ماذا ينتظر لبنان بعد إستقالة سعد الحريري؟

بعد عاصفة إستقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري من السعودية، كثرت التحليلات حول ما مصير لبنان الأمني والسياسي والاقتصادي، كما أخذ المراقبون يتساءلون عن السبب ومستقبل بلد الأرز.

الرئيس ميشال عون: هل يختار تأليف حكومة تكنوقراطية بعد إستقالة الحريري؟

بقلم جو معكرون*

بالنسبة إلى أولئك الذين يؤمنون بالجاذبية المُظلِمة لنظريات المؤامرة العربية، فإن 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 كان يوماً مثالياً. في غضون ساعات قليلة، كانت الرياض نقطة إلتقاءٍ لثلاثة تطورات مهمة. أحدها أن رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري أعلن إستقالته منها. والثاني هو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إنقضّ على منافسيه في الأسرة الحاكمة. والثالث هو أن صاروخ باليستي بعيد المدى إستهدف العاصمة السعودية من قبل الحوثيين اليمنيين.
لا شيء من أحدث خطط السفر أو وجهات النظر السياسية للحريري أنبأ أو ألمَح إلى أن الإستقالة وشيكة. وهذا يفتح الباب أمام تكهنات بأنه إما نجا من محاولة إغتيال في بيروت أو هو قيد الإقامة الجبرية في الرياض. ويُفيدنا التاريخ بأنه تعرّض للضغط السعودي مرات عدة. في 2009-2010، عندما شغل منصب رئيس الحكومة اللبنانية للمرة الأولى، إشتكى الحريري إلى المسؤولين الأميركيين بأن هناك ضغطاً سعودياً عليه لتحقيق السلام مع النظام السوري. وبمجرّد أن بدأ التقارب السعودي – السوري يتلاشى، أطيح بالحريري من السلطة في كانون الثاني (يناير) 2011، بعد دقائق من إلتقاط صورة له مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في المكتب البيضاوي. وفي الآونة الأخيرة، تم الضغط على الحريري من قبل المسؤولين السعوديين بعدم الإنخراط مع النظام السوري أو الإستسلام للنفوذ الإيراني.
الواقع أن هناك تفسيرات ثلاثة معقولة لإستقالة 4 تشرين الثاني (نوفمبر).
التفسير الأول المعقول يكمن في الإنتخابات التشريعية في لبنان المقرر إجراؤها في أيار (مايو) 2018. في حين وافق مجلس الوزراء على مضض على قانون إنتخابي جديد، فإن هناك خلافات إجرائية بشأن كيفية تنفيذه. وفي الأسابيع الأخيرة، لم تتمكن السعودية من حشد القادة اللبنانيين بشكل إنتخابي ضد “حزب الله”. وتُعتبر قدرة الحريري على الفوز بهامشٍ لائق ضئيلة بسبب موارده المالية المُستَنزَفة وإسترضائه المُتصوَّر ل”حزب الله”. وبينما صار مصير الإنتخابات في مهب الريح في الوقت الراهن، يُمكن أن يحاول الحريري تحريك قاعدته، تماما كما فعل والده رفيق الحريري قبله عندما كان على قيد الحياة.
والتفسير المعقول الثاني هو موقع الحريري في الحاشية التي تُحيط بولي العهد. منذ توفي الملك عبد الله بن عبد العزيز في العام 2015، تراجعت إستثمارات رئيس الوزراء اللبناني في السعودية تدريجاً. إن الحريري، الذي قاوم الضغوط السعودية ضد “حزب الله” لسنوات عديدة، قد يكون يبعث، من خلال إستقالته، رسالة ولاء واضحة لولي العهد السعودي. وإذا نجا الحريري من الحملة الأخيرة التي استهدفت أمراء ورجال أعمال سعوديين رئيسيين، فإن ذلك قد يعني أن مخزون الحريري السياسي في الرياض قد إرتفع، وأنه قد تُتاح له الفرصة لإنقاذ شركته، “سعودي – أوجيه”.
التفسير المنطقي الثالث هو المنافسة السعودية – الإيرانية. وتجدر الإشارة إلى أنه مع ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” كقوة رئيسية في العام 2014، فقد حققت الرياض إنفراجاً مع طهران في بيروت وتراجعت من العراق. والآن بعد أن إنتهت الحرب ضد “داعش”، إستغلت الرياض الفرصة لإعادة تأكيد نفوذها في العراق وإلغاء الإنفراج السياسي مع إيران في لبنان. وقد تهدف الخطوة السعودية إلى تحدي الوضع الراهن ل”حزب الله” وتخفيف نفوذ إيران في لبنان في مقابل حلّ وسط في أماكن أخرى، وعلى الأخص في سوريا، على الرغم من أن دفع هذا الأمر إلى الأمام، كما يبدو من إستقالة الحريري، يدلّ على أن الرياض قد لا تكون جاهزة بعد لمواجهة مفتوحة مع طهران.
السؤال الحاسم الآن هو ماذا سيحدث بعد إستقالة الحريري؟ التكهنات بأن أبواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها أمر مبالغ فيه؛ هذه ليست الأزمة السياسية الأولى ولن تكون الأخيرة في لبنان. هناك بعض الأشياء ينبغي مراقبتها والتي قد تشير إلى ما سيأتي بعد ذلك. الأول هو ما إذا كان التنسيق الأمني بين تيار المستقبل بقيادة الحريري و”حزب الله” سيستمر عبر الوكالات الرسمية الموالية لهما. والثاني هو ما اذا كان “حزب الله” المدعوم من ايران سيدفع الى إختيار رئيس حكومة جديد ليوضّح ويؤكد بأن لبنان يُمكن ان يُحكَم من دون الرياض. وثالثاً هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى الحملة السعودية في لبنان.
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة رئيسية في الأسابيع والأشهر المقبلة.
تطبيع الفراغ الذي خلّفته إستقالة الحريري هو السيناريو الأول، الذي من المحتمل أن يؤدي إلى حكومة تسيير أعمال مشلولة وتمديد فترة البرلمان مرة أخرى. ومن ثم فإن الأزمة اللبنانية سوف تتوقف وتتجمد في وقت لاحق من دون مزيد من التصعيد، على خلفية أولويات الولايات المتحدة مثل اليمن وأزمة مجلس التعاون الخليجي، لردع إيران من الهيمنة وأخذ مركز الصدارة في المنطقة.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في تحدي الرياض وإختيار رئيس حكومة تحدّي، والذي من شأنه أن يُمكّن الحريري من قيادة المعارضة ضد الحكومة الجديدة.
والسيناريو الثالث والأكثر فعالية هو تشكيل حكومة تكنوقراطية إنتقالية، بقيادة شخصية سنية محايدة يوافق عليها الحريري، بهدف وحيد هو تنظيم الإنتخابات التشريعية. وهذا من شأنه أن يسمح للحريري بأن يعمل بحرية كمرشح مُعادٍ ل”حزب الله” من دون قيود الحكم.
ومن غير الواضح تماماً الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة في كل هذا؛ لقد قال لي مسؤول أميركي: “إن التوقعات في واشنطن هي أن “عملية سياسية منظمة” ستتبع في لبنان”.
إذا كانت هناك أي إستفادة من الإستقالة، فإنها يجب أن تشكّل دعوة للإستيقاظ من سوء حسابات “حزب الله” بالنسبة إلى الحريري من خلال إحتضانه علناً، وتصويره على أنه ضعيف والإشارة إلى وجود خلاف بينه وبين الرياض. إن إطالة المغامرة المُثيرة للجدل التي تدعمها إيران في الحرب السورية تنطوي على مخاطر إقليمية خطيرة، وينبغي ألّا يكون تطبيع العلاقات بين بيروت ودمشق أولوية ملحة قبل الانتخابات التشريعية. كما يجب أن يكون هناك إعتراف بأن عودة السعودية إلى السياسة اللبنانية، بعد غياب طويل، قد تكون قليلة جداً ومتأخرة جداً، وبأن وجود سياسة تجاه لبنان لديها قد لا يكون كافياً لمواجهة إيران إذا لم تكن لديها سياسة تجاه سوريا، وأن المصالح المشتركة التي تربط الأوغارشية اللبنانية هي عادة ما تكون أقوى من أي ضغط خارجي.

• جو معكرون هو محلل السياسات في المركز العربي في واشنطن. يمكن متابعته على تويتر:@macaronjoe

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى