ما هو مستقبل أسعار النفط؟

بقلم عبد المنعم الزعبي*

يدعم إنتاج النفط الصخري الأميركي المرن وتسارع التحوّلات في تكنولوجيات النقل الحجج السائدة بأن إنخفاض أسعار النفط سيستمر لفترة أطول بكثير مما كان متوقعاً، إن لم يكن إلى الأبد.
ووفقاً للحجج عينها، سيواصل منتجو النفط الصخري الأميركي فرض سقف أعلى على أسعار النفط. وبعبارة أخرى، فإن إرتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الصخري وزيادة المنافسة بين المُورّدين، مما سيؤثر في نهاية المطاف في الأسعار وسحبها إلى مستويات أدنى.
ومن المتوقع أن يزداد الضغط الذي فرضه النفط الصخري الأميركي على أسعار السوق في السنوات المقبلة، مدعوماً بتكنولوجيات إستخراج أكثر تقدماً، الأمر الذي سيخُفض تكاليف الإنتاج ويزيد من إنتاج المرونة لتحركات الأسعار.
واحدٌ آخر من الإنعكاسات على التحوّلات التكنولوجية في أسعار النفط المستقبلية يتعلق بالنقل البري؛ إن النفط الذى يتم نقله عبر الطرق يمثل 50 فى المئة من الإستهلاك العالمى للنفط.
وفي هذا الصدد، فإن النفط مُعرَّضٌ لخطر فقدان مكانته كأحد المكوّنات الرئيسية لمزيج الطاقة العالمي في السنين العشر إلى الخمس عشرة المقبلة إذا ما تجاوزت السيارات الكهربائية وتيرة الإنتقال والتحوّل نفسها من الخيول إلى السيارات في بداية القرن الماضي.
وخلصت ورقة عمل صدرت أخيراً عن صندوق النقد الدولي إلى أن أسعار النفط ستنخفض لتصل إلى 15 دولاراً للبرميل بحلول العام 2040 (حسب أسعار اليوم)، إذا بلغت حصة سوق السيارات الكهربائية 30 في المئة في العام 2030 و90 في المئة في العام 2040.
وبالنسبة إلى أولئك الذين يُقلّلون من إحتمال حدوث هذا التحوّل الجذري القائم على التكنولوجيا، تذكر ورقة صندوق النقد الدولي عينها دراسة السوق التي أجرتها الشركة الإستشارية ماكينزي وشركاه في العام 1989، والتي توقعت أن يصل عدد الهواتف المحمولة إلى 900,000 في العام 2000. في الواقع، لقد تجاوزت الهواتف النقالة ال120 مليوناً في العام 2000.
وقد تم التأكيد أخيراً على أن المفارقة ذاتها سوف تنطبق على السيارات الكهربائية عبر قرار الحكومتين الفرنسية والبريطانية بحظر بيع ديزل وبنزين السيارات بحلول العام 2040.
على الرغم من الحجج المقنعة التي تدعم النظرة القاتمة السائدة بالنسبة إلى أسعار النفط، فإن التوقعات الموضوعية ينبغي ألّا تمتنع عن إبراز المخاطر لإحتمالات الزخم السائد.
إن إستنزاف الموارد النفطية المُعلّقة والمُنتَظَرة هو أحد المخاطر الصاعدة الذي يتجاهله معظم المحللين، على الرغم من التوقعات الموثوقة بأنها ستصل إلى نحو 24 مليون برميل يومياً في السنين العشر المقبلة؛ أي حوالي 20 ضعفاً لفائض العرض الحالي، ونحو خمسة أضعاف للنمو المذهل لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بين عامي 2009 و2014.
وقد يؤدي هذا الإنخفاض الطبيعي في الطاقة الإنتاجية العالمية للنفط إلى نقصٍ في المعروض وصدمات في الأسعار الصاعدة، إذا لم تواجهها إستثمارات جديدة كبيرة في صناعة النفط.
ومع إنخفاض الإستثمارات النفطية بمقدار النصف منذ العام 2014، فإنه لا ينبغي تخفيض التهديد الذي يفرضه إستنفاد إمدادات النفط العالمية، لا سيما في ظل دعواتٍ تطلب من شركات النفط الكبرى إجراء إختبارات إجهاد لموازناتها العمومية، على غرار تلك التي فُرضت على المصارف منذ العام 2008.
مع الأخذ في الإعتبار الإستنفاد والإستثمارات، من بين عوامل أخرى، عند التنبؤ بأسعار النفط، فقد خلصت إحدى الدراسات الأخيرة لصندوق النقد الدولي إلى أن أسعار النفط من المرجح أن تتجاوز وتتخطى إتجاهها على المدى الطويل في السنوات المقبلة.
وتشير الدراسة نفسها إلى أن التباينات في المعلومات ومستويات المرونة المنخفضة السائدة في أسواق النفط التقليدية تزيد من مخاطر صدمة الأسعار الصعودية، حيث أن خصائص السوق هذه تميل إلى تحويل صدمات العرض أو الطلب الصغيرة إلى تقلبات كبيرة في الأسعار لفترات زمنية أطول من المتوقع.
والأهم من ذلك، من الضروري أن نضع في إعتبارنا أن المُنتجين التقليديين للنفط والصخر الزيتي ليس لديهم تضارب في المصالح عندما يتعلق الأمر بأسعار النفط. إن الجانبان يهتمان بإرتفاع أسعار النفط للحصول على عوائد إقتصادية أعلى، خصوصاً بعد أن أثبتت حروب الأسعار أنها مُكلفة جداً وغير فعالة لتوسيع حصصهما السوقية.
وقد تُمهّد المصالح المشتركة الطريق أمام إئتلاف جديد بين منتجي النفط التقليدي والصخري.
إن دعوات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الأخيرة لمنتجي النفط الصخري الأميركي لقبول “المسؤولية المشتركة” لخفض إمدادات النفط قد تكون الخطوة الأولى نحو هذا الإئتلاف الإحتكاري الذي قد يؤدي إلى إرتفاع أسعار النفط في المستقبل.
من خلال التوفيق بين التوقعات التصاعدية والهبوطية لأسعار النفط، يُمكن الإستنتاج بأن رحلة النفط نحو مصيره الحتمي ك”الفحم الجديد” حيث لا يزال عرضة لصدمات متقلبة لا يُمكن التنبؤ بها.
ينبغي للحكومات في البلدان المستوردة للنفط ألّا تُسقط إمكانية إرتفاع أسعار النفط بشكل لا يُمكن التنبؤ به، ويُوصَى في هذا المجال إعتماد تدابير مالية مضادة للتقلبات الدورية، بما في ذلك إنفاذ آليات تسعير السوق لمنتجات الطاقة وتأمين مصادر دخل جديدة لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.

• عبد المنعم الزعبي خبير ومحلل إقتصادي حائز على درجة الماجستير في التمويل والاستثمار من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة، ودرجة البكالوريوس في العلوم المالية والمصرفية من الجامعة الاردنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى