الملايين من النساء العاملات في الريف المصري مُعرَّضات لخطر تغيّر المناخ

رغم مساهمتها ودورها البارز في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لا زالت المرأة الريفية العاملة في الزراعة في مصر تعاني من مشاكل عديدة مثل الفقر والتهميش الأمر الذي يُعظّم أعباء الحياة عليها.

المرأة في الريف المصري: تستخدم الرفش كالرجل في المجال الزراعي

بقلم أمل قنديل *

من المرجح أن تكون آثار تغيّر المناخ في الزراعة في مصر كبيرة، وسوف تؤثر في ملايين النساء المصريات اللواتي يعتمدن على هذا النشاط الإقتصادي من أجل كسب الرزق. ويستخدم القطاع الزراعي نسبة كبيرة من النساء العاملات في مصر، وهو قطاع معروف بأرباحه المُنخفضة وغير المستقرة. وتعاني ملايين النساء المصريات الريفيات العاملات في الزراعة من الفقر، وسيزيد تغيّر المناخ وضعهن سوءاً. ومن أجل نزع فتيل هذا الخطر الذي يلوح في الأفق، يجب أن تتضمن أجندة التنمية الجنسانية والمُستدامة في مصر وبرامج التكيّف مع تغيّر المناخ بوضوح عناصر مُصمَّمة لتلبية إحتياجات بناء قدرات هؤلاء النساء، وتعزيز خيارات سبل عيشهن.
وينبع جزء كبير من المشكلة من الوضع الراهن للمرأة في المجتمع المصري. ويتفق خبراء الشؤون المصرية على أن وضع المرأة في مصر القديمة كان أفضل ليس من وضع معاصراتها الأجانب فحسب، بل أيضاً من تجارب العديد من نساء اليوم. في التاريخ الحديث، فقد بدأ تعليم الفتيات العربيات في مصر (1880). الوضع مختلف اليوم: ثلث الإناث البالغات في مصر أمّيات، في حين أن 85٪ من الذكور البالغين متعلمون. ويُضاف هذا إلى عشرة ملايين فتاة وإمرأة مصرية تبلغ أعمارهن 15 عاماً أو أكثر لا يستطعن القراءة أو الكتابة.
إن عدم وجود هذه القاعدة الأساسية الأهم للإزدهار والإستقلال لا يزال يضرّ بالإحتمالات الإقتصادية للكثير من النساء في مصر. وعلى الرغم من أن الصورة ليست قاتمة جداً إذا ركّزنا على مجموعة الشباب (14-25 سنة)، حيث أن 90 في المئة من الإناث والذكور على حد سواء متعلمون، فهذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام. إن البداية المُبكرة الجيدة في التعليم لا تضمن إستمرار التعلّم الكافي في السنوات اللاحقة؛ إن المعايير الثقافية يُمكنها، وفي مصر، أن تضع حواجز أمام إحراز تقدم كبير في التعلم بين الإناث. والنتائج، التي قد تبدو اليوم وكأنها مسارٌ إيجابي لإستمرار تنمية رأس المال البشري، لن تبدأ، حتى في ظل أفضل الظروف، التحوّل إلى تمكينٍ إقتصادي لسنوات عدة مقبلة.
في الوقت نفسه، فإن غالبية النساء المصريات البالغات ما زلن لم يتمكنّ حتى من الحصول على تعليم ثانوي. وبالتالي فإن النساء المصريات يشكلن أقلية في القوى العاملة المهنية. وتتركز سُبل معيشة النساء العاملات بشكل كبير في القطاعات الإقتصادية الأكثر دينامية وإستقراراً: تعمل أكثر من 40 في المئة منهن في الزراعة، حيث من المتوقع أن تتركز آثار سلبية مختلفة لتغيّر المناخ.
والتركيز الكبير على القوى العاملة النسائية في الزراعة أمرٌ مثير للسخرية لأن المرأة تشكّل أقلية صغيرة من حيث ملكية الأراضي الزراعية. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية، فإنهن يشكلن 5 في المئة فقط من أصحاب الأراضي الزراعية بينما يشكل الرجال 95 في المئة. وكثيراً ما تُحرَم المرأة من الوصول إلى الميراث في مصر، ولا سيما إذا كان أرضاً أو ممتلكات أخرى. وهذه الممارسة مُقلقة لأن ملكية الأصول المالية ضرورية للمرأة لممارسة نشاطها، وإتخاذ قرارات بشأن حياتها، أو متابعة الفرص التعليمية، أو تمويل الأعمال الحرة، أو ببساطة الحصول على بعض الأمن المالي. ويبدو أن البرلمان المصري يحاول، ولكن بحياء وخجل وربما فقط بشكل سطحي، مكافحة هذه الممارسة الثقافية المُدمّرة التي، في صميمها، هي فساد مالي.
وهذا الوضع العام للمرأة المصرية في الزراعة يثير القلق لسبب مهم آخر. ستظل أسعار المواد الغذائية مرتفعة ويمكن أن ترتفع إلى أبعد من ذلك في المستقبل المنظور في مصر. وبلغت معدلات التضخم ذات الرقمين الآن أكثر من 30 في المئة – أي أكثر من ضعف ما كانت عليه في تشرين الأول (أكتوبر) 2016 – وهي تمثّل الذروة منذ ثلاثة عقود. إن إستمرار الإعتماد الشديد على إستيراد الأغذية بالإضافة إلى ضعف الجنيه المصري سيسمحان بإستمرار التضخم المرتفع. وتتعرض النساء الريفيات في الزراعة، اللواتي عادة ما يكنّ عاملات موسميات بأرباح غير مستقرة، لإنعدام الأمن الغذائي، مما يُقوّض جميع مجالات الحياة.
إن حيازات الأراضي الصغيرة، وعمليات الإنتاج والعمل الموسميين، والأرباح غير المستقرة هي التي تُميّز معظم الزراعة في مصر، الأمر الذي يترك ملايين النساء اللواتي يعتمدن على هذا القطاع من أجل كسب رزقهن في حالة فقر. وفي حين لا توجد أرقام دقيقة، يمكننا أن نُقدر بثقة أن نحو 27 مليون أنثى تعيش في المناطق الريفية، على أساس النسبة الوطنية للإناث للذكور، وعلى نسبة سكان الريف في البلد. ويمكننا أن نُقدّر معدل الفقر في المناطق الريفية – 32 في المئة – وأن حوالي 8 ملايين امرأة ريفية (كثيرات يعملن في سن تقل عن 15 سنة) فقيرات – بمن فيهن العاملات في الزراعة. ويتراوح متوسط الأجر اليومي للعامل الزراعي الموسمي في مصر بين 5 و8 دولارات؛ وعادة ما يكون أقل بالنسبة إلى النساء مقارنة بالرجال.
ويشكل تغيّر المناخ مخاطر كبيرة على الوضع الإجتماعي والإقتصادي الهش أصلاً بالنسبة إلى كثير من النساء المصريات في المناطق الريفية. إن الزراعة في مصر مُعرّضة بشكل خاص لموجات الحرارة المُتصاعدة، وإنخفاض هطول الأمطار، والأحداث المناخية الجافة والرطبة الأكثر كثافة، وإنخفاض الأراضي الزراعية الرئيسية في دلتا النيل عن إرتفاع مستوى سطح البحر. وستعاني النساء الريفيات اللواتي يعانين من أمية عالية، ولا يملكن إلا القليل من المال، وضعف القدرة على التنقل الاقتصادي والتكيّف، أكثر من غيرهن جراء هذه الآثار.
ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى سياسات التنمية المستدامة وتغيّر المناخ في مصر؟ إن الجدية في بناء القدرات على التكيّف مع تغيّر المناخ وفي التنمية ذات القاعدة العريضة الحاسمة تتطلب إعطاء الأولوية للتحسينات ليس فقط في الزراعة عموماً، بل أيضاً في حياة النساء الريفيات على وجه الخصوص. ولا يزال الاهتمام المُتعَمَّد، على نطاق واسع، بالنسبة إلى إحتياجات العاملات الريفيات في مجال التكيّف وبناء القدرات، غائباً عن جدول أعمال السياسات الجنسانية والتنمية في مصر. ومع ذلك، فإن الإنصاف بين الجنسين شرط ضروري، وليس ترفاً يُمكن أن تسير مصر من دونه، لكي يكون أي إطار إنمائي مستداماً. ولا سبيل غير ذلك إذا كان الهدف هو الحدّ بشكل كبير من الفقر مع إستمرار حدوث آثار تغيّر المناخ.

• أمل قنديل باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهي متخصصة في الإقتصاد السياسي في الشرق الأوسط، وبخاصة في مجالات المياه والأمن الغذائي والزراعة وتغير المناخ، وقضايا الفقر والتنمية الريفية. وقد تركز عملها على مصر، وكذلك على الأردن وسوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى