لماذا أثارت تصريحات تيلرسون والإجتماع السعودي – العراقي في الرياض قلق طهران؟

أثار التقارب بين الرياض وبغداد إهتمام المراقبين بالشرق الأوسط وقلقاً إيرانياً، كما أثار تساؤلات حول خلفياته ودلالاته، لا سيما أنه جرى تحت أعيُن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون.

قوات الحشد الشعبي: ما مصيرها في العراق ما بعد “دأعش”؟

بقلم أحمد مجيديار*

لا شك بأن إطاحة نظام صدام حسين في العام 2003 وظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العام 2014 في أعقاب الإنسحاب الأميركي قد ساعدا إيران على أن تصبح القوة الأجنبية الأكثر تأثيراً في العراق. بيد ان هناك قلقاً متزايداً فى طهران من ان الجهود الديبلوماسية الاخيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة لإقامة علاقات وثيقة مع الحكومة العراقية والقادة الشيعة قد تقوّض النفوذ الايراني فى بلاد ما بين النهرين. وفي الوقت الذي يُعبّر فيه المسؤولون الإيرانيون عن أهمية وصول الرياض إلى بغداد، فإن وسائل الإعلام والمحللين في الجمهورية الإسلامية يُعبّرون عن قلقهم من أن أميركا والسعودية “تتآمران” لوضع إسفين في العلاقات بين بغداد وطهران كجزء من جهد أوسع لعزل إيران ومواجهة تأثيرها في المنطقة. وقد أدّى إطلاق مجلس التنسيق السعودي – العراقي فى الرياض في 22 تشرين الثاني (أكتوبر) الجاري ومشاركة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فى الإجتماع الى زيادة قلق طهران. وحذرت وسائل الإعلام الإيرانية، وبخاصة تلك التابعة للحرس الثوري الإسلامي، من أن الرياض، بدعم من واشنطن، تحاول مواجهة النفوذ الإيراني في العراق من خلال محاباة ومغازلة الزعماء الشيعة العراقيين، ولعب دور بارز في عملية إعادة إعمار العراق، والتأثير في نتيجة الإنتخابات البرلمانية العراقية في العام المقبل.

زيارة تيلرسون إلى الرياض

في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري سافر اليدبلوماسي الأميركي الرفيع إلى العاصمة السعودية لحضور إجتماع القادة السعوديين والعراقيين، وشجع الدولتين العربيتين على مواصلة تحسين العلاقات الثنائية من أجل تعزيز الإستقرار الإقليمي ومواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. ودعا تيلرسون في مؤتمر صحافي عقده في الرياض الى حل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق. كما أكد أن المملكة العربية السعودية يُمكن أن تساعد في إعادة بناء المدن العراقية التي دُمِّرت خلال الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وتقليل إعتماد بغداد على إيران.
أثارت تصريحات تيلرسون ردود فعل قوية في إيران والعراق. فقد رفض وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف دعوة تيلرسون الى حلّ الميليشيات التى تدعمها ايران وتخفيض نفوذ الجمهورية الإسلامية فى العراق، ودافع عن الدور العسكري لبلاده فى العراق وسوريا. وإدّعى أنه “لولا التضحيات التي قدمتها جمهورية ايران الاسلامية، وبخاصة تلك التضحيات التي قدمها المدافعون عن المزارات، لكان تنظيم “الدولة الإسلامية” سيطر على دمشق وبغداد وإربيل”. كما إستنكر العديد من كبار قادة قوات الحشد الشعبي العراقية التي ترعاها إيران تعليق تيلرسون. “وزير خارجية أميركا: يجب أن تسحب القوات العسكرية الأميركية من بلادنا العراق بعد إنتهاء ذريعة وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” فوراً ومن دون أي تأخير”، غرّد على “تويتر” قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” المدعومة من إيران، الموضوع على اللائحة السوداء الأميركية.

“محور مناهضة إيران”

وبصرف النظر عن تصريحات تيلرسون، لقد أثار إجتماع الرياض مخاوف في طهران حول آثار إحترار العلاقات بين المملكة العربية السعودية والعراق. “ان زيارة وزير الخارجية الأميركي الى السعودية ووجود رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادي في الرياض والقمة الثلاثية لاميركا والعراق والسعودية تمثل نقطة تحوّل فى إقامة حركة سياسية لإقامة جبهة عربية – أميركية”، كتبت وكالة الأنباء “تسنيم”، وهي تابعة للحرس الثوري الإسلامي. “إن هدف أميركا الرئيسي هو إقامة شراكة فعالة وقوية بين الدول العربية والصهيونية. وفي هذا الصدد، نشهد إنشاء محور عربي – صهيوني – أميركي في المنطقة، والهدف من هذه الجبهة هو مواجهة الوجود العسكري الإيراني في المنطقة بشكل منهجي “. وإدّعت المقالة أن القادة الأميركيين والسعوديين طلبوا من العبادي في الاجتماع حل ميليشيات الحشد الشعبي ومواجهة وجود إيران فى العراق.
وقد عبرت وسائل إيرانية أخرى عن قلق مماثل. وحذّر مقال نشره موقع “إقتصاد نيوز” بعنوان “مهمة تيلرسون في الرياض: إعادة العراق الى القبضة السعودية”، من أنه رغم أن جهود اميركا لتنمية علاقات وثيقة بين السعودية وعراق ما بعد صدام لم تُسفر عن نتائج في الماضي، فإن التطورات السياسية في العراق والمنطقة توفر لواشنطن والرياض فرصة للنجاح في تقويض النفوذ الإيراني في العالم العربي هذه المرة. وحذر المقال من “أن الوحدة بين السعودية والعراق يمكن ان تقوّض مجال نفوذ ايران المتزايد من الخليج “الفارسي” الى البحر المتوسط”. وتابع: “في الوقت الذي تحتاج الحكومة العراقية الى مساعدة أجنبية لإعادة إعمار المناطق التي إستولت عليها من “داعش” وهي تواجه أيضاً التوتر الناجم عن إستفتاء الإستقلال الكردي، فان هذه القضية مهمة بشكل خاص”.
وبالمثل، فقد كتب “ياوان أونلاين”، موقع آخر تابع للحرس الثوري، بأن واشنطن والرياض تحاولان إقامة فجوة بين العراق وإيران، إلّا أنه أكّد بأن التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة ستساعد إيران والعراق على البقاء شريكين وثيقين في المستقبل. وأشار المقال الى ان الرئيس دونالد ترامب حاول إقامة تحالف أمني إقليمي جديد تحت راية “حلف شمال الاطلسي” خلال رحلته الى الرياض في وقت سابق من هذا العام، لكن هذا الجهد فشل جرّاء أزمة قطر وبسبب إنعدام الوحدة بين الدول العربية، الأمر الذي منع خلق موقف إقليمي مشترك قوي ضد إيران.

الإنتخابات وإعادة الإعمار

من ناحية أخرى، تشعر طهران بقلق خاص من أن واشنطن والرياض قد تؤثران في نتائج الإنتخابات البرلمانية المقبلة فى العراق على حساب المصالح الايرانية. وحذرت وكالة انباء “تسنيم” من أن “الإستراتيجية السعودية الرئيسية لمواجهة الوجود الايراني في العراق تقوم على تغيير القيادة العامة للعراق ونقلها من الاحزاب الشيعية الى الأحزاب السنية والبعثية”. وأضافت: “إنهم يريدون أيضاً تشكيل الحكومة العراقية المقبلة من خلال التأثير في الإنتخابات البرلمانية المقبلة”. وفي إشارة الى الزيارة الاخيرة التي قام بها مقتدى الصدر، السياسي العراقي المؤثر ورئيس حركة “الصدر”، الى السعودية، إعتبرت “تسنيم” ان الرياض تتواصل ايضاً مع القادة الشيعة العراقيين لتوحيدهم ضد إيران.
كما حذرت وسائل إيرانية أخرى من أن بغداد قد تقبل بعض المطالب الاميركية والسعودية لأنها تحتاج الى مساعداتٍ لإعادة إعمار البلاد. “كما أشار تيلرسون، فإن الهدف الرئيسي من القمة الثلاثية هو دفع العراق أقرب إلى المملكة العربية السعودية وبعيداً من إيران. وذلك لأن العراق بعد “داعش”، الذي خلّف المدن العراقية والصناعات والبنية التحتية في حالة خراب، بحاجة إلى إعانات مالية ومساعدات تقنية وهندسية أجنبية. وفي هذه الحالة، ستقدم أميركا والمملكة العربية السعودية هذه المساعدات في مقابل مطالب معينة من حكومة العبادي مثل إنحيازها للسياسات الأميركية في المنطقة ضد إيران”. و”يافان أونلاين”، المقرب من الحرس الثوري، يشارك وجهة نظر مماثلة: “من الممكن أن تحصل المملكة العربية السعودية على نفوذ في المدن السنية في شمال العراق. ويرجع ذلك الى ان السنة العراقيين يحتاجون حالياً الى مساعدات مالية فورية”.

إحترار العلاقات السعودية – العراقية

تجدر الاشارة الى أن العلاقات بين الرياض وبغداد قد إنحسرت فى العام 1990 عندما غزا الديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين الكويت وظلت السعودية الى حد كبير على هامش التطورات الرئيسية فى العراق بعد الغزو الاميركي للاطاحة بنظام صدام. غير أن القادة السعوديين حاولوا خلال العامين الماضيين إقامة علاقات أوثق مع الحكومة العراقية في محاولة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق وفي المنطقة الأوسع. وقد أعادت المملكة فتح سفارتها في بغداد في العام 2015 بعد أكثر من عقدين. وفى وقت سابق من هذا العام، قام وزير الخارجية السعودى عادل الجبير بزيارة نادرة إلى العاصمة العراقية، وأعلن البلدان تشكيل مجلس تنسيق لتعزيز العلاقات الإستراتيجية بينهما. هذا الأسبوع، زار وزير النفط السعودي بغداد لتعزيز تعاون البلدين في منظمة “أوبك”. وبالمثل، قام كبار القادة العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الداخلية، بزيارة إلى الرياض هذا العام.
وبما أن الوضع الأمني والسياسي العراقي لا يزال هشاً، فمن غير المحتمل أن يتّخذ العبادي خطوات عدوانية لمواجهة النفوذ الإيراني في البلاد في الوقت الحاضر. غير ان رئيس الوزراء العراقي أثبت انه وطني عراقي وقاوم فى بعض الاحيان طهران ووكلاءها فى بعض القضايا السياسية الرئيسية فى العام الماضي. على سبيل المثال، لم يسمح العبادي لقوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران المشاركة في عملية الموصل ورفض مطالب قادة الحشد بأن لا يلعب الجيش الاميركي أي دور فى العمليات المناهضة ل”داعش” فى غرب الموصل. وبالتالي فإن الجهود الأميركية والسعودية قد تسفر عن نتائج جيدة إذا فاز العبادي بإعادة إنتخابه في العام المقبل.
وعلاوة على ذلك، لقد ساعد عدم الإستقرار والفوضى إيران على ممارسة نفوذ قوي في العراق. ومع ذلك، من المتوقع أن ينخفض التأثير الإيراني بشكل كبير في المستقبل طالما تحسن الأمن والاستقرار السياسي في البلاد. ولتخفيض التأثير الإيراني في العراق، من المهم أن تقوم إدارة ترامب وحلفاؤها في المنطقة، بما فيها المملكة العربية السعودية، بالمساعدة في عملية إعادة بناء العراق، وتمكين القوميين العراقيين من جميع الطوائف الإثنية والدينية، والمؤسسات الحكومية، ومساعدة بغداد على دمج قوات الحشد الشعبي بشكل كامل في وحدات الامن التابعة للبلاد ونزع أسلحة الميليشيات التابعة لطهران.

• أحمد خالد مجيديار هو زميل ومدير مشروع رصد إيران (IranObserved Project) في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى