المغرب يلعب بمرونة تكتيكية في قضية الصحراء ويجني فوائد

على الرغم من أن مسألة الصحراء الغربية تُعتبر قضية مُقدّسة بالنسبة إلى المغرب، فيبدو أن مقاربته الجديدة لهذه المسألة بمزيد من المرونة التكتيكية تُجني فوائد وتغير المسار كما يوضّح التحليل التالي:

المسيرة الخضراء: ذكراها أعاد قضية الصحراء الغربية إلى عناوين الإعلام المغربي

بقلم إنتصار فقير*

أصبح المجتمع الدولي والأطراف المعنية بقضية الصحراء الغربية مُرتاحَين على مر السنين لعدم وجود قرار في هذه المسألة الشائكة. إن المواقف الراسخة للمغرب من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى، فضلاً عن مخاوف كل طرف من قرارٍ غير مؤاتٍ، أجبرت جميع الجهات الفاعلة على قبول الوضع الراهن.
لقد شعر المجتمع الدولي بالتوتر إزاء دفع أيٍّ من الطرفين بشدة خوفاً من زعزعة إستقرار المنطقة. وفي مواجهة هذا المأزق، كان نهج المغرب أساساً هو مواصلة تقديم أفضل عرض له للأمم المتحدة ولشركائه الغربيين: توفير قدر أكبر من الإستقلال الذاتي للصحراء الغربية داخل الدولة المغربية، مع السعي في الوقت عينه إلى وضع جدول أعمال داخلي خاص به لتنمية المنطقة.
وهدفت الرباط أيضاً إلى معالجة هذه المسألة في سياق إفريقي. وفي حين كانت جبهة البوليساريو والجزائر تسيطران تاريخياً على السرد المتعلق بالقضية في إفريقيا، حيث كانتا تتمتعان بدعم كبير بالنسبة إلى قضية الصحراء الغربية، فإن إنخراط المغرب الأخير في إفريقيا، والذي تضمّن الإنضمام إلى الإتحاد الإفريقي في كانون الثاني (يناير) 2017، يهدف إلى تغيير هذا الواقع. إن مقاربة المغرب الجديدة مع أفريقيا بقودها ويسيّرها العديد من الأهداف السياسية والإقتصادية والأمنية، ولكن يبدو أيضاً أن الرباط تحاول تهميش قضية الصحراء الغربية من خلال تقديمها ضمنياً للشركاء الإفريقيين وعداً بتحسين العلاقات الإقتصادية والأمنية معهم بشكل كبير والذي من شأنه أن يُخفف ويُزيل تدريجاً الدعم والتعاطف اللذين كانت جبهة البوليساريو تتلقاهما على مر السنين.
إن قضية الصحراء الغربية، التي إحتلت مرة أخرى عناوين الأخبار المغربية أخيراً في مناسبة الذكرى السنوية للمسيرة الخضراء في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر)، التي وقعت منذ 42 عاماً، كانت مستعصية على الحل، مع سرد متنافس وأفكار مختلفة إختلافاً كبيراً عما ينبغي أن يبدو عليه الحل المُنصف. بالنسبة إلى المغرب، كانت المسألة مسألة إستعادة وضمان سلامة الإقليم. بالنسبة إلى جبهة البوليساريو كانت مشكلة إنهاء إستعمار غير مكتمل. أما بالنسبة إلى الجزائر فالأمر يتعلق بدعم حركة إستقلالية، بينما تتدخل أيضاً في سياسات المملكة وتقييد ما تعتبره نفوذ المغرب الإقليمي.
خلال تسعينات القرن الفائت وصولاً إلى هذا القرن، فشلت الجهود الجادة لحل القضية من خلال الأمم المتحدة. لقد رفضت الجزائر وجبهة البوليساريو إقتراحاً — يُعرَف ب”بيكر الاول”، الذي سُمي تيمناً بوزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بيكر الذي عمل مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية — لأنه يقترح الحكم الذاتي في ظل إستمرار السيادة المغربية. ومن جهته رفض المغرب قبول إقتراح ثانٍ يُعرف ب”بيكر الثاني”، لأنه تضمّن إستفتاء في نهاية المطاف يُمكن أن يؤدي إلى الإستقلال. والسبب الرئيسي لعدم التوصل إلى حلّ هو أن الحل الذي يُفضّله كل جانب هو غير مقبول من الجانب الآخر. في الأساس، توقع المغرب إجراء إستفتاءٍ حول الحكم الذاتي وحده، بينما أرادت جبهة البوليساريو والجزائر إجراء إستفتاء حول الحكم الذاتي أو الإستقلال. وبعبارة أخرى، يرفض المغرب أي قرار يمكن أن يقوّض سيادته على الإقليم. ومن جهتهما تطالب جبهة البوليساريو والجزائر بعمليةٍ تَترك السيادة المغربية غير مُحدَّدة.
وتطورت خيارات التوصل إلى حلّ إلى جانب قضية الصحراء الغربية نفسها. لقد حوّلت الأمم المتحدة توصيتها من إجراء إستفتاء إلى الدعوة إلى حل سياسي تفاوضي بين المغرب وجبهة البوليساريو. وقد إعترفت الأمم المتحدة صراحة بفكرة الحكم الذاتي المتقدم داخل المغرب، الذي يتوافق إلى حد كبير مع ما تقدمه الرباط منذ العام 2007، عندما قدّم الملك محمد السادس خطة لتحقيق اللامركزية في جميع المحافظات المغربية، بما في ذلك الصحراء الغربية. غير أن جبهة البوليساريو رفضت ذلك في الجولة الأخيرة من المفاوضات التي إنتهت في العام 2008. ولا يزال المأزق قائماً، حتى فيما الرئيس الإلماني السابق هورست كوهلر، الذي عُيّن في آب (أغسطس) الفائت مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، يبدأ إجتماعاته مع فريقي الصراع.

الرباط تختار المسار الإفريقي

مع عدم وجود عملية ذات مغزى حتى الآن، فإن المغرب يتطلع إلى الحصول على أرضية بشأن هذه المسألة في إفريقيا. ومن المفارقات أنه يقوم بذلك من طريق إسقاط قضية الصحراء الغربية إلى مركز ثانوي في علاقته مع الدول الإفريقية. تاريخياً، كانت علاقات المغرب مع العديد من الدول الإفريقية ضعيفة بسبب الدعم الإفريقي الواسع لجبهة البوليساريو. ومع ذلك يبدو أن المغرب يؤيد الآن نهجاً أكثر واقعية تجاه إفريقيا. وهذا يتناقض مع صرامته التاريخية بالنسبة إلى الصحراء الغربية، حيث وضع تأييد مُطالبته باالإقليم شرطاً مُسبقاً للعلاقات الإقتصادية والسياسية.
وقد يكون تكتيك الرباط مُشابهاً لكيفية مقاربته موضوع الصحراء الغربية مع شركائه في الغرب، حيث كثيراً ما وضع جانباً هذه المسألة في تعامله معهم. ومن خلال التعاون الإقتصادي والأمني المهم، أثبت المغرب أهميته وإكتسب على الأقل التأكيد الضمني بأن الشركاء الرئيسيين لن يتصرفوا ضد مصالحه في ما يتعلق بالصحراء الغربية.
وقد تم إختبار هذه التأكيد في مناسبات عدة. في العام 2013، على سبيل المثال، أيّدت الولايات المتحدة إضافة ولاية لحقوق الإنسان إلى بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، قبل التراجع عن هذا الإفتراح بسرعة. وجرى إختباره مرة أخرى في العام 2016، عندما صوتت محكمة العدل الأوروبية ضد مشروعية إتفاق زراعي بين الإتحاد الأوروبي والمغرب شمل الصحراء الغربية، وهو أمر محظور لأن وضع الإقليم موضع نزاع. لكن المغرب والاتحاد الأوروبي يتفاوضان الآن على طرقٍ للتحايل على الحكم. وفي حين أن هذه الأمثلة وما شابهها تعكس نجاح جهود الضغط التي بذلتها جبهة البوليساريو، إلّا أن الحقيقة هي أنها لم تصل إلى شيء يقوّض قوة علاقات المغرب مع شركائه الأوروبيين والإستفادة منها – وذلك نتيجة لتعاونٍ قيّم وطويل الأمد.
وهناك منطق مماثل يقود إنخراط المغرب في إفريقيا. عندما طُرحت مسألة عودة المغرب مرة أخرى إلى الإتحاد الإفريقي، كانت هناك تكهنات بأن عضويته ستكون مشروطة مُسبقاً بطرد منظمة الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية التي أعلنتها جبهة البوليساريو. ومع ذلك، عاد المغرب إلى المنظمة الإفريقية في نهاية المطاف رغم – وربما بسبب – وجود الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية في الإتحاد الأفريقي.
في حين أن وضع الصحراء الغربية لا يزال موضع خلاف، فإن الرباط تُشير فعلاً إلى أن هذا لا ينبغي أن يمنع التعاون القوي في مجالات أخرى. من وجهة نظر المغرب، يُمكن أن يساعد ذلك في نهاية المطاف قضيته بشأن الصحراء الغربية. لقد وضعت المملكة منذ سنوات الأساس لهذا التحوّل. ومنذ إنضمامها الى الإتحاد الإفريقي، أبرمت الرباط إتفاقات متعددة مع مختلف الدول الإفريقية في مجالات البنوك والعقارات والتعاون الزراعي وغيرها من المجالات. كما حسّنت العلاقات الثنائية مع دول مثل نيجيريا ورواندا، رغم أنهما تحتفظان بعلاقات ديبلوماسية مع الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية.
في الوقت نفسه، من خلال هذه الأنواع من التعاون إستطاع المغرب أن يكتسب مكانة أعلى بإعتباره لاعباً إقليمياً مهماً. ويتجلّى ذلك في دعمه لمبادرة مجموعة ال5 الفرنسية في منطقة الساحل، مما يثير الكثير من القلق لدى الجزائر. إن العلاقات السيئة بين الجزائر والمغرب لا تقتصر على قضية الصحراء الغربية، بل هي تتويج لتاريخ طويل من الشك والخوف وسوء الفهم والمنافسة والإختلافات الإيديولوجية التي لن تُحَل من خلال تسوية في الصحراء الغربية.
إن نهج المغرب له ميزة تكمن في عدم السماح لكي تصبح الصحراء الغربية السمة الأكثر تحديداً لعلاقاته مع القارة السمراء. ومن المرجح أن يفتح ذلك فرصاً إقتصادية مُهمّة ويعزز قيمة المغرب كلاعب إقليمي بين شركائه الأفارقة والغربيين، حيث يُرحِّب كثير منهم بالدور الأكبر الذي يسعى إلى لعبه في أفريقيا. وستكفل قدرته على ذلك أن يصبح حل مسألة الصحراء الغربية أقل إلحاحاً بكثير. ربما، بعد سنوات من المحاولات والفشل للحصول على الإعتراف الدولي بسيادته على الإقليم، فإن تحويل القضية إلى أنها لم تعد تشكل مشكلة، هو بالضبط ما يسعى إليه المغرب.

• إنتصار فقير هي رئيسة تحرير “صدى”. تتركّز خبرتها المهنية أساساً على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى شؤون الإصلاح السياسي، والدمقرطة، والتنمية الاجتماعية – الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى