لماذا تخلّى أصدقاء سوريا عن دعم المعارضة ضد الأسد؟

يشهد الملف السوري تطورات سياسية متسارعة، بدت أبرز معالمها في تغيّر تحالفات الدول المعنية بهذا الملف بما فيها أصدقاء سوريا، في ظل التقارب السعودي – الروسي الذي بدا خلال زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو، ما ينعكس ضغوطاً على المعارضة السورية، وتحديداً على الهيئة العليا للمفاوضات، والتي تواجه تحدياً للقبول بحل يتطابق مع الرؤية الروسية، وخصوصاً القبول بحلّ يُبقي رئيس النظام بشار الأسد في مرحلة إنتقالية. وشكّلت التصريحات السعودية والروسية أبرز مؤشر إلى هذا التوجّه الجديد، ولكنها لم تكن الوحيدة، إذ واجهت المعارضة خلال لقاءاتها على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول (سبتمبر) الماضي، ضغوطاً تأتي في السياق نفسه.

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون: يعتمد على قرار أممي لتنحية الأسد!!!

بقلم آرون لوند*

في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون للصحافيين في جنيف أن “الولايات المتحدة ترغب في سوريا مُوَحَّدة من دون أن يكون ل[الرئيس] بشار الأسد دور في الحكومة”، وأضاف: “لقد وصل عهد أسرة الأسد إلى نهايته، والقضية الوحيدة هي كيفية تحقيق ذلك”.
يبدو بيان تيلرسون مُربكاً — هل أن واشنطن تُشدّد وتُصعّد موقفها بالنسبة إلى سوريا؟ كان غريباً بشكل خاص أن يأتي هذا الكلام من شخص كان رئيسه، دونالد ترامب، أشار إلى سوريا على أنها “رمال متحركة” التي يجب على الولايات المتحدة الإبتعاد منها وعدم الغرق فيها.
وما جعل البيان أكثر غرابة هو أن الأسد ليس في عجلة من امره للتنحي والمغادرة، وواشنطن تعرف ذلك. فخصومه مضعضعون وفي حالة من الفوضى. وخلال العام الفائت، إستعادت قواته معاقل المتمردين في حلب وشرق سوريا. ويهيمن الجهاديون على جميع الجهود الموثوقة المتبقية للإطاحة به، الذين لا يستطيعون أن يأملوا في الحصول على الدعم الدولي الذي يحتاجون إليه للنجاح. وقد تم تخفيض المتمردين غير الجهاديين الى وضع حرس حدود للأردن وتركيا، بينما يرغب الاكراد المدعومون من الولايات المتحدة فى شمال سوريا التوافق مع دمشق وإبرام إتفاق معها.
يعزو معارضو نظام الأسد سلسلة إنتصاراته إلى الدعم الروسي أو الإيراني، وصحيحٌ أن الأسد كان سيكون أسوأ حالًا من دون حلفائه. وربما يكون ميتاً. لكن قصة نجاح نظام سوري فاشل في كسب الحرب ليست مجرد عَمَن دعم الأسد، بل هو أيضاً عن التحالف، أصدقاء سوريا، الذي دعم خصومه – ثم تخلى عنهم لاحقاً.

أصدقاء سوريا

كانت سوريا تبدو مُختلفة جداً قبل خمس سنوات. في ذلك الوقت، كان الأسد يواجه إضطرابات وإنشقاقات واسعة النطاق في جيشه، ورأى العديد من المراقبين في حينه أنه كان في طريقه للخروج من السلطة. وللتسريع في تنحيته، هندست الولايات المتحدة وفرنسا التحالف المعروف بإسم أصدقاء سوريا.
وقد عُقد أول مؤتمر لهذا التحالف في تونس في شباط (فبراير) 2012. وقد جمعت الديبلوماسية الأميركية الصاخبة جميع الأطراف الرئيسية المُناهِضة للأسد، وهي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا والمملكة المتحدة وقطر، وحشدت قائمة الضيوف بعدد من الدول الأقل نقداً للحكم السوري، مثل ألبانيا والنمسا والهند، لتجعل المجموع مذهلاً من 60 دولة تدعو إلى الإنتقال السياسي في سوريا.
عقد أصدقاء سوريا ثلاثة إجتماعات أخرى في العام 2012: في إسطنبول وباريس وأخيراً مراكش. وإستخدم الإئتلاف كل حدث للتعهد بتقديم المزيد من المساعدات للمعارضة، وهرع المعارضون أمام الكاميرات على أمل منحهم الشرعية الدولية. في كانون الأول (ديسمبر) 2012 في مراكش، دعا 114 من المندوبين الدوليين إلى الإطاحة بالأسد.
مع ذلك، كان مؤتمر أصدقاء سوريا لقاء عيون وإلقاء تصاريح. غالبية المندوبين كانت هناك لأنه كان بديلاً من دون تكلفة للعمل. وكان البعض أكثر إهتماماً بالذات، والسعي ببساطة إلى تسجيل نقاط مع واشنطن أو حاول التسوّل من الممالك النفطية العربية. وكان هؤلاء أصدقاء للتاييد الشفهي والتلفزيوني، وعندما أصبح واضحاً أن إزالة الأسد سوف تتطلب عنفاً هائلاً، فقد فقدوا الإهتمام.

حرب اهلية

في عامي 2012 و2013، إنزلقت سوريا من إضطرابات عنيفة إلى واحدة من أكثر الحروب الأهلية قسوة في عصرنا. أطلق رجال الأسد الرصاصات الأولى وصعّدوا الصراع من خلال وحشية مروعة، ولكن أصدقاء سوريا شاركوا أيضاً في جزء كبير من المسؤولية عمّا تبع ذلك.
فتحت تركيا أراضيها للمتمردين المسلحين في صيف العام 2011 ولم تبذل أي جهد حقيقي لإبعاد المتطرفين الأجانب حتى سنوات بعد ذلك، عندما خرج الوضع في شمال سوريا عن السيطرة. وقيل أن قطر قد سددت ما يصل إلى 3 مليارات دولار لدعم الإنتفاضة خلال أول سنتين. ومنافستها الدائمة، المملكة العربية السعودية، بطبيعة الحال دخلت اللعبة لإبراز عضلاتها أمام القطريين، الأمر الذي عزز قوة المتمردين السوريين أكثر.
وقد قام أصدقاء سوريا بتمكين حركة تمرد مُجزّأة مُزمنة الإنقسام، تضم مئات المجموعات الصغيرة التي تقاتل من أجل السيطرة على القرى ونقاط التفتيش. وبقدر ما كانت هناك قيادة كفوءة، كانت تميل إلى أن تكون من الإسلاميين الطائفيين، بما في ذلك التابعة لتنظيم “القاعدة ” في سوريا المعروفة باسم “جبهة النصرة”. وأينما فاز المتمردون، كانت مؤسسات الدولة تنهار وتندلع الفوضى، ويعقبها إنفجار تجنيد جهادي.
كانت الولايات المتحدة سهّلت بالفعل وصول شحنات الأسلحة القطرية والسعودية والتركية في العام 2012 إلى المعارضة، ولكن في العام 2013 غيّر الرئيس باراك أوباما الوضع من خلال أمره وكالة الاستخبارات المركزية بأن تدفع وتسلح مباشرة المتمردين الذين يتم التدقيق فيهم فقط. لم تكن هذه مجرد وسيلة لواشنطن لمعاقبة الأسد فقط بعد أن وجدت المخابرات الأميركية مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات الكيماوية، ولكنها كانت أيضاً محاولة لإنتزاع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين من ذيلهم وسحبهم بعيداً من المتطرفين المناهضين للغرب .
وقال لي في 2016 ديريك تشوليت الذي كان في ذلك الوقت مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي في إدارة أوباما: “كان لدينا شركاء كانوا يقذفون ويرمون كل أنواع الموارد في الصراع. وقد إنتهى العديد من هذه الموارد في أيدٍ خاطئة. لقد كان ذلك إنسجاماً مع روح “عدو عدوي”، وبالنسبة إلى بعض شركائنا، كان لا يهم إذا انتهى دعمهم إلى أيدي “جبهة النصرة” أو مجموعات أخرى. لذلك قضينا الكثير من الوقت في محاولة إقناعهم بدعم المعارضة المعتدلة وحشد المجتمع الدولي لتمكين الجماعات المعتدلة”.
الواقع أن واشنطن أنفقت الكثير من الوقت، والكثير من المال. وسرعان ما نمت الحملة المناهضة للأسد لتصبح “واحدة من أكثر برامج العمل السرية تكلفة” في تاريخ وكالة المخابرات المركزية. وبحلول العام 2015، بلغت النفقات المدرجة في الموازنة نحو مليار دولار.

تناقص الأصدقاء

لكن بحلول العام 2013، عندما كانت الولايات المتحدة تُعمّق مشاركتها في الحرب السورية، سعى العديد من أصدقاء سوريا الآخرين إلى الخروج.
على الرغم من أن لندن وباريس إستمرّتا في حثّ واشنطن على المشاركة بشكل أعمق في سوريا، وبقيت تركيا وعرب الخليج متشددين ومصرين على إسقاط الأسد، فإن معظم الحكومات الأخرى في أوروبا وأماكن أخرى لم تكن مستعدة لتوسيخ أيديهم نيابة عن معارضة لم تحبّها. كانت على إستعداد للدعوة إلى تنحي الأسد من الهامش، ولكنها لم تكن ترغب في أي علاقة مع التمرد الذي يمارسه الجهاديون والذي يهدد الآن حكمه.
لذلك بدأت جبهة أصدقاء سوريا بالإنهيار. شهد مؤتمر كانون الأول (ديسمبر) 2012 في مراكش نهاية عصر الإجتماعات الكبيرة. ومنذ ذلك الحين، كان على الحملة المناهضة للأسد أن تتعامل مع مجموعة أصغر بكثير من المؤيدين الأساسيين، بما في ذلك فرنسا والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن حتى هؤلاء الداعمين للمتمردين كانوا غير راغبين في الذهاب إلى آخر الطريق ومساعدة المعارضة السورية المُجزّأة على القضاء على النظام، مما يعني أن دعمهم للتمرد لم ينجح إلّا في إطالة أمد الحرب.
تراجع
في أيلول (سبتمبر) 2015 تدخلت روسيا في الصراع داعمةً الأسد، وأغلقت الإمكانية البعيدة فعلياً للتدخل الجوي الأميركي وتحوّل التوازن العسكري لصالح النظام. وبحلول ربيع 2016، سمح القصف الروسي الوحشي للأسد وحلفائه بحصار شرق حلب، معقل رئيسي للمعارضة. وبحلول نهاية العام 2016، إستعاد النظام المدينة بالكامل.
ضربتان أخريان واجهتهما المعارضة في العام 2016 طبعتا مصيرها: أولاً، حولت تركيا إهتمامها إلى الجماعات الكردية على حدودها، وبدأت تخفيض دعمها لتغيير النظام من أجل إقامة علاقات أفضل مع موسكو. ثانياً، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 إنتخب الناخبون الأميركيون دونالد ترامب للرئاسة، وهو منتقد شرس لمشاركة الولايات المتحدة في سوريا. وفي تموز (يوليو)، أنهى برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) الذي وصفه بأنه “ضخم وخطير ومهدر للأموال”. ومنذ ذلك الحين، قال إن الولايات المتحدة “لا علاقة لها بسوريا سوى القضاء على تنظيم “داعش””.
كما أن بقية “أصدقاء سوريا” السابقين كانوا يتراجعون بدورهم أيضاَ.
في حزيران (يونيو) 2017، قال الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً إيمانويل ماكرون: “لم يَظهر لي أن هناك خلفاً مشروعاً” للأسد. ويبدو أن المملكة المتحدة أكثر تردداً في تغيير موقفها علناً من الزعيم السوري، لكنها لا تتخذ أي إجراء ملموس لقتله أو قلب نظامه، ولن تشن حرباً وحدها. وفي الوقت نفسه، واصلت تركيا العمل مع حلفاء الأسد روسيا وإيران من خلال عملية السلام في أستانا. وعلى الرغم من تدخل القوات التركية في شمال سوريا، إلا أنها تتجنب مواقع النظام وحظرت عملاءها المتمردين من القتال ضد القوات الحكومية السورية. إن مهمة أنقرة هي بناء النفوذ على طول الحدود، وتخفيف النفوذ الجهادي، وتراجع المكاسب الكردية، مع أو من دون الأسد.
وفي الجنوب، يدفع الأردن عملاءه المتمردين للحفاظ على وقف إطلاق النار مع النظام في الوقت الذي يحاول إستئناف التجارة الحدودية الأردنية – السورية. وتحاول عمان أيضاً، جزئياً، حثّ إسرائيل على إخراج إيران من جنوب سوريا. والسعوديون والقطريون لم يتوقفوا عن كراهية الأسد، لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً يُذكر من دون مساعدة أردنية وتركية وأميركية. ومنذ حزيران (يونيو) 2017، كان السعوديون والقطريون مشغولين بالخلاف في ما بينهم. وقال ديبلوماسي غربي كبير في حديث لصحيفة “الغارديان” ان “السعودية لم تعد تكترث أو تهتم بسوريا”. واضاف: “كل شيء بالنسبة إليها قطر. سوريا خسرت”.

عملية السلام

وكان آخر إجتماع على مستوى أصدقاء سوريا عُقد في نيويورك في أيلول (سبتمبر) الماضي حيث حضره 17 وزيراً للخارجية معظمهم من الدول الاوروبية والعربية لكن بيانهم الختامي لم يذكر الاسد. وعلى الرغم من أنهم إتفقوا على منع جميع المساعدات لإعادة الإعمار في سوريا في غياب “عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى إنتقال سياسي حقيقي”، إلّا أن هذا القرار جاء مع ثغرة بالنسبة إلى مصير الأسد. مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلدتوك أوضح بصعوبة أن لغة الإنتقال والتحول لم تكن حقاً مطلباً للإطاحة بالأسد. وقال للصحافيين “إن نتيجة هذه العملية [الانتقالية] قد تكون طويلة”، بيد ان العملية نفسها هي مفتاح فتح الباب وليست النتيجة الفعلية للعملية”.
وبإختصار، على الرغم من أن أصدقاء سوريا الأخيرين قد يصرون على أنهم لم يتغيروا في موقفهم، إلا أن مطالبتهم السابقة بإبعاد الأسد قد فقدت كل معانيها. وهذا هو السياق الذي ينبغي أن تُفهَم فيه تعليقات تيلرسون في جنيف. لم يكن وزير الخارجية الأميركي يقول إن الولايات المتحدة مصممة على إنهاء عهد الأسد. وبدلاً من ذلك، إدّعى أنه يعتقد أن النظام سينتهي قريباً على أي حال، مما يلغي الحاجة إلى تدخل الولايات المتحدة. وعلى وجه التحديد، أصرّ تيلرسون على أن رحيل الأسد سيحدث “على الأرجح” من خلال “تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254” الذي يدعو إلى إجراء إنتخابات حرة خاضعة للمراقبة الدولية.
ولكن هذا لا يُشكل إنطلاقة جيدة، وهو يعرف ذلك. لن تكون هناك إنتخابات حرة في سوريا. ولا يتضمن القرار 2254 أي آلية للإنفاذ، في حال فشل الأسد في الإنضمام طوعاً إلى مطالبه، ويُمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد أي محاولة لإتخاذ إجراء من خلال الأمم المتحدة. وبعبارة أخرى، فإن الرجوع إلى عملية الأمم المتحدة هو تراجع وإنسحاب: وزير الخارجية يصوّر إنتقالاً تقوده الأمم المتحدة كوسيلة لتحقيق سياسة واشنطن لتنحية الأسد، على الرغم من أنه يعرف أن تغيير النظام يُمكن أن يحدث فقط من طريق آخر. إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها غير مستعدين لمساعدة المتمردين السوريين على تدمير نظامه، فإن الأسد سيبقى.
لذا لا داعي للزعيم السوري أن يقلق. من الناحية العملية، فإن الحملة الدولية لإقصائه قد إنتهت، وعلى الرغم من أن حكم الأسد سينتهي بالتأكيد يوماً ما، فمن المرجح الآن أن يحدث ذلك عندما يتقدم في العمر أكثر منه من طريق قرار للأمم المتحدة، مهما كانت صياغته ذكية وشديدة.

• أرون لوند هو زميل في مؤسسة القرن (The Century Foundation) ومؤلف التقرير الجديد، “كيف تخلى أعداء الأسد عن المعارضة السورية”.
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعربه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى