برنامج “حزب الله” للطائرات من دون طيار يُسجِّل سابقة للجهات الفاعلة غير الحكومية

نشر موقع “روسيا اليوم” أخيراً تقريراً حول إستخدام “حزب لله” اللبناني لطائرات من دون طيار في عملياته في سوريا، لافتاً إلى أن تعزيز الحزب لقدراته القتالية بهذه التقنية يثير مخاوف إسرائيل. وذكر الموقع في هذا الصدد أن لدى “حزب الله” الآن أسطولاً من الطائرات المسلحة من دون طيار، يستخدمها بشكل واسع في بلاد الشام لتعزيز قدراته القتالية هناك، مشيراً إلى أن إسرائيل تراقب عن كثب نشاط الحزب في هذا المجال، وذلك لأنها يُمكن أن تُستَخدَم في نهاية المطاف ضدها، بحسب ما نقل الموقع عمَّن وصفهم بمحللين.

إحدى الطائرات من دون طيّار التي إستخدمها “حزب الله ” لإختراق الأجواء الإسرائيلية

بيروت – رئيف عمرو

بعد ظهر يوم 19 أيلول (سبتمبر)، إنطلقت طائرة من دون طيار (درون) من مهبط للطائرات بالقرب من العاصمة السورية دمشق إلى المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل المنطقة التي تسيطر عليها سوريا من مرتفعات الجولان عن المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل. وقام الجيش الإسرائيلي بإرسال طائراته المقاتلة وإطلاق صاروخ باتريوت لإعتراض ما حُدّد بأنها طائرة إستطلاع ل”حزب الله” تقترب من المجال الجوي الإسرائيلي. وقد نجح صاروخ باتريوت، الذي كانت ترافقه طائرتان مقاتلتان اسرائيليتان، في إعتراض الطائرة من دون طيار فى الهواء. وسقط الحطام داخل المنطقة المنزوعة السلاح، بالقرب من أنقاض مدينة القنيطرة السورية.
وعلى الرغم من التدمير الفوري للطائرة، فقد أدّى الحادث إلى تصعيد حدة التوتر المتزايدة بين إسرائيل و”حزب الله” وإيران، التي أفادت التقارير بأنها قدمت الطائرة إلى وكيلها اللبناني.
قبل بضعة أسابيع فقط من إستخدام هذه الطائرة، نظمت إسرائيل أكبر مناورات وتدريبات عسكرية لها منذ 20 عاماً، وكانت تحاكي صراعاً مُحتَمَلاً مع “حزب الله”. وجاء هذا الحادث قبل ساعات من خطابٍ كان من المقرر أن يلقيه بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث كان من المتوقع ان يبحث رئيس الوزراء الإسرائيلي التهديد المتزايد الذي يشكله كل من إيران و”حزب الله”.
من جهته أعلن معهد إسرائيل للدراسات الأمنية الوطنية في تقريره السنوي أخيراً أن “حزب الله” يشكل أكبر تهديد للبلاد. ومع أن الحزب الشيعي كان عدواً دائماً لإسرائيل على مدى عقود، فإن تقرير العام الماضي صّنف إيران على أنها التهديد رقم واحد للدولة العبرية. ويرجع هذا التغيير في جزء منه إلى برنامج “حزب الله” القوي للطائرات من دون طيار. وعلاوة على ذلك، في حين أن هذا الإستخدام الأخير ل”الدرون” يثير مخاوف بشأن إحتمال استخدام الطائرات من دون طيار بطريقة أكثر جرأة وأكثر عنفاً من قبل الجماعة الشيعية، فإن الحادث الأخير لم يكن أول هجوم لطائرة من دون طيار إستخدمها “حزب الله” ضد إسرائيل.
الواقع أن أسطول “حزب الله” المتنامي من الطائرات من دون طيار قد شكل تهديداً لا هوادة فيه للأمن الإسرائيلي على مدى السنوات ال13 الماضية، وقد سمحت الحرب السورية للمجموعة الشيعية مواصلة تطوير وإختبار هذا النوع من الطائرات.

تطوير تكنولوجيا الطائرة من دون طيار

إستخدم “حزب الله” أول طائرة من دون طيار في تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 عندما إستعملت المجموعة الشيعية “درون” من طراز “ميرساد -1” فى المجال الجوي الإسرائيلي التي قامت بمراقبة مدينة ناباريفا في شمال إسرائيل لمدة 20 دقيقة تقريباً. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها جهة غير حكومية طائرة جوية من دون طيار ضد دولة، فاتحةً عالماً جديداً من القدرات الإرهابية المُحتَملة. ومنذ ذلك الحين ظل “حزب الله” المُستخدِم الوحيد من غير الدول الناجح في إستخدام الطائرات من دون طيار، مستمراً بذلك في إحداث سوابق جديدة للجهات الفاعلة غير الحكومية.
في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، على سبيل المثال، إستخدم “حزب الله” طائرة “أيوب” الإيرانية من دون طيار التي حلقت من لبنان إلى عمق إسرائيل، إلى مدينة ديمونة، لمراقبة منشآت تصنيع الأسلحة النووية في البلاد. وقامت “أيوب” بمراقبة المحطة النووية لساعات عدة قبل أن تُسقطها طائرة مقاتلة إسرائيلية. وبعد أسابيع عدة من الهجوم، نشرت إيران صوراً لمصنع الأسلحة النووية الإسرائيلي التي نقلتها الطائرة من دون طيار. وکان ھذا الحادث بمثابة إنتصار داعم کبیر لکلٍّ من “حزب الله” وإیران، مما یشیر إلی أن الحزب قد یھاجم حتی مرافق إسرائیل الأفضل حمایة والأکثر أھمیة.
في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، أطلق “حزب الله” عملية مثيرة للإعجاب بواسطة طائرة من دون طيار حيث إستخدمها لمهاجمة تنظيم “جبهة النصرة” المرتبط بتنظيم “القاعدة” في سوريا. وأسفر هجوم الطائرة من دون طيار عن مقتل أكثر من 20 من مقاتلي الجماعة السنية المتشددة، وهو ما كان تحضيراً لهجوم بري أعقب ذلك. وفي ختام الهجوم، قتل ما لا یقل عن 23 من نشطاء “جبهة النصرة” ووقع عدد آخر أسرى في أيدي مقاتلي الحزب. ويمثل هذا الهجوم تطورين مهمين: لأول مرة تقوم جهة غير حكومية بهجوم بواسطة طائرة من دون طيار، وكانت المرة الأولى التي تستخدم فيها جهة غير حكومية طائرة من دون طيار لمهاجمة مجموعة أخرى غير حكومية. بعد ذلك، بدأ “حزب الله” وإيران الإستثمار بجدية في توسيع برنامج الحزب الشيعي اللبناني للطائرة من دون طيار.

سوريا كمركز تدريب

من أبرز جوانب برنامج “حزب الله” للطائرات من دون طيار هي القاعدة الجوية التي يُديرها الحزب حالياً. فقد كشفت مجلة “جينز” العسكرية عن قيام حزب الله اللبناني بإعداد مدرج للطائرات إلى الشمال من وادي البقاع، سيكون على الأرجح مخصصاً لطائرات الاستطلاع من دون طيار.
ووفقاً لمجلة “آي أتش إس جينز” الدولية الأسبوعية المتخصصة في الشؤون الدفاعية، فإن مدرج الطائرات هذا يقع في منطقة غير مأهولة، على بعد 10 كيلومترات إلى الجنوب من بلدة الهرمل و18 كيلومتراً إلى الغرب من الحدود مع سوريا، والمدرج عبارة عن طريق غير مُعبّد بطول 670 متراً وعرض 20 متراً.
وأفاد تحليل مجلة جينز أن الحزب اللبناني قام بشق هذا المدرج في الفترة بين 27 شباط (فبراير) 2013 و19 حزيران (يونيو) 2014، بحسب الصور التي إلتقطتها الأقمار الإصطناعية، والتي كشف عنها برنامج “غوغل إيرث” أيضاً.
ومن خلال الصور يتضح أن مدرج الطائرات قصير نسبياً، ما يعني أنه غير قادر على إستقبال طائرات النقل العسكرية المستخدمة في سوريا وإيران، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون مخصصاً لتهريب شحنات أسلحة من هذين البلدين.
وبحسب الخبراء الدفاعيين، فإن التفسير المُحتمل هو أن هذا المدرج ربما يكون مخصصاً لإستقبال طائرات الاستطلاع من دون طيار الإيرانية الصنع مثل طائرة “أبابيل-3″، التي يتم تشغيلها فوق سوريا من قبل جهات عسكرية متحالفة مع الحكومة السورية، وربما من طراز آخر من هذه الطائرات مثل “شهيد-129”.
وأكدت مصادر في “حزب الله” لمجلة “جينز” أن الحزب إستخدم طائرات إستطلاع من دون طيار لدعم العمليات ضد مسلحي المعارضة السورية، خصوصاً في فضاء منطقة القلمون على الحدود الشرقية اللبنانية.
ويوجد هوائي على تلة تبعد نحو 430 متراً إلى الجنوب من مدرج المطار، ويبدو مثل أي برج إتصالات عادي، لكنه قد يُستخدم لزيادة مدى محطة التحكم الأرضية بطائرات الإستطلاع من دون طيار.
وإلى جانب المدرج، هناك ثمة 6 مبان صغيرة، لكن أياً منها ليس كبيراً بما يكفي لإحتواء طائرة إستطلاع بحجم طائرة أبابيل 3، التي يصل طولها عند الجناحين إلى 7 أمتار، لكن هناك منشأة في وادي البقاع على بعد كيلومترين ونصف إلى الغرب من المدرج تحتوي على بناءين كبيرين بما يكفي لاستيعاب هذا النوع من الطائرات. والموقع، الذي تحرسه نقطة عسكرية وبوابة يشبه غيره من مواقع “حزب الله” المنتشرة في وادي البقاع.
وأفاد التحليل المنشور أن المدرج تم تشييده على طريق سابق كان موجوداً منذ العام 2010.
ويوضح وجود مهبط الطائرات قدرات “حزب الله” الجوية المتطورة على نحو متزايد وإلتزامه بتطويرها بسرعة. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن القاعدة الجوية تقع على بعد 10 أميال فقط من الحدود السورية يعني أن “حزب الله” كان يعتزم منذ وقت طويل إستخدام الطائرات من دون طيار لمحاولة التأثير في نتيجة الحرب السورية. إن الطائرات من دون طيار أصبحت بالفعل سلاحاً أكثر مركزية داخل تكتيكات وإستراتيجيات الحزب القتالية.
الواقع أن الحرب السورية كانت أرض جيدة للتدريب والتجريب ل”حزب الله”. وحسب أحد مقاتليه: “نحن بالتأكيد نتعلم الكثير من خلال العمل مع الروس والإيرانيين في الحرب السورية وبشكل أكثر تحديداً عندما يتعلق الأمر بالطائرات من دون طيار”.
ولكن من المثير للإهتمام هو أن “حزب الله” قد أبدى تفضيله للطائرات من دون طيار الأرخص المُتاحة تجارياً على الطائرات من دون طيار العسكرية التي يتلقاها ويجمعها بمساعدة إيرانية. إن “حزب الله” هو في الواقع ليس معروفاً بإستخدام ما وصفه الصحافي نيكولاس بلانفورد “الطائرات من دون طيار الجاهزة للاستطلاع فوق التلال في ساحات القتال السورية”.
بالإضافة إلى ذلك، في 9 آب (أغسطس) 2016، تم نشر شريط فيديو على وسائل الاعلام الإجتماعية يصوّر “كوادكوبتر” صغيراً (هليكوبتر صغيرة) غير مكلف تجارياً مسلح بقنابل صغيرة من طراز “أم زد دي-2” (MZD-2) صينية الصنع، يهاجم مواقع المتمردين في شمال سوريا. ويمثل الفيديو أول دليل رقمي على أن “حزب الله” لديه القدرة على قصف الأهداف عن بعد. وكانت هجمات الطائرات من دون طيار سابقاً تقوم بمهمات إنتحارية “كاميكازية” الطابع.

مستقبل عمليات الطائرات من دون طيار

قاد “حزب الله” الطريق في نشر وإستخدام الطائرات من دون طيار للمجموعات غير الحكومية لأكثر من عقد من الزمن. وخلال ذلك الوقت، أحرز تقدماً مذهلاً في الحصول على طائرات من دون طيار متطورة على نحو متزايد، مما وسّع نطاق عملياته من مجرد تهديد لإسرائيل إلى إستهداف المقاتلين غير الحكوميين.
في غضون عشر سنين، إنتقل “حزب الله” من عدم إمتلاكه لطائرات من دون طيار على الإطلاق إلى إمتلاك مهبط للطائرات من دون طيار خاص به وأسطول من النماذج العسكرية والتجارية من هذه الطائرات. لقد أصبح الحزب الآن يتمتع بخبرة في إستخدام الطائرات من دون طيار لأغراض متنوعة – المراقبة، صناعة الدعاية، هجمات كاميكازية إنتحارية وتفجيرات – وإكتسب الكفاءة في تشغيل الطائرات من دون طيار في مختلف التضاريس والبلدان (إسرائيل وسوريا).
من الصعب التنبؤ عن كيف يمكن أن يُستخدم كل هذا في القتال، ولكن فيما يوسع “حزب الله” بشكل كبير ترسانته من الطائرات من دون طيار – بما فيها، ولكن ليس على سبيل الحصر، ميرساد، أبابيل، أيوب، والطائرات من دون طيار المتاحة تجارياً – في السنوات الأخيرة، فإنه من المرجح أن يستمر في إستخدام الطائرات من دون طيار مع تصاعد في الوتيرة والتطور والتعقيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى