وسط عملية التطهير السعودية، المرأة في المملكة تواجه إختبار العمر

فيما تشهد المملكة العربية السعودية تغيّراً كبيراً وحملة كبيرة ضد الفساد التي أدت إلى إلقاء القبض على أكثر من 200 أمير ووزير ورجل أعمال … فإن المرأة هناك تُدرك تماماً أن ثقل التاريخ هو الآن على أكتافها.

المرأة السعودية: صارت في مجلس الشورى

الرياض – إليزابيث ديكنسون*

مساء الأحد الواقع في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تجمّع أصدقاء أمل الهزّاني في فندق مُخصَّصٍ للسيدات فقط في الرياض للإحتفال بقرار الملك السعودي الذي يسمح للمرأة بقيادة السيارة في منتصف العام المقبل. علماً أنه قد مرّ ما يقرب من الشهر على هذا الإعلان، كما أن هذا الإحتفال لم يكن الأول لهنّ به – “ربما رقم 15″، على حدّ قولها.
وتشهد الهزّاني، أستاذة الكيمياء الحيوية في جامعة الملك سعود، وترى هذا النوع من الإبتهاج اليومي المستمر. لا تزال زميلاتها يجلبن لها الكعك إلى مكتبها المخصص للإناث فقط لتهنئة بعضهن البعض. وجاءت إحدى طالباتها أخيراً إلى الصف وهي ترتدي قميصاً كُتب عليه ببساطة: “سوف أقود السيارة”.
“ما زلنا نعيش فى هذا الشعور الذي ما زال ساخناً”، تقول الهزّاني. مضيفةً: “أعتقد ان هذه هي البداية – ليست النهاية، وليست الوسط – بل بداية المزيد من الحقوق للمرأة”.
في الأشهر القليلة الماضية، شهدت المملكة العربية السعودية ثورة إجتماعية وسياسية وإقتصادية تسير بسرعة لا مثيل لها في العصر الحديث.
بالإضافة إلى دعم الإصلاحات التي تسمح للنساء بالوصول إلى الخدمات الحكومية من دون إذن ولي الأمر وحتى دخول الساحات الرياضية، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صندوقاً سيادياً للثروة جديداً، وأعاد تشكيل التسلسل الهرمي للحكومة، وإقترح مشاريع ضخمة بقيمة مليارات الدولارات.
ولتمهيد الطريق لهذه التغييرات، قام ولي العهد بسلسلة من عمليات القمع الواسعة النطاق داخل المملكة. وإستهدفت الجولة الأولى خصوم الإصلاح الإيديولوجيين، بمن فيهم المحافظون ورجال الدين الناشطون في وسائل الإعلام الاجتماعية، والمُعارِضة بصراحة لحقوق المرأة، فضلاً عن الشخصيات العامة التي إنتقدت خططه للإصلاح الإقتصادي والسياسة الخارجية. وفى حملة ثانية فى نهاية الأسبوع الماضي (4 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري)، إعتقلت هيئة مكافحة الفساد، التي يترأسها محمد بن سلمان، وزراء حاليين وسابقين وأمراء ورجال أعمال، مما عبّد الطريق أمامه سياسياً لتشكيل الإدارة التي تتطلبها خططه. وقد إتُّهم المعتَقَلون بإرتكاب جرائم مثل الإختلاس والإحتيال، وتوظيف موظفين أشباح أو تفضيل العلاقات التجارية الشخصية في العقود الحكومية، على سبيل المثال.
وفي حين أن هذه الخطوات تُمهّد الطريق لطائفة واسعة من الإصلاحات، فقد شهدت المرأة حتى الآن أكثر الفوائد الملموسة. فبفضل هذا العدد الكبير من الحقوق التي مُنِحت لها بهذه السرعة – وعلى حساب الكثير من رأس المال السياسي والإجتماعي – فقد وصفت نحو 12 امرأة سعودية لحظة هشّة تقلقهن حيث يشعرن بأنه يجب عليهن التنفيذ أو يشاهدن حقوقهن تتراجع بفعل الضغط الاجتماعي.
تقول سمية فطاني، وهي مستشارة وباحثة سابقة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية: “ينبغي أن تُثبت نفسك الآن أو لن تستطيع أبداً”. وأضافت: “إنها مسؤولية إجتماعية كبيرة”.

ثورة بطيئة

على مدى نصف القرن الماضي، كان مكان النساء في السعودية هو المنزل، غير قادرات على العمل إلّا في عدد قليل من المهن. ولم يكن بإمكان المرأة أن تقود السيارة أو تخرج في الأماكن العامة من دون ولي أمر. وقد فرضت الشرطة الدينية هذه القواعد ولكن أيضاً قام العديد من الأسر بتدريس بناتها نظاماً إجتماعياً صارماً.
وقالت فطاني: “الطاعة كانت موضوع تسعينات القرن الفائت والعقد الأول من القرن الحالي. كانت شيئاً كنت تأخذه معك عند السفر، شيء تفعله عندما كنت تتزوج، شيء تتحدث عنه مع أصدقائك”.
التغيير الإجتماعي تحرّك ببطء شديد بحيث كان من الصعب أحياناً القول متى إنتهى أو بدأ. بيد أن الإصلاحات التي تجذّرت كانت تعمل بطريقة أفضل عندما كانت غير مرئية. فالتعليم الذي تموّله الدولة والذي بدأ في ستينات القرن الفائت، على سبيل المثال، لم يكن إلزامياً أبداً؛ ولم تُجبر السلطات السعودية العائلات على إرسال بناتها إلى المدرسة. ولكن مع بناء المدارس النسائية وتوسيعها في سبعينات وثمانينات القرن الفائت، إزداد عدد الأسر التي تُعلّم بناتها. وإرتفعت نسبة محو الأمية لدى الإناث من 2 في المئة في العام 1970 إلى 91 في المئة في العام 2015. وتبع ذلك جامعات للنساء فقط؛ في العام 2014، كان 57 في المئة من خريجي الجامعات السعودية من الإناث.
قبل أقل من عشر سنين، أطلق الملك السابق الراحل عبد الله بن عبد العزيز سلسلة من التغييرات التي بدأت في مراجعة القواعد: سامحاً للمرأة بممارسة مهنة المحاماة وتولّي وظائف البيع بالتجزئة وتعيينها في مجلس الشورى الإستشاري ومجلس الوزراء. ولكن منذ صعوده إلى السلطة، قام الأمير محمد بن سلمان بتغيير في اللهجة ووتيرة التغيير على السواء. وتهدف خطة الإصلاح الاقتصادي للمملكة، المعروفة ب”رؤية 2030″، إلى زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 22 في المئة إلى 30 في المئة.
تقول أمل الشامان، وهي من أوائل النساء المُعَيَّنات في مجلس الشورى: “عندما تقرأ الرؤية، ترى أن الأمر يتعلق بمشاركة المرأة، والمزيد من التكامل، والمزيد من فرص العمل للمرأة”. مضيفةً أنه “قبل القيام بكل هذه الأمور، هناك العديد من الخطوات التي يجب إتخاذها”.
وكانت قيادة السيارة هي العقبة الأكثر وضوحاً لرؤية النساء العاملات. وقالت نورا، 26 عاماً، وهي طالبة ماجستير في مجال الطب النفسي، خلال إستراحة من الدراسة في مقهى الرياض: “هذه هي المشكلة الرئيسية بالنسبة إلينا. لدينا هذه العوائق للذهاب إلى أماكن عملنا أو المدرسة، أو أينما كان – حتى المستشفى”.
وقالت نورا إنها سوف تتعلم كيفية قيادة السيارة، ولكن القانون، على حد قولها، ليس سوى نصف القصة. “أرى [التحدي الأكبر] ليس في تعليم النساء كيفية قيادة السيارة، ولكن في تحسين (العقليات) في مجتمعنا وفي الأسرة. إنهم بحاجة الى قبول رؤية إمرأة تقود السيارة في الشارع”.

من أعلى إلى أسفل مقابل من أسفل إلى أعلى

إن دور المرأة المُتغيّر في المملكة العربية السعودية تقوده الآن عملية من أعلى إلى أسفل، مُنبَثقة من الحكومة كنوع من هدية تمنحها للسكان. وقالت الهزّاني، وهي أيضاً كاتبة عمود في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية: “إن مفتاح التغيير هو أنه يأتي من المستوى الأعلى. هذه هي قرارات سياسية، وهذا ما يجعلها قوية”.
ويعتقد بعض المحللين بأن عمليات القمع، ولا سيما ضد رجال الدين المحافظين، كانت تهدف جزئياً إلى إعطاء الإصلاحات الإجتماعية المجال لتجذرها. وعلى هذا الأساس، كانت الاستراتيجية التي تعود إلى نيسان (إبريل) 2016، عندما قام الملك سلمان بتجريد الشرطة الدينية، التي تُخشى منذ وقت طويل، من قدرتها على الإعتقال. “هذا تغيير كبير جداً لأنه لامَسَ أقوى الرجال في السعودية”، قالت الهزاني. مضيفةً: “إنها المرة الاولى في التاريخ السعودي التي تجرّأ فيها أحد على ملامسة هذه الزاوية”.
مع ذلك، ونظراً إلى أن الإصلاحات الاجتماعية ليست مدفوعة بجهود شعبية، فإن أكبر عبء لإقناع المجتمع سيقع على عاتق النساء أنفسهن.
ومن المرجح أن يساعد الإقتصاد على الفوز على بعض المُشكِّكين. وبما أن المزيد من النساء بدأن العمل قبل نصف عقد من الزمن، فقد أدركت الأُسَر بسرعة فائدة العائلة المعيشية ذات الدخلين – التي في بعض الأحيان تكون ضرورية. وقد تحوّلت سوق الزواج من تفضيل زوجة تُفضِّل البقاء في المنزل إلى عروس تعمل براتب.
وللمرة الأولى، بدأت الوزارات السعودية تعمل بنشاط على تعزيز وتسويق المنفعة الإقتصادية لعمل المرأة، بدلاً من الرقص في حذر حول المخاوف الإجتماعية. إن زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، كتبت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية في أحدث تقرير لها عن السوق، “أمر ضروري لأمة شابة ومتنامية بسرعة لتحقيق النجاح الإقتصادي المستدام”.
ولكن في جميع التغييرات تقريباً حتى الآن، تَرَكَت السياسات الباب مفتوحاً الذي يُمكن للمحافظين من خلاله الحفاظ على الوضع الراهن. في حزيران (يونيو) 2018، سوف تكون المرأة قادرة قانوناً على قيادة السيارة، ولكن االذكور الأوصياء الأكثر حذراً من المرجح أن لا يأخذوا بناتهم أو زوجاتهم لتعلم قيادة السيارة. وقد تكون الشركات جاهزة للتوظيف، ولكن الأسر قد ترفض رؤية الأقارب من الإناث في بيئة مختلطة بين الجنسين.
تقول إحدى مستشارات الإدارة السعودية التي رفضت الكشف عن إسمها بسبب سرية العميل: “عندما تحدَّثتُ إلى الشركات كمستشارة، فإن أحد أكبر العوائق التي ذكرتها بالنسبة إلى توظيف النساء هي أسرهن. هذه القوانين هي الخطوة الأولى في ضمان حقوق المرأة والمساواة مع الرجل أمام القانون، ولكن بعد ذلك فإن المعايير الاجتماعية في نهاية المطاف تلعب دوراً كبيراً حقاً، وأنها لا تتغير عندما تتغير القوانين”.
ومما يضاعف من التحديات التي تواجه الجيل المقبل من النساء السعوديات هو الهيكل الداعم الذي يكاد يكون غير موجود.
ولا توجد في كثير من أماكن العمل حالياً ترتيبات عمل مرنة أصبحت شائعة بشكل متزايد في أوروبا وأجزاء من الولايات المتحدة لإستيعاب الأهل.
“إن المجتمع لا يقبل ان تتخلّى المرأة عن أولادها وتعمل، لذا يجب ان يكون هناك توازن بين عملها ومهنتها، وهذه المرونة في العمل هي من صلب تصميم السياسات”، على حد قول فطاني.

ضع يديك على عجلة القيادة

من الآن وحتى حزيران (يونيو) المقبل، عندما يحين موعد السماح للنساء بقيادة السيارة، فإن المملكة تستعد وتُحضّر كلاً من السياسة والمجتمع. في الشعر الفائت، إفتتحت أرفع كلية نسائية في الرياض، جامعة الأميرة نورة، أول مدرسة لتعليم قيادة السيارات للنساء. وستُدَرِّب السائقات في الحرم الجامعي الذي يقع على طول الطريق من مطار الرياض إلى وسط المدينة. بعض النساء السعوديات يعرفن بالفعل كيفية القيادة من الدراسة في الخارج أو السفر. وسيتعيّن على السلطات أن تقرر ما إذا كان التدريب على القيادة في الخارج مُعترَفاً به وكيفية أن يكون ذلك.
وتعتزم الشركات التي تعمل في مجال السيارات مثل “كريم” التي تتخذ من دبي مقراً لها، تخطيط محفزات توظيف رئيسية لجذب السائقات. وفي الوقت نفسه، أفادت التقارير بأن “أوبر” (Uber) دفعت بشدة لإصدار قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، بعد أن حقق صندوق الثروة السيادي السعودي إستثمارا بقيمة 3.5 مليارات دولار في الشركة.
ليس كل النساء، أو حتى غالبيتهن، سوف يقدن السيارة على الفور. سوف ينتظر البعض ليرى كيف تتكشف الإصلاحات. أُخريات، مثل الهزاني، يهدفن إلى أن يكنّ في الشوارع في اليوم الأول الذي يُسمح لهن بذلك، للإثبات لأنفسهن كما لأي شخص أنهن إستحقين ذلك.
وقد شرحت هَيَا، وهي أمٌّ ومُدرِّسة، ما سيعنيه ذلك لها بعد عقود من العمل في حين كانت تُربّي وترعى إبنتها التي باتت الآن في سن الدراسة الجامعية. وفي طريقها نحو إحدى سيارات الأجرة في الرياض، قامت بالتلويح في الهواء بيديها للإشارة إلى التحوّل: “لستُ بحاجة إلى الإعتماد على أي شخص”، قالت. مضيفةً: “هذا هو الوضع الآن. إذا كنتُ بحاجة إلى الذهاب، فأنا أذهب من دون سؤال أحد”.

• إليزابيث ديكنسون صحافية مقيمة في الخليج.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى