المملكة العربية السعودية على مُفترَق طرق

بقلم راغب الشيباني

إن قرار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله، النجل المُفضَّل للملك الراحل عبد الله، يهدف إلى إزالة منافس قوي مُحتمَل لإبنه المفضل، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. إن إطاحة مُتعِب هي أهم جزء من موجة الإعتقالات الواسعة النطاق التي شهدنها المملكة أخيراً والتي توحي بأن هناك معارضة عميقة لطموحات الأمير الشاب.
كان الحرس الوطني السعودي أُنشىء على يد الملك عبد الله في خمسينات وستينات القرن الفائت. وكان مركز القوة لجناح عبد الله الأُسَري وقبيلة شمّر لأكثر من نصف قرن. وقد صُمِّم الحرس الوطني في الأصل ليكون قوة إنقلاب مضادة للدفاع عن العائلة المالكة من المؤامرات الثورية في الجيش النظامي. وينتشر في العاصمة والمدن المقدسة وكذلك على طول الحدود. وكان لاعباً حاسماً في عملية التخلّي القسري للملك سعود في 1964 الذي جلب الملك فيصل للعرش، وتحمّل وطأة القتال من أجل إستعادة المسجد الحرام في مكة من المتطرفين الدينيين في العام 1979.
كما شارك الحرس الوطني في الدفاع عن المملكة من العراق في العام 1990 وتحرير الكويت. وفي العام 2011، تم إرساله عبر جسر الملك فهد إلى البحرين لتأمين بقاء الأسرة الحاكمة السنية ضد المتظاهرين من الغالبية الشيعية. ولا يزال الحرس الوطني في الجزيرة.
تجدر الإشارة الى أن الحرس الوطني المُكوَّن من 100 الف رجل مستقل عن القوات البرية الملكية السعودية، أي جيش المملكة الذى يضم اكثر من 200 الف جندي وحوالى ألف دبابة. والأمير محمد، وهو أيضاً وزير الدفاع، هو القائد المدني للقوات البرية الملكية السعودية. وتقليدياً، تم نشرهذه القوات على حدود المملكة للدفاع عن البلاد من الأعداء الأجانب ولنشر النفوذ في الجوار. في العام 1991، شاركت في معركة الخفجي، صد العراقيين، ثم في تحرير الكويت.
من ناحية أخرى، شاركت القوات البرية الملكية السعودية في الإشتباكات الحدودية مع المتمردين الحوثيين في اليمن في 2009-2010. ولم يكن أداء السعوديين جيداً في الإشتباكات حيث أُلحقت بهم خسائر كبيرة. وبالتالي فقد عزّز الحوثيون سيطرتهم تدريجاً على المنطقة الحدودية وشمال اليمن.
الجيشان مُكلفان جداً. ولا يوجد توزيع رسمي للإنفاق الدفاعي حسب القوات العسكرية، ولكن غالبية الأفراد العسكريين هم في القوات البرية الملكية السعودية والحرس الوطني. وكلاهما مُجَهّز تجهيزاً جيداً. ويُنهي الحرس الوطني حالياً شراء 24 طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي تم عقد صفقتها مع الولايات المتحدة في العام 2010، على سبيل المثال، مما سيزيد من قوة النيران التي في حوزته.
وقد بلغ الإنفاق السعودي على الدفاع 87 مليار دولار في العام 2015، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام. وهذا هو ثالث أعلى مستوى من الإنفاق العسكري في العالم وأكبر من أيٍّ من شركاء أميركا في حلف شمال الأطلسي أو روسيا. ويبلغ نصيب الفرد من الإنفاق 6,900 دولار في السنة، وهو مبلغ هائل لأمة يبلغ عدد سكانها السعوديين 20 مليوناً فقط.
وشكّل الأمير مُتعب والحرس الوطني مركزاً مُحتمَلاً للسلطة البديلة لولي العهد. لذا من خلال إقالة إبن عبد الله، فإن الملك وولي العهد عززا السلطة أكثر في أيديهما. وفي وقت سابق، طردا ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، الذي كان أيضاً وزيراً للداخلية، الذراع الثالثة لجهاز الأمن الوطني في المملكة.
إن التصميم على توطيد السلطة في يد ولي العهد يوحي بالطموح والقلق. إن الأمير الشاب هو رجل في عجلة من امره مع رؤية واسعة لتحويل بلده. في الشهر الماضي، أعلن عن خطط لبناء مدينة جديدة في شمال غرب المملكة، وتُسمى “نيوم”، وتُموَّل بواسطة إستثمار يبلغ 500 مليار دولار. إن رؤيته السعودية 2030 هي البرنامج الأكثر توسعاً للتغيير في تاريخ البلاد.
ولكن الأمير محمد بن سلمان يُدرك أيضاً أن صعوده إلى السلطة قد نفّر الكثيرين في العائلة المالكة الذين تم تهميشهم. فإن الإطاحة القسرية بالأمير محمد بن نايف تمت من دون إحترام أو تكريم لسنوات طويلة من الخدمة العالية التي قدمها للمملكة في مكافحة الإرهاب. ومنذ عزله، لم يُرَ نايف علناً أو تحدّث عن سبب فصله.
ويشير المراقبون العارفون بالسياسة الداخلية السعودية إلى الإعتقالات الكثيرة التي لحقت برجال الدين والمفكرين البارزين هذا الصيف كعلامة على التوترات داخل المملكة. وليس هناك ما يضمن إذا مات والد محمد بن سلمان أو تنازل عن العرش أن الخلافة ستكون سلسة. إن الجولة الأخيرة من الإعتقالات تُعزّز فقط الإحساس بأن مناقشة الخلافة هي أصعب مما يريد الملك وإبنه. إن ولي العهد هو الآن مسؤول عن فرقة عمل لمكافحة الفساد تبدو وكأنها وسيلة لمعاقبة خصومه أكثر من أي شيء آخر. وقد تمّ إحتجاز أحد عشر أميراً، وعدد من رجال الأعمال النافذين للإشتباه بفسادهم بشكل غير مسبوق.
الواقع أن المملكة تقف عند مفترق طرق: فقد تباطأ إقتصادها مع إنخفاض أسعار النفط؛ والحرب في اليمن تحوّلت إلى مستنقع؛ وحصار قطر قد فشل؛ والنفوذ الإيراني متفشٍّ في لبنان وسوريا والعراق؛ والخلافة عليها وحولها علامة إستفهام. إنها الفترة الأكثر تقلباً في التاريخ السعودي منذ أكثر من نصف قرن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى