ما هو الدور الذي تلعبه القوات السودانية في اليمن؟

بعد مضي عامين على مشاركة قوات من الجيش السوداني في عملية”عاصفة الحزم”، التي أطلقتها المملكة العربية السعودية بهدف إعادة الشرعية اليمنية والقضاء على خطر المد الشيعي المتمثّل في الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران؛ تصاعدت دعواتُ كثيرين في السودان بالخروج العاجل مما أسموه مستنقع الرمال المتحركة في حرب اليمن لا سيما بعد الإعلان الأخير عن مقتل ما يقرب من 500 جندي سوداني هناك.

الرئيس السوداني عمر البشير: قوات الدعم السريع قوة مُدِرّة للدخل لنظامه

صنعاء – محمد السلموني

في أواخر أيلول (سبتمبر)، أثار قائد قوات الدعم السريع في الجيش السوداني اللواء محمد حمدان دقلو (الملقب ب”حميدتي”)، عن غير قصد، جدلاً بإعلانه عن مقتل 412 جندياً سودانياً في الحرب في اليمن، وهو رقم لم يكن الشعب السوداني يعرفه لا من قريب أو من بعيد.
في الواقع، لقد شاركت القوات العسكرية السودانية في حملة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن منذ العام 2015، ضد حركة “أنصار الله” (الحوثييين) وحلفائها من القوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وتشكل هذه القوات مُكوّناً أساسياً في قوات التحالف في اليمن، وتخدم في مناطق متعددة من البلاد.
وقد أدّت الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية أخيراً لإنشاء منطقة عازلة داخل شمال اليمن إلى الإنتشار المتزايد لقوات الدعم السريع السودانية. ومع ذلك، فإن وجودها لا يخلو من عيوب لأن حرب المعلومات والتسويق الحوثية جعلت جزءاً كبيراً من الماضي الذي يسيء إلى سمعة قوات الدعم السريع أساساً لحملتها التسويقية للإساءة إلى السعودية وحلفائها.

ميليشيات الجنجويد

تُعتبر قوات الدعم السريع من أقوى مكوّنات الجيش السوداني. وهي تُستخدم أساساً في عمليات مكافحة التمرد، وتضم بين قواتها عدداً كبيراً من ميليشيات الجنجويد المرتبطة بإنتهاكات منهجية لحقوق الإنسان في إقليم دارفور، ولا سيما بين عامي 2003 و2008. وقد تورطت هذه القوات أيضاً في المزيد من الإنتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في السودان.
وتُعتبر هذه القوات نوعاً من “الحرس الإمبراطوري” للرئيس السوداني عمر البشير، وهو نفسه موضوع على لائحة إتهام المحكمة الجنائية الدولية بإرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بسبب أنشطة ميليشيات الجنجويد في دارفور.
ويعكس قرار البشير نشر قوات الدعم السريع في اليمن طبيعة حملة التحالف ضد التمرد هناك، وخصوصاً بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، التي كانت محافظاتها في جنوب غرب البلاد هدفاً للهجوم عبر الحدود والهجمات الصاروخية من قبل الحوثيين وحلفائهم. وفيما حققت قوات التحالف مكاسب في وسط وجنوب اليمن، تحت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، سعى الجيش السعودي إلى تعزيز موقعه في الشمال، وتطهير المناطق الحدودية والإستيلاء على موانىء حرجة على البحر الأحمر من حركة الحوثيين وحلفائها. الآن تتطلع المملكة إلى مسح مناطق واسعة من شمال اليمن وإستيعابها بشكل كبير، وقد حجزت الرياض في تخطيط حملتها مكاناً لقوات الدعم السريع السودانية لإستخدام قدراتها في مكافحة التمرد.
كما أن مشاركة السودان في حملة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن مرتبطة أيضاً بجهود الرياض وأبو ظبي لسحب البشير بعيداً من علاقاته الوثيقة السابقة مع إيران. وتتعهد دول الخليج مقابل مشاركة الجيش السوداني في اليمن مساعدة البشير مالياً وإقتصاديا ًحيث يُعتقَد أن الدعم المالي له أهمية حاسمة بالنسبة إلى النظام السوداني الذي يُعاني من عمليات التمرد المستمرة في الداخل، وفقدان عائدات النفط الناتجة من إستقلال جنوب السودان، وفرض العقوبات.

قوة مكافحة التمرد المثيرة للجدل

دعمت قوات الدعم السريع السودانية عمليات الأمن الحدودية السعودية، وهي واحدة من القوى الرائدة في الحملة السعودية المُوجّهة للإستيلاء على محافظات عدة في شمال غرب اليمن، وخصوصاً في محافظة حجة.
وفى كانون الثاني (يناير) الفائت، إستولى التحالف على مدينة ميدي الساحلية على البحر الاحمر، التى يعتقد أنها أحد مراكز تسليح حركة الحوثيين عبر خطوط إمدادات بحرية تستخدمها قوات الحرس الجمهورى الايرانية. ومع ذلك، لا تزال محافظة حجة الأوسع نطاقاً في المواجهات المستمرة والشرسة بين قوات التحالف والحوثيين وحلفائهم.
إن تجربة قوات الدعم السريع كقوة رائدة لمكافحة التمرد لدى الرئيس البشير في السودان، حيث تشارك في إعتراض المُهرِّبين، تجعل منها (على الأقل في العيون السعودية) قوة مُناسِبة تماماً للعمل في اليمن. ومع ذلك، هناك أدلة على أن قوات الدعم السريع تواجه صعوبات في تكييف تكتيكاتها مع التضاريس الجبلية الأكثر غدراً في اليمن، وهو المشهد الذي تتكيف فيه الحركة الحوثية وحلفاؤها بشكل جيد. في الواقع، فإن الحوثیین یدّعون بأن معظم الإصابات التي ألحقوها بقوات الدعم السريع خلال العام 2017 ھي نتیجة لنصب الكمائن في محافظة حجة.
كما أن مشاركة قوات الدعم السريع في حملة االئحالف في اليمن تُثير أيضاً مخاوف بين المنظمات غير الحكومية الدولية تقوم على أن هذه القوات يُمكِن أن ترتكب إنتهاكات مماثلة ضد المجتمعات المدنية التي تدعم الحوثيين كما إتُّهمت بإرتكابها في السودان. ومع ذلك، لم تكشف الحكومة السودانية عن أيٍّ من وحدات قوات الدعم السريع تم نشرها في اليمن، ولم يتم توفير هذه المعلومات في مكان آخر لإطلاع الجمهور، مما يجعل الأمر صعباً لتحديدٍ واقعي ما إذا كانت مكونات قوات الدعم السريع التي إرتكبت إنتهاكات حقوق الإنسان في دارفور موجودة حالياً في اليمن.
وفي حين أعلن السودان في بداية “عاصفة الحزم” إستعداده للدفع بقوات لدعم هذه العملية، ووصلت في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) 2015 الدفعة الأولى منها إلى ميناء عدن، فإنه لإعتبارات معينة لم يشأ الرئيس السوداني البشير أن يُعلن عن حجم قواته الحقيقي بل صرح بأنها “محدودة ورمزية ولن تتجاوز حدود لواء من المشاة”.
لكن في ما بعد أعلن وزير الإعلام السوداني أن بلاده وضعت ستة آلاف جندي تحت تصرّف السعودية، وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد القوات السودانية في اليمن قد يصل إلى أكثر إلى 8 آلاف جندي.
وفي نهاية تموز (يوليو) الماضي، ذكر موقع الشروق السوداني القريب من الدوائر الحكومية أن الخرطوم تعتزم إرسال دفعة جديدة من جنود قوات الدعم السريع إلى اليمن.
حتى الآن، لم ترتبط القوات العسكرية السودانية المنتشرة في اليمن بالانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن وجودها قد وفر لخصوم التحالف الذي تقوده السعودية ذخيرة وافرة لعمليات إعلامية تهدف إلى تحويل رأي المجتمع الدولي ضد السعودية والإمارات وشركائهما في التحالف.

غضب في السودان

حاولت حركة الحوثيين وحلفاؤها توريط قوات الدعم السريع في ما تدَّعي أنه نزوح جماعي لمئات الآلاف من المدنيين في محافظة حجة. وبدلاً من أن تُمثّل تحدياً للقتال للحوثيين، فقد تُشكّل القوات السودانية عائقاً في مجال العلاقات العامة للسعوديين، تستغله الحركة الحوثية وحلفاؤها. هذه الجهود الدعائية تُصوّر قوات الدعم السريع، التي هي العنصر الأساسي للمساهمة العسكرية السودانية في الإئتلاف في اليمن، بأنها مُشَكَّلة من المرتزقة الجنجويد الذين قاموا بالفظائع، وقد إستأجرتهم المملكة العربية السعودية من أجل مساعدة مجرم الحرب الرئيس السوداني عمر البشير.
الواقع أن الحملة الإعلامية لها آثار أخرى على كلٍّ من الرئيس البشير وقيادة التحالف، حيث ركزت الحركة الحوثية وحلفاؤها عملياتهما الإعلامية على ما وصفاه بأنه خسائر جسيمة تكبدتها قوات الدعم السريع والقوات السودانية الأخرى في اليمن.
وتلعب الأخبار عن هذه الخسائر بشكل سيّىء في الداخل، ويُظهر الإحتجاج في السودان في أعقاب بيان اللواء حميدتي بأن ما يقرب من 500 سوداني قُتلوا في اليمن، مدى الغضب الذي يُمكن أن يسببه هذا الموضوع ضد البشير وقراره بالمشاركة في حرب اليمن.
وفي الوقت الذي يسعى التحالف السعودي والإماراتي إلى تصعيد عملياته ضد الحوثيين، ولا سيما في البحر الأحمر وشمال المناطق الحدودية السعودية اليمنية، فإن قوات الدعم السريع توفر قوة مهمة ومتشددة في القتال لتكملة الشركاء اليمنيين المحليين في التحالف. إلا أن وجودها في اليمن سيظل موضوعاً مهماً لإستخدامه في حرب المعلومات ضد التحالف.
علاوة على ذلك، إن نشر قوات الدعم السريع السودانية بالنسبة إلى الصراع اليمني أمرٌ مهم، لأنه يمثل المرحلة التالية في تطوير قوة متعددة الجنسيات، بقيادة دول الخليج العربية الرائدة، لمواجهة إيران وشريكها وقوات الوكلاء على نطاق أوسع في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، توفر قوات الدعم السريع للبشير السوداني قوة مُدِرّة للدخل يُمكن إستخدامها لدعم الحلفاء في الصراعات في جميع أنحاء إفريقيا، وخصوصاً في المنطقة العابرة للصحراء وفي الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى