هل تنحّى مسعود بارزاني أم عزّز نفوذه؟

تشكّل إستقالة مسعود بارزاني من رئاسة حكومة إقليم كردستان – العراق جزءاً من محاولة يقوم بها الحزبان الأساسيان للحفاظ على تأثيرهما في أجواء سياسية تزداد تقلّباً.

رئيس وزراء الإقليم نيجيرفان بارزاني: ورث صلاحيات واسعة من رئيس الإقليم المسقيل.

بقلم ميغان كونيلي*

في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أقدم رئيس إقليم كردستان – العراق، مسعود بارزاني، بموجب تشريع أقرّه برلمان الإقليم قبل بضعة أيام، على التنحّي، ونقلَ عدداً كبيراً من صلاحيات منصبه، بصورة مشتركة، إلى إبن شقيقه، رئيس الوزراء نيجيرفان بارزاني، ونائب رئيس الوزراء قباد طالباني، ورئاسة البرلمان، ومجلس القضاء. بدا للوهلة الأولى أن مشروع القانون يشكّل تنازلاً كبيراً يقدّمه الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني لإنهاء المأزق المحيط بإحتفاظه بمنصبه بطريقة غير قانونية، وطرحَ أيضاً إمكانية إجراء إصلاحات ديموقراطية. لكنه في الواقع كان الأمر محاولة من الحزب الديموقراطي الكردستاني للإبقاء على سيطرته على حكومة إقليم كردستان في أعقاب الإستفتاء على الإستقلال، كما أنه محاولة من الإتحاد الوطني الكردستاني للحفاظ على ما تبقّى من علاقته الطويلة المدى مع الحزب الديموقراطي الكردستاني والقائمة على تقاسم حصري للسلطة، في أجواء سياسية تزداد تقلّباً وإستقطاباً.
بعد 16 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، عندما بدأت الحكومة المركزية العراقية تُعيد فرض سلطتها الإتحادية على الأراضي المتنازَع عليها رداً على نتائج الإستفتاء على الإستقلال في إقليم كردستان، سجّلت الثقة بحكومة إقليم كردستان كمنظومة سياسية تراجعاً شديداً، وإزدادت الأصوات المُطالِبة بإستقالة الرئيس بارزاني، العقل المدبّر وراء الإستفتاء، الأمر الذي جعلها أكثر إلحاحية. إلى جانب دق إسفين بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، أدّى الإستفتاء إلى تعبئة المعارضة. فقد دعت حركة غوران أو التغيير – ثاني أكبر حزب سياسي في إقليم كردستان، والذي طُرِد من الحكومة في العام 2015 – إلى جانب حزبَي الجماعة الإسلامية في كردستان والتحالف من أجل الديموقراطية والعدالة، ومقرّهما السليمانية، إلى حل الحكومة وإنشاء”حكومة إنقاذ وطني” للحلول مكان ما يعتبرونه منظومة أوليغارشية تُعاني من إختلال وظيفي وتُحرِّكها المكاتب السياسية. لكن في 25 تشرين الأول (أكتوبر)، وافقت حركة التغيير على العودة إلى مجلس النواب بعد حصولها على ضمانات بأن إقتراحاً تشريعياً سيؤمّن مخرجاً لإستقالة الرئيس بارزاني وحلّ منصب الرئاسة.
في حين وافقت حركة التغيير على قرار بارزاني التنحّي من الرئاسة، فقد إعترضت على مضمون الإقتراح، وعلى العملية التشريعية التي كانت وراء صياغته، والتي زعمت الحركة أنها إكتفت بتعليب مرسوم مشترك صادر عن الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، وتقديمه على أنه قانون ليوافق عليه مجلس النواب بمفعول رجعي. وُضِع نص الإقتراح خلال إجتماع بين المكتبَين السياسيين التابعَين للحزب الديموقراطي الكردستاتي والاتحاد الوطني الكردستاني، بمشاركة الاتحاد الإسلامي. في حين ينص مشروع القانون الجديد على نقل صلاحيات الرئيس المنصوص عليها في قانون الرئاسة للعام 2005 الذي منح رئيس إقليم كردستان سلطات تنفيذية واسعة، فإنه سوف يبقى نافذ المفعول فقط حتى الجولة المقبلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان من المقرر إجراؤها في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، لكنها أُرجِئت في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) بموجب إجراء صادر عن البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، وذلك لمدّة ثمانية أشهر. وينص مشروع القانون على أنه بانتظار إجراء الإنتخابات: “لا يجوز صدور أي قانون أو قرار يتعارض مع هذا القانون”، ما يحول دون إدخال أي تعديلات على قانون 2005 أقلّه حتى حزيران (يونيو) 2018. وخلال الجلسة البرلمانية في 29 تشرين الأول (أكتوبر)، أثارت هذه البنود إعتراضات من نوّاب حركة التغيير الذين ألحّوا دائماً على المطالبة بإبطال قانون الرئاسة، وكانوا يريدون أن تتم الانتخابات في موعدها، أي في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر). وقد تعامل نواب الحزب الديموقراطي الكردستاني والصحافة التابعة له بعنفٍ مع الاحتجاجات من وفدَي حركة التغيير والجماعة الإسلامية في كردستان، واللذين طالبا بالتوسع أكثر في مناقشة مشروع القانون قبل التصويت عليه. وفي وقت لاحق من ذلك المساء، إقتحم أنصار الحزب الديموقراطي الكردستاني قاعة البرلمان، وتهجّموا على الصحافيين وهدّدوا نوّاب المعارضة، في حين أقدمت حشود في دهوك وزاخو على حرق مكاتب حركة التغيير والإتحاد الوطني الكردستاني.
بموجب القانون الجديد، سوف يتولّى نيجيرفان بارزاني، من موقعه كرئيس للوزراء، الجزء الأكبر من السلطات الرئاسية، بما في ذلك سلطة تمثيل إقليم كردستان على المستوى الاتحادي وفي الخارج. لكن، وإنطلاقاً من روحية الإتفاقات السابقة لتقاسم السلطة بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، سوف يتشارك رئيس الوزراء مع نائبه قباد طالباني من الإتحاد الوطني الكردستاني، سلطات حل مجلس النواب، وإعلان حال الطوارئ، وممارسة صلاحيات تشريعية في الحالات الطارئة. إذاً، إلى جانب إحتفاظ آل بارزاني بالسيطرة على المؤسسات القانونية في إقليم كردستان، يستطيع الاتحاد الوطني الكردستاني أن يضع يده أيضاً على تفويض رئاسي معزّز.
يفوّض القانون أيضاً سلطة فرض فيتو على التشريعات التي يقرّها البرلمان بكامل بنودها أو جزء منها، إلى “رئاسة” مجلس النواب – وليس إلى “رئيس” مجلس النواب، وهو تفصيل لافت يستحق التوقف عنده. فإستخدام مصطلح “الرئاسة” بدلاً من “الرئيس” يؤشّر إلى أن النُخب التي وضعت نص القانون في الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، تريد تفويض هذه الصلاحيات، بصورة مشتركة، إلى سكرتيرة المجلس بيكرد طالباني من الاتحاد الوطني الكردستاني ونائب رئيس المجلس جعفر إيمينكي – وهو عضو في الحزب الديموقراطي الكردستاني تسلّمَ مسؤوليات رئيس المجلس في غياب رئيس مجلس النواب يوسف محمد من حركة التغيير، والذي مُنِع من دخول العاصمة إربيل منذ قام بارزاني بحل البرلمان بالقوة في العام 2015. بناءً عليه، يلتفّ نص القانون على مسألة إعادة قبول يوسف محمد في البرلمان، والتي قاومها الحزب الديموقراطي الكردستاني بشدّة. علاوةً على ذلك، سوف يتمكّن مجلس القضاء في إقليم كردستان، الذي يتألف في شكل أساسي من موالين للحزب الديموقراطي الكردستاني يتولون أيضاً قيادته، إلى جانب الاحتفاظ ببعض المقاعد لأعضاء من الاتحاد الوطني الكردستاني – سوف يتمكّن إذاً من تعيين قضاة ومدّعين عامين.
بيد أن نص القانون الجديد لا يفرض إستقالة نائب الرئيس كوسرت رسول المنتمي إلى الإتحاد الوطني الكردستاني، والذي إنتهت ولايته في العام 2015. علاوةً على ذلك، لا ينص على تفويض المهام التي يضطلع بها الرئيس بصفته القائد العام لقوات البشمركة، أو سلطاته الإشرافية على مجلس أمن إقليم كردستان. يبدو أن هذا المجلس هو محط تسوية بين رئيس الوزراء نيجيرفان بارزاني ورئيسه، مسرور بارزاني، نجل الرئيس السابق مسعود بارزاني، والذي لن يقبل على الأرجح بأن يمارس نيجيرفان سلطة على وحداته شبه العسكرية. من الممكن أن المجلس الاستشاري لمسعود بارزاني، الذي ينص القانون على “استمراره في الاضطلاع بواجباته ومسؤولياته” سيحتفظ بهذه السلطات. علاوةً على ذلك، يبقى مسعود بارزاني رئيس المكتب السياسي في الحزب الديموقراطي الكردستاني، وسوف يستمر بالتالي مصدراً للسلطة السياسية والعسكرية بحكم الأمر الواقع داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حزبه في إقليم كردستان.
كذلك سيحتفظ مسعود بارزاني على موقعه كرئيس للمجلس السياسي الأعلى. وهذا المجلس هو “الإئتلاف الكبير” الذي حلّ مكان مجلس الإستفتاء الأعلى، أي الهيئة التي أُنشئت لتنظيم الاستفتاء على الاستقلال في إقليم كردستان. يتألف المجلس السياسي الأعلى في شكل أساسي من أعضاء من الحزب الديموقراطي الكردستاني، فضلاً عن عدد قليل من المسؤولين التنفيذيين في الاتحاد الوطني الكردستاني المقرّبين من الحزب الديموقراطي الكردستاني، على غرار ملا بختيار وكوسرت رسول. ولا يخضع المجلس للمساءلة أمام البرلمان أو أي مؤسسة قانونية، لكنه أعلن أنه “سيصون إستقرار كردستان من أي نوع من التهديد”، وأنه سيمثّل إقليم كردستان في بغداد وأمام المجتمع الدولي. إذاً سيبقى بارزاني رئيساً لحكومة موازية يمكنها أن تتصرّف بطريقة مستقلة عن المؤسسات القائمة بصورة قانونية في الإقليم. غير أن رئيس الوزراء ونائبه يتمتعان بأفضلية الحصول على الاعتراف من المجتمع الدولي بأنهما الرئيسان الشرعيان للحكومة، بما في ذلك الاعتراف من الولايات المتحدة التي شكّلت المصدر الأساسي لسلطة الرئيس بارزاني وشرعيته في الأعوام الثلاثة الماضية بدلاً من ثقة الناخبين.
فيما يتنحّى بارزاني من منصب الرئيس، سوف تستمر سلطة المكتبَين السياسيين التابعين للحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في حجب المؤسسات الديموقراطية في إقليم كردستان والتعتيم عليها. لكن، وبغض النظر عن المشاركة المستمرة من الحزبَين في الحكومة والبرلمان والمجلس السياسي الأعلى، تسبّبت إعادة تأكيد سيطرة الحكومة الاتحادية العراقية على النقاط الحدودية والمطارات والأراضي المتنازَع عليها الغنية بالنفط، بإضعاف إقليم كردستان الذي خسر مصادر إيراداته – ولذلك تراجعت المحفزات التي تشجّع الأفرقاء الأكراد على التعاون في ما بينهم. لقد ساهمت تداعيات الاستفتاء في تمكين الفصائل المتشددة داخل المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، والتي استخدمت المغامرة الفاشلة التي قام بها الحزب الديموقراطي الكردستاني ذريعةً من أجل تطهير إربيل من تأثير الحزب الديموقراطي الكردستاني. وقد كشفت إستقالة الرئيس النقاب عن خطوط تصدّع مماثلة داخل الحزب الديموقراطي الكرستاني نفسه. ويستفيد رئيس الوزراء نيجيرفان بارزاني أكبر فائدة من نقل السلطات الرئاسية. لكن على الرغم من إحتفاظه بعلاقات ودّية مع المعتدلين في الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن تمتّعه بالخبرة الديبلوماسية التي تتيح له ضبط الأضرار التي ألحقها الاستفتاء بالعلاقات مع الولايات المتحدة وإيران وتركيا، إلّا أنه يصطدم بموقف مسعود ومسرور بارزاني الذي يزداد صقورية من علاقة حزبه مع الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد تسبّب اللجوء إلى الخطاب الاستفزازي، بما في ذلك الاتهامات بأن القوى الأمنية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني إرتكبت”خيانة” عندما إنسحبت من كركوك، وإندلاع أعمال عنف على أيدي أنصار الحزب الديموقراطي الكردستاني إبان نقل السلطات التنفيذية لمسعود بارزاني، بإحتدام التشنجات بين الحزبَين. وهذا سيؤدّي إلى مزيد من الاستقطاب في صفوف المعتدلين، وإلى منح زخم إضافي للمتشدّدين – ما يزجّ بنيجيرفان بارزاني في موقف صعب حيث يجد نفسه مضطراً إلى إطفاء النيران التي يشعلها عمّه ونجله.
لكن في حين أن النُخب المعتدلة في الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تحاول الحفاظ على الروابط في ما بينها، فسوف تستمر المعارضة في النظر إلى هذه الشراكة الحصرية بأنها مصدر لإخفاق الحكم في إقليم كردستان. لقد رفضت حركة التغيير، بحجّة أعمال العنف التي شهدها البرلمان في 29 تشرين الأول (أكتوبر)، الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء إلى وزراء الحركة ونوّابها للعودة إلى الحكومة، وجدّدت دعواتها لحل حكومة إقليم كردستان وإنشاء حكومة مؤقتة من أجل الإشراف على الانتقال إلى ديموقراطية برلمانية. لكن في حين أن حركة التغيير تتمتع بالقدرة على التعبئة لتنظيم إضرابات وتظاهرات حاشدة، فلا يمكنها التنافس مع قدرة الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على المساومة من طريق اللجوء إلى القوة. لذلك، قد تُضطر حركة التغيير وسواها من الأحزاب المعارضة التي تتخذ من السليمانية مقراً لها، إلى الاصطفاف إلى جانب سماسرة أكثر نفوذاً في الاتحاد الوطني الكردستاني من أجل إستعادة التأثير السياسي – الأمر الذي من شأنه أن يقضي على هدفها المتمثل في بناء ديموقراطية برلمانية مستقلة عن تأثير المكاتب السياسية.
الواقع أن إستقالة بارزاني وإنتقال السلطة التنفيذية من الرئاسة إلى المؤسسات السياسية الأخرى في إقليم كردستان لا يُشكّلان تغييراً جوهرياً في حكم الإقليم. بل إنها محاولة من المعتدلين في الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لإنقاذ ما تبقّى من علاقة تقاسم السلطة التي تعود بالمنفعة على الحزبَين معاً. غير أن الاستفتاء على الاستقلال أفضى إلى تغيير المشهد السياسي، فدفعَ بالخصومات المستترة منذ وقت طويل إلى الواجهة، وحوّل حكومة إقليم كردستان من منظومةٍ لتوازن القوى قابلة للتوقّع، ومستقرة نسبياً، وثنائية القطب، إلى منظومة غير قابلة للتوقع وغير مستقرة ومتعددة الأقطاب، حيث يسود الانقسام بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، وداخل صفوفهما.

• ميغان كونيلي طالبة دكتوراه في القانون في جامعة ولاية نيويورك في بوفالو. لمتابعتها عبر تويتر: meganconnelly48@
• عُرّب هذا الموضوع من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى