الجزائر تُطَوِّر قطاع التمويل الإسلامي لإجتذاب الإستثمار وتعميق الإختراق المصرفي

رفضت الجزائر في السابق خيارات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بسبب الصراع المحتدم بين العلمانيين والإسلاميين في تسعينات القرن الماضي، وعُرض المقترح ذاته على رئيس الوزراء أحمد أويحيى من طرف وزراء إسلاميين في فترات سابقة. وشنت “حركة مجتمع السلم” وهي أكبر حزب إسلامي معارض في البلاد، هجمة حادة على رئيس الوزراء الذي أعلن أخيراً أمام البرلمان أن حكومته ستعزز التمويل الإسلامي من خلال 3 مصارف مملوكة للدولة هذا العام وأن “العملية ستتوسع لتشمل 4 بنوك حكومية أخرى في العام 2018″، مبرراً هذه الخطوة برغبة الحكومة في تبني خيار “جاد” لإستقطاب كتل مالية من السوق الموازية إلى البنوك.

رئيس الوزراء أحمد أويحيى: في برنامجه إدخال التمويل الإسلامي إلى بنوك الدولة الستة

الجزائر – سلامة عبد الرحمن

بدأت البنوك الإسلامية تكتسب قبولاً كبيراً في الجزائر، مع إلتزام جميع البنوك الستة التي تديرها الدولة بإطلاق خدماتها المصرفية الإسلامية خلال الفترة المتبقية من هذا العام، كما أعلنت الحكومة عن إطلاق هيئة رقابة الشريعة.
وقال أحمد أويحيى رئيس الوزراء المُعيَّن حديثاً في البرلمان في أواخر أيلول (سبتمبر) الفائت أن ثلاثة بنوك مملوكة للدولة — هي بنك الفلاحة والتنمية الريفية ومصرف التنمية المحلية والصندوق الوطني للتوفير والإدخار – سوف تطلق الخدمات المالية الإسلامية بحلول نهاية العام، مع توقع إنضمام أربعة أخرى إليها في العام 2018. وستشمل الخدمات الموسعة للبنوك المرابحة، الإجارة، والمشاركة.
للإشراف على تنفيذ العروض الجديدة، فإن الحكومة تهدف أيضاً إلى إنشاء هيئة وطنية لرقابة الشريعة بحلول نهاية العام. ويمثل ذلك خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة إلى قطاع التمويل الإسلامي، الذي يفتقر حتى الآن إلى إطار تنظيمي مخصص.
يهدف تقديم منتجات مالية إسلامية للمصارف المملوكة للدولة خصوصاً إلى جذب جزء من الجزائريين الذين لا يزالون من دون حسابات بنكية؛ هناك فقط 50٪ من البالغين في الجزائر لديهم حسابات بنكية حتى العام 2014، وفقاً لأرقام البنك الدولي، مع جزء من أولئك الذين يختارون الإحتفاظ بنقودهم خارج النظام المصرفي لأسباب دينية.
وإذا نجحت الحكومة، فإن ذلك قد يكون له تأثير كبير في قاعدة عملاء البنوك، لأنها تسيطر بشكل كبير على السوق. وفي نهاية العام 2015، بلغت حسابات المصارف الستة 88.3٪، أو ما يعادل 8.1 مليار دينار جزائري (60.1 مليون يورو) من إجمالي الودائع.

التخطيط لأول إصدار للصكوك

بالإضافة إلى التوسع في الخدمات المصرفية، قال أويحيى أيضاً للبرلمان أن حكومته تود تقديم منتجات للتوفير غير تقليدية في سوق الأسهم في العام المقبل من خلال إصدار أول صكوك (سندات إسلامية).
هذه الخطوة، التي تهدف إلى تحسين السيولة في الأسواق من خلال جلب المزيد من الأموال والمستثمرين، ظلت على جدول الأعمال منذ فترة. في شباط (فبراير) الفائت أشارت وسائل الإعلام الدولية إلى إحتمال إدراج وتداول سندات محلية من دون فائدة، والتي سمتها الحكومة آنذاك “مشاركة” على أمل جذب المزيد من الإهتمام من الجمهور.
كما قدم وزير المالية السابق حاجي بابا عمي حافزاً لحاملي السندات في شكل أسهم في المشاريع التي تموّلها هذه السندات. ومع ذلك، فإن السندات التي كان من المتوقع أن يتم إطلاقها في نيسان (إبريل) الفائت، لم تُدرَج ولم يتم تداولها أبداً.

منتجات جديدة لحقن السيولة

يُعدّ طرح منتجات بديلة للمستثمرين في الأسواق جزءاً أساسياً من خطة عمل الحكومة الجديدة لجذب المزيد من الإستثمارات إلى الإقتصاد الذي تأثر بالانخفاض الحاد في إيرادات الطاقة منذ العام 2014 بسبب إنخفاض أسعار النفط العالمية. وتسعى الخطة إلى “ضمان تنمية سوق رأس المال وكذلك البورصة لتقديم بدائل لتمويل الإستثمار وزيادة رأس المال”.
مع قيمة سوقية حالياً تبلغ 43.6 مليار دينار جزائري (323.8 مليون يورو) في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الفائت ،فإن سوق الأوراق المالية الجزائرية هي أصغر من نظيرتها في المغرب، التي بلغت قيمتها السوقية 625.7 مليار درهم مغربي ( 4.6 مليار يورو) في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، في حين بلغت القيمة السوقية لسوق تونس 21.3 مليار دينار تونسي (7.3 مليار يورو).
وعلى الرغم من الانخفاض النسبي في حجم التداول وعدد المستثمرين، إلّا أن الأسواق تشهد نمواً سريعاً، مع زيادة سقف السوق بنسبة 195٪ منذ العام 2014 بما يتماشى مع الجهود التي تبذلها الحكومة لمواجهة عائدات الطاقة المتدنية. وفي نيسان (إبريل) الفائت من العام الماضي، أصدرت الحكومة سنداتها الأولى منذ العام 2010، مما أعطى السوق زخماً جديداً يمكن أن يستمر حتى العام المقبل، إذا نفذت خطط إدراج الصكوك.
وهناك أيضاً إمكانية أن يشهد العام 2018 القطاع المصرفي مفتوحاً على مزيد من مشاركة القطاع الخاص، حيث تشير الحكومة إلى أنه يمكن أن تقدم خططاً لخصخصة واحد أو أكثر من المصارف الحكومية، بما في ذلك من خلال الإدراج في سوق الأسهم المحلية، مما يخفف القيود الحالية المفروضة على الملكية الأجنبية لغالبية الرهانات.
ويُعتبر تطوير قطاع الخدمات المالية بما يتماشى مع المعايير الدولية هدفاً رئيسياً لخطط الحكومة. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، ترأس عبد الرحمان راوية، وزير المالية، وفداً إلى لندن لدراسة مجالات التعاون المُحتَمل مع قطاع الخدمات المالية هناك. ومن بين القضايا التي نوقشت في الإجتماع التمويل الإسلامي والسندات السيادية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتكنولوجيا المالية.

أسس متينة للتمويل الإسلامي

في حين تمثل المصارف الخاصة فقط جزءاً صغيراً من القطاع المصرفي في البلاد، فإنها تقدم بالفعل منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
يعمل بنك البركة، المُسجّل في البحرين، في الجزائر منذ العام 1991، في حين تُقدم مجموعة “بي أن بي باريبا” (BNP Paribas) المصرفية الفرنسية خدمات متوافقة مع الشريعة الإسلامية منذ العام 2014. كما يقدم كلٌّ من مصرف السلام وترست بنك وبنك الخليج الجزائر خدمات متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وفي تموز (يوليو) أعلن بنك فرنسي آخر – شركة سوسيتيه جنرال – عن إستعداده لإطلاق منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية خلال النصف الثاني من العام، مُقدِّماً ودائع للمشاركة البنكية من دون أسعار فائدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى