حرب اليمن تُعيد تشكيل جيوش الخليج العربي وتغيّر إستراتيجياتها

قامت إستراتيجيات جيوش الخليج العربية دائماً على الدفاع عن النظام والأمن الداخلي، ولم يدخل التدخل الخارجي في حساباتها، ومع الإتجاه الأميركي المتراجع في الشرق الأوسط تغيّرت هذه الإستراتيجيات وأعيد تشكيل هذه الجيوش.

الجيش الإماراتي: صار جيشاً محترفاً

الرياض – سمير الحسيني

يبدو أن الحرب في اليمن قد أعادت تشكيل القوات المسلحة لدول الخليج العربي وغيّرت إستراتيجياتها. فهذه هي المرة الأولى التي تقود فيها وحدات النخبة الإماراتية والسعودية مجهوداً حربياً خارج أراضيها لمواجهة ومقاومة المتمردين الحوثيين اليمنيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، فضلاً عن قيامها بحملة لمكافحة الإرهاب ضد الجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”.
نظراً إلى تدخلهما في اليمن، فإن القوات المسلحة في الإمارات، وبدرجة أقل، السعودية، تتحوّلان من جيوش نظامية “ملكية لحماية النظام داخلياً” إلى قوى مهنية محترفة ذات قدرات تخطط خارجياً وخطاب وطني عسكري. وهذا يُمثّل نقلة نوعية حقيقية للجيشين الإماراتي والسعودي ويدعم سياسة بلديهما الإقليمية الإستباقية لما بعد العام 2011. كما أن القوات العسكرية لدول الخليج تعكف على عكس النمط التقليدي للتعاون العسكري العربي مع الدول الغربية، الذي كان يقوم غالباً على دعم العمليات التي يقودها الغرب، كما هو الحال في أفغانستان وليبيا، وأخيراً في سوريا والعراق. وعلى الرغم من أنهما لا تزالان تحصلان على الدعم اللوجستي والعسكري من حلفائهما التقليديين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في اليمن، فإن الرياض تقود وتنظم حملات القوات الجوية، ومعظمها في الشمال، في حين أن أبوظبي تفعل الشيء نفسه في العمليات البرية في الجنوب .
وقد أثار التدخل السعودي والإماراتي في اليمن إصلاحاً عسكرياً على المستوى الإستراتيجي، سواء في القدرات أو في العلاقات المدنية – العسكرية. فدولة الإمارات تقوم بدور طليعي، حيث يعمل جنودها على تدريب قوات القبائل اليمنية مباشرة. من وجهة نظر إستراتيجية، لقد بدأت أبوظبي والرياض تستثمران ليس فقط في الأسلحة المكلفة والمتطورة، ولكن أيضاً في الخبرات المحلية والتدريب وصيانة الأسلحة، وصناعة الدفاع الأصلية. ويؤكد هذا على الأهداف الطويلة الأجل، التي تُشجّع على وضع إستراتيجيات وطنية تركّز على العنصر العسكري، وتؤثر في مواقف السياسة الخارجية. وبهذا المعنى، يُعتَبَر المواطنون الإماراتيون نموذجاً مُلهِماً للمملكة العربية السعودية.
من حيث القدرات العسكرية، فقد إختبرت الحملة اليمنية المهارات البحرية السعودية والإماراتية: فرض البلدان حصاراً لمنع تهريب الأسلحة للحوثيين. ويُذكر ان البحرية التابعة لدولة الإمارات إستطاعت تنفيذ أول عملية برمائية لها، مستعيدةً من خلالها عدن بالإضافة إلى مدينة المخا وجزيرة بريم الإستراتيجية في البحر الأحمر. إن إنشاء قواعد عسكرية في الخارج – المملكة العربية السعودية في جيبوتي، والإمارات في إريتريا وصوماليلاند – يشير إلى أن كلاً منهما سيسعى إلى تطوير قدراته في المياه الزرقاء البحرية. وبالنظر إلى الحملة الجوية، فإن قوات مجلس التعاون الخليجي الجوية في كثير من الأحيان قامت بإستهداف متحرك ديناميكي بدلاً من إستهداف ثابت، الأمر الذي يوضّح عدم الدقة في بعض الأحيان، كما يتيَيَّن من إرتفاع عدد الإصابات بين المدنيين.
منذ العام 2016، قادت القوات الخاصة في الحرس الرئاسي الإماراتي عمليات مكافحة الإرهاب البرية ضد تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” في جنوب اليمن. وعلى الرغم من أن أبو ظبي لديها بالفعل خبرة في مكافحة التمرد من أفغانستان، فإن هذه المشاركة لم يسبق لها مثيل. في العام 2016، تمكن الجيش الإماراتي من السيطرة على بعض مناطق عدن وإستعادة المكلا في حضرموت من الجهاديين من دون مواجهة مباشرة مع تنظيم “القاعدة في الجزيرة العربية”. ومنذ آب (أغسطس) 2017، ساعد الإماراتيون الميليشيات اليمنية على دفع الجهاديين إلى خارج منطقة شبوة، وحماية البنى التحتية الحيوية للنفط والغاز.
كما أثّرت حرب اليمن بشكل عميق في العلاقات المدنية – العسكرية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وبفضل التدخل البري الأول “خارج الحدود”، فإن القوات العسكرية الإماراتية والسعودية تتفاعل أكثر مع مجتمعاتها، وصار المواطنون يفتخرون بشكل أكثر حزماً بقواتهم المسلحة. وعلاوة على ذلك، فإن الإمارات وقطر فرضتا التجنيد الإلزامي في العام 2014، كما فعلت الكويت في العام 2017 كأداة لبناء الدولة. في المملكة العربية السعودية، لم تعد مناقشة الخدمة العسكرية الإلزامية من المحرمات، كما أن المفتي العام السعودي يؤيد صراحة إعتمادها. يُذكر ان سرد القيادة في الإمارات، الذي تنقله وسائل الإعلام بقوة، يصوّر الجيش بإعتباره باني الهوية الوطنية، وبالتالي يساعد على تأكيد التغيير العسكري في النظام الملكي الخليجي.
تبدو القوات المسلحة الخليجية بأنها تترك تدريجاً النموذج التقليدي المُوجَّه نحو أمن النظام، لتبنّي نمطاً عسكرياً أكثر جرأة، يجمع بين التدخل الخارجي والتعبئة الوطنية. الواقع أن التدخل المُعقّد في اليمن هو نقطة تحوّل. وفي المدى الطويل، من المرجح أن تكون لهذا التحول آثار سياسية، بخاصة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية. وسيؤدي ضعف الإستراتيجية العازلة للانقلاب وإرتفاع التماسك العسكري إلى تشكيل فئة من الضباط العسكريين تتألف من مواطنين قاتلوا معاً في الخارج.
من وجهة نظر سياسية إقليمية، قد يصبح الموقف التدخلي هو “الموقف الطبيعي الجديد” للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لأنهما تُدرِكان أيضاً الإتجاه الأميركي المتراجع في الشرق الأوسط. وتقوم الملكيات الخليجية بشكل متزايد بتوقيع إتفاقات أمنية مع شركاء غربيين وآسيويين لتعزيز القدرات الدفاعية الوطنية، مع التركيز على التدريب والتعاون العسكري-العسكري (كما فعلت السعودية أخيراً مع إندونيسيا وماليزيا وإلمانيا، والإمارات العربية المتحدة مع كوريا الجنوبية والهند).
إن التحوّل النموذجي للجيشين السعودي والإماراتي يهدف إلى الحفاظ على أمن شبه الجزيرة العربية، وحماية الجيران الأصغر حجماً، مثل البحرين والكويت، من التهديدات الداخلية والخارجية. إن دول الخليج العربي تتقاسم مسؤوليات أمنية متزايدة في منطقة غير مستقرة للغاية، كما يشهد على ذلك التدخل المُعقّد في اليمن. وتشكل إعادة تشكيل جيوشها جزءاً من هذه العقلية الوطنية الجديدة الطويلة الأجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى