ما هو مستقبل سعد الحريري؟

على الرغم من مرور أسبوع على إستقالة الرئيس سعد الحريري (أو إرغامه على الإستقالة)، فما زال الوضع ضبابياً بالنسبة إلى وضعه في المملكة العربية السعودية ومستقبله السياسي.

اللواء أشرف ريفي: هل يكون الزعيم المقبل الذي تدعمه السعودية؟

بقلم بلال صعب*

يحتاج الأمر إلى مستوى مُعيَّن من السذاجة السياسية أو العمى لمواصلة الإعتقاد بأن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إستقال في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري بمحض إرادته.
وحسب كل المعلومات التي ظهرت منذ وقوع هذا الحدث المذهل، فإن التفسير الأكثر إقناعاً هو أن الرياض أجبرت الحريري على الإستقالة كجزء من إستراتيجية سعودية أكثر عدوانية لمواجهة إيران في لبنان وعبر المنطقة. لقد سئم السعوديون من رئاسة سعد لحكومة يُديرها “حزب الله” بفعالية – وهو ما أدّى أيضاً إلى تعزيز الشرعية الدولية للمجموعة الشيعية ومنحها منصّة لمتابعة أجندتها الإقليمية المؤيدة لإيران.
لكن لا يزال هناك شيءٌ مُحيِّرٌ حول هذه القصة. إن حقيقةَ أن المملكة العربية السعودية، التي تخضع الآن لسيطرة ولي العهد الذي سيكون قريباً الملك محمد بن سلمان، أمرت سعد بالإنسحاب والإستقالة ليست بالضرورة صدمة، وذلك نظراً إلى علاقة الراعي – الوكيل القديمة التي تقوم بين البلدين (السعودية ولبنان). بدلاً من ذلك، كانت الطريقة التي إختارتها المملكة لكي تفعل ذلك هي المفاجئة والتي قد توفّر أدلّة على سياسة الرياض الجديدة تجاه لبنان.
لم يخجل السعوديون من إطلاق كلام شديد اللهجة في ما يتعلق بنواياهم الجديدة تجاه لبنان. فهم يعتبرون أن الحكومة في بيروت مُعادية ويُسيطر عليها الإيرانيون، وإنهم سيقاتلونها بشتى الطرق، بما في ذلك تشجيع الإسرائيليين على شن حرب ضد “حزب الله”، والتنسيق مع واشنطن بشأن فرض عقوبات مؤلمة عليه، وسحب الودائع السعودية من المصارف اللبنانية حتى لو أدّى ذلك إلى خراب سياسي وإنهيار إقتصادي في لبنان. وحقيقة أن الرياض طلبت من المواطنين السعوديين مغادرة لبنان فوراً ليست بالتأكيد مُطَمئنة.
الآن بعدما لم يعد سعد جزءاً من الحكومة اللبنانية، يُصبح السؤال المطروح: هل يرغب السعوديون تحقيق أهدافهم في البلاد معه أو من دونه؟ إذا كان الأمر الأول، فمن غير الواضح لماذا أصرّ السعوديون على إعلان سعد إستقالته من الرياض، وليس من بيروت. بعد كل شيء، كان بإمكانهم أن يأمروه بسهولة بالإستقالة من الحكومة مع السماح له بالعودة إلى بيروت لتبادل الخبر مع الشعب اللبناني وحلفائه، حتى يكونوا مستعدين بشكل أفضل لليوم التالي. بدلاً من ذلك، أذلّ السعوديون الحريري من خلال تعزيز التصوّر بأنه يتبع بشكل صارم وغير مشروط لأوامرهم، وليس له مجال للعمل المستقل في صلته مع الرياض (على عكس زعيم “حزب الله” حسن نصر الله، الذي يملك مجالاً واسعاً للمناورة في علاقته مع طهران) .
إن الشارع السني اللبناني لا يزال في المقام الأول مؤيداً للسعودية، نظراً إلى عدم وجود بدائل ذات مصداقية، إلا أن رؤيتهم لزعيمهم يُحتجَز وتتم معاملته كدمية أمام العالم أجمع ترك العديد من أنصار سعد غاضبين ومُرتَبكين. حتى منافسي سعد، بمن فيهم نصر الله، كانوا مُتعاطفين مع مأزقه، رافضين فكرة أن الحريري إستقال من تلقاء نفسه، وطالبوا السعوديين بالإفراج عنه فوراً.
وإذا كان هدف السعوديين هو تمكين سعد من التحوّل إلى المعارضة ورعايته في الإنتخابات البرلمانية اللبنانية المُقبلة (المقرر إجراؤها في أيار (مايو) 2018)، فقد يكونون قد أطلقوا النار على أقدامهم، وربما أحرقوه سياسياً بمعاملتهم المُهينة له. إن إستعمال القوة مع سعد علناً كان سيئاً بصرياً، والذي لن يُكسبه المزيد من المؤيدين بين أهل السنة وغيرهم الذين ليسوا تماماً تحت هيمنة الرياض، الذين خاب أملهم بسعد ويتشوّقون لزعيم أقوى. ومع ذلك، حتى لو غفر اللبنانيون السنّة ونسوا السلوك السعودي المرتفع المستوى غير المعهود، فإنهم، شأنهم شأن كل اللبنانيين، لن يدعموا سياسة العقاب الجماعي كوسيلة لإيذاء “حزب الله”، وهي خطوة مأخوذة من قواعد اللعبة الإسرائيلية.
ولكن ربما كانت إزالة سعد من المشهد السياسي اللبناني هي الخطة السعودية طوال الوقت. في الواقع، من الممكن تماماً أن الحريري هو أول ضحايا سياسة الرياض الجديدة في لبنان. إن عدم رؤية سعد مستعداً أو غير قادر على مواجهة “حزب الله” – على الأقل بالطريقة التي يريدونها على وجه التحديد – فإن السعوديين أزالوه من خلال إتهامه بالفساد (سعد هو مواطن لبناني – سعودي مزدوج، وما تبقى من عمله وأصوله المالية موجود في المملكة)، تماماً كما فعلت مع عشرات من الشخصيات السعودية البارزة والأثرياء الذين كانوا قد تحدّوا أو رفضوا الإستثمار في رؤية الأمير محمد بن سلمان للمملكة.
وهذا يعني أن السعوديين سيضطرون إلى إيجاد ودعم بديل لسعد (إذا لم يكونوا بدأوا بالفعل) الذي سيكون على إستعداد تام لتنفيذ إستراتيجية مواجهة مع “حزب الله”. ويمكنهم في هذا المجال إعادة إحياء علاقتهم القديمة مع رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، وهو أحد المقربين من الراحل رفيق الحريري (والد سعد، الذي من المرجح أن نظام الأسد و”حزب الله” قد إغتالاه في 2005) وصديق لواشنطن، الذي كان يُنظَر إليه تقليدياً على أنه أقل إستيعاباً وأكثر تشدداً تجاه “حزب الله”. لكن السنيورة كان خارج السياسة لبعض الوقت، ومن غير الواضح حجم الدعم الذي لا يزال لديه في الشارع السني، وربما الأهم من ذلك، ما إذا كان يريد الانضمام إلى السعوديين في مثل هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر. وهناك مرشح أكثر إحتمالاً هو أشرف ريفي، المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللبناني ووزير العدل الأسبق، الذي إنتقد قيادة سعد وإقترح موقفاً أكثر صرامة ضد “حزب الله”.
مهما كان القرار الذي ستتخذه المملكة العربية السعودية مع سعد الجريري، فإن مستقبله السياسي غير مؤكد تماماً. إذا قررت الرياض أن تعمل معه وتدعمه من جديد، فإنه سوف يُنظر اليه بشكل دائم كرهينة لمحمد بن سلمان والسياسة السعودية الأكثر عدوانية، والتي لا يُمكن إلّا أن تؤذي لبنان. وإذا همّشته، فيمكن أن ينتهي به الأمر إلى الإفلاس، وبالتالي من دون أي مكانة محلية مؤثرة. إن 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 سوف يدخل التاريخ على أنه اليوم الذي لم يتخلَّ فيه سعد الحريري عن مهامه كرئيس للوزراء فحسب، بل خسر أيضاً مسيرته السياسية، مما خلق فراغاً كبيراً وخطيراً في القيادة السنية في لبنان.

• بلال صعب هو زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى