحة لرجال الدين الثوريين إلى دويلة قوية داخل الدولة التي تتحكم بإمبراطورية واسعة من الرجال والمال.
هذا التصعيد البلاغي أو البياني من قبل الحرس الثوري الإسلامي، علاوة على ذلك، لا يستهدف فقط الجماهير الأجنبية. إن مستقبل الميليشيات الموالية لإيران في سوريا هو أيضاً جزء من نقاش داخل النظام في طهران. وقد أبقى روحاني نفسه علناً على مسافة بعيدة من خطة الحرس الثوري الإيراني لإضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات التابعة له، لكنه لم ينتقده بشكل مفرط. ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني تشير دائماً إلى أن حكومة روحاني ضعيفة ومتساهلة بالنسبة إلى المطالب الغربية من طهران للتخلي عن الميليشيات أو نزع سلاحها على الأقل. بالنسبة إلى الحرس الثوري الإيراني، فإن هذا الأمر ليس مطروحاً لا الآن ولا في المستقبل.
ورداً على المواقف السلمية نسبياُ لروحاني، فإن موقف الحرس الثوري الإيراني ذو شقين: أولاً، سيكون من الغباء أن يتم التوصل إلى إتفاق مع الغرب (أو روسيا) بشأن مستقبل الميليشيات السورية. لماذا نتخلّى عن النفوذ المُكتَسب على الأرض مقابل وعود مشكوك فيها للتعاون الدولي حول مستقبل سوريا؟ والمزاج السائد في طهران، الذي هو أن إيران لم تتغيّر أو تختلف بعد توقيعها على الاتفاق النووي في العام 2015، من المفترض أن يُعطي حجة الحرس الثوري الإيراني زخماً أكثر مما كان عليه الحال على خلاف ذلك.
ثانياً، كان الحرس الثوري الإيراني سريعاً أيضاً في تذكير الجميع بأنه أفضل تجهيزاً من الحكومة المدنية لقيادة جهود إيران لتأمين وضمان شريحة من الإنفاق على إعادة الإعمار في سوريا. هذا ليس أقل من طعنة أو لكمة لروحاني. في الواقع، إدّعى جعفري أن فريقي روحاني والأسد قد إتفقا ووافقا على أن المؤسسات الإقتصادية الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، والتي يُمكن أن تعمل مباشرة تحت حماية الميليشيات الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، هي أفضل المرشحين لإدارة مشاريع إعادة الإعمار في سوريا. ولم يرد روحاني بعد على هذا الكلام.

الدفاع الأمامي

سيجد المراقبون داخل إيران وخارجها موقف الحرس الثوري الإيراني الفظ بشكل متزايد بالنسبة إلى المليشيات بأنه نذير شؤم. ولكن في طهران، فإن الحرس الثوري الإيراني له اليد العليا عندما يتعلق الأمر بسياسة سوريا، وهو يعتقد بوضوح أنه يمتلك مخططاً للنجاح: المزيد من “حزب الله” كلما كان ذلك ممكناً.
ولما كان قادة الحرس الثوري الإيراني حريصين على التكرار، فإن البيئة الأمنية الإقليمية المتغيّرة بسرعة تتطلب من إيران أن تُكيّف وتجدد بإستمرار إستراتيجيتها العسكرية. في طهران، يشار إلى ذلك ب”الدفاع الأمامي”، ويقوم على فكرة أن إيران يجب أن تحارب خصومها خارج حدودها لمنع نشوب الصراع على الأراضي الإيرانية. إن السيطرة على الميليشيات العربية في الخارج، مثل المتحالفين مع الحرس الثوري الإسلامي في سوريا، هي جزء لا يتجزأ من فكرة الدفاع الأمامي، مما يجعل من غير المرجح أن تحوّل إيران موقفها في أي وقت قريب.
غير أنه من الصعب من وجهة نظر سورية أوسع، أن نرى كيف يُمكن للسلم الدائم أن يعود إلى البلد إذا استمرت الجماعات المسلحة المحلية التابعة لمنظمة أجنبية عدوانية وإيديولوجية، مثل الحرس الثوري الإيراني، في القيام بلعب دور حاسم في العملية السياسية.

• أليكس فاتانكا هو زميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ومؤلف الكتاب الذي سينشر قريباً، “صنع السياسة الخارجية الإيرانية” (The Making of Iranian Foreign Policy).
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى