السيسي يُوَسِّع سلطته لترسيخها في البلاد وعلى العباد

تشكّل محاولة النظام المصري تمديد الولاية الرئاسية إلى ست سنوات، خطوة إضافية لترسيخ قبضته على الرئاسة والبلاد بعد العباد. التقرير التالي يحاول تحليل هدف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من وراء ذلك.

الرئيس عبد الفتاح السيسي: هل يزيل آخر إنجارات ثورة 2011؟

بقلم ماجد مندور*

مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية المصرية المُزمع إجراؤها بين شباط (فبراير) وأيار(مايو) 2018، تقدّم النائب المصري إسماعيل نصر الدين بإقتراحٍ لتعديل المادّة 140 من الدستور المصري، بغية تمديد الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، ما يؤدّي إلى تأجيل الإنتخابات حتى العام 2020. وفي حال تم تمديد الولاية الرئاسية، فسوف تعود إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ما يعني فعلياً القضاء على أحد إنجازات ثورة 2011، التي أدّت إلى إضعاف نفوذ الرئاسة. وعلى الرغم من أن الرئيس عبد الفتاح السيسي عمد إلى ترسيخ سيطرته على وسائل الإعلام والمجتمع المدني، ولجأ إلى إضعاف المعارضة عن سابق تصوّر وتصميم خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلا أن التعديل المُحتمَل يشي بأنه يسعى إلى تعزيزٍ إضافي لنفوذ الرئاسة التي يتولاّها حالياً.
بموجب المادة 226 من الدستور المصري، يجب أن توافق أكثرية الثلثَين في مجلس النواب أولاً على التعديل، على أن يتم التصويت عليه لاحقاً في إستفتاء وطني. في حال طُرِح التعديل على التصويت، فغالب الظن أنه سيتم إقراره، فقد حصل إقتراح نصر الدين على دعم واسع من تحالف “تحيا مصر” الإنتخابي الذي يمتلك أكثرية المقاعد وتجمعه روابط وثيقة بالأجهزة الأمنية الموالية للسيسي. من جهة أخرى، عبّر بعض الأعضاء البارزين في تكتّل ” 25 – 30″، وهو عبارة عن تكتّل فضفاض من النواب المستقلين يؤدّي دور المعارضة في البرلمان، عن إعتراضه على الاقتراح. غير أن التصويت على نقل جزيرتَي تيران وصنافير إلى السعودية، والذي إنقسم الدعم له حول خطوط متشابهة، يؤشّر إلى أنه من المرجّح أن يمرّ أيضاً التصويت على الإقتراح المذكور، لا سيما على ضوء الحجم الصغير للمعارضة، والسيطرة الواسعة التي يفرضها تحالف “تحيا مصر” على مجلس النواب، والدعم من رئيس البرلمان علي عبد العال.
طُرِحت مسألة تمديد الولاية الرئاسية من قبل، مع العلم بأنها فشلت في توليد الدعم الكافي، وكانت هناك خشية من أن يتسبّب هذا الطرح بغضب شعبي. ويرجّع إقتراح نصر الدين صدى التصريحات الصادرة سابقاً عن السيسي نفسه الذي لمّح في أيلول (سبتمبر) 2015 إلى أن الدستور، الذي قال أنه وُضِع ب”حسن نية”، يحتاج إلى التعديل من أجل بناء دولة مركزية قوية. ويندرج ذلك في إطار خطاب النظام الثابت، الذي يُرجَّع صداه من خلال الدعوات المتكررة التي يطلقها المشترعون لتعزيز سلطة الرئاسة. لكن حتى في المرحلة الراهنة، فيما يحظى الإقتراح بمزيد من الدعم في مجلس النواب، لم يقل نصر الدين كلاماً واضحاً إذا كان البرلمان سيناقش التعديل هذا العام أو حتى إذا كان التعديل ينطبق على ولاية السيسي الراهنة أم فقط على الولاية الرئاسية في المستقبل. ويعكس هذا الإلتباس المخاوف من ظهور معارضة شعبية، وهو عاملٌ مهم في حسابات النظام، إنما أيضاً المخاوف من تنامي المعارضة في أوساط النُخب. على سبيل المثال، عبّر عمرو موسى، وزير الخارجية سابقاً في عهد حسني مبارك والمرشح للرئاسة في العام 2012، عن إعتراضه على التعديل المُقترح، وكذلك إعترض عليه أحمد شفيق، الفريق في سلاح الجو الذي تولى رئاسة الوزراء لفترة وجيزة في عهد مبارك وكان أيضاً مرشحاً للرئاسة في العام 2012.
يهدف التعديل إلى إقتراح خيار تأجيل الإنتخابات وليس إلغاؤها، على الرغم من أن إنتخاب السيسي لولاية ثانية أمرٌ محتوم. فمن شأن حملة القمع التي يشنّها ضد وسائل الإعلام والمجتمع الأهلي، بما في ذلك إغلاق أكثر من 57 موقعاً إلكترونياً إخبارياً وإعلامياً على خلفية إتّهامها بدعم الإرهاب في أيار (مايو) 2017، أن تضمن هذا النصر. كان عددٌ كبير من هذه المواقع يوجّه إنتقادات للنظام، والأهم من ذلك، كان يؤمّن منبراً للكتّاب المستقلّين الذين لم يكن النظام قادراً على السيطرة على آرائهم. فضلاً عن ذلك، أحكمَ النظام قبضته على المجتمع المدني، لا سيما عند إقرار القانون الجديد للمجتمع المدني في 24 أيار (مايو) 2017، والذي يُتَوَقَّع أن يؤدّي إلى تضييق الخناق على عمل المنظمات الأهلية. يفرض القانون على المنظمات غير الحكومية الحصول على موافقةرسمية لنشر الإستنتاجات التي يتم التوصل إليها في إستطلاعات الآراء أو البحوث الميدانية التي تجريها – إذاً لم يعد بالإمكان نشر أي تقارير مُحتَمَلة عن تزوير الإنتخابات أو المخالفات في الحملات الإنتخابية من دون التعرّض لعقوبات شديدة. كما أن القانون الجديد يفرض غرامات طائلة وعقوبات بالسجن لفترات طويلة مقابل مخالفات مالية بسيطة، ويمنح الدولة سيطرة على تمويل المنظمات غير الحكومية من المصادر المحلية والدولية على حد سواء.
من جهتها، تبقى المعارضة ضعيفة، وعرضة للضغوط من النظام، ومن غير المرجّح أن ترصّ صفوفها، سواءً للتصدّي بطريقة فعّالة لإعادة إنتخاب السيسي أو لمعارضة التعديل الدستوري. لقد تسبّبت السياسات الحكومية بزرع الإنقسام في صفوف المعارضة وإضعافها. على سبيل المثال، زجّت قوانين الانتخابات للعام 2015 بالأحزاب الصغيرة في وضعية غير مواتية، ما جعلها مُرغمةً على التنافس على الموارد، وأفضى إلى خفض تمثيلها في برلمان ضعيف خاضع لسيطرة تحالف “تحيا مصر” المُوالي للسيسي. والمعارضة الإسلامية في حالة أكبر من الضياع والتشتت. كيانها السياسي الأكبر حجماً، جماعة “الإخوان المسلمين”، محظور ويُصنَّف في خانة التنظيمات الإرهابية. والتيار السلفي، الذي يمثّله حزب النور، في شكل أساسي، في الميدان السياسي، فقدَ الجاذبية التي كان يتمتع بها في العامَين 2011 و2012، وخير دليل على ذلك أداؤه الشديد الرداءة في الإنتخابات النيابية في العام 2015.
حتى لو كانت الإنتخابات الرئاسية حرّة ونزيهة، فإن المعارضة لا تتمتع، سواءً كانت علمانية أو إسلامية، بالجاذبية أو وحدة الصف كي تخوض، ولو في الشكل فقط، حملة ضد موارد النظام المتفوّقة، وسيطرته على وسائل الإعلام، وقدرته على قمع المجتمع المدني وخنق الإحتجاجات. وعلى الرغم من أن المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي دعا المعارضة المدنية إلى رصّ صفوفها خلف مرشح واحد في أيار(مايو) 2017، إلا أنها لم تُبادر بعد إلى إختيار مرشح. وحتى لو تمكّنت المعارضة من الوقوف صفاً واحداً، فليست هناك خيارات واضحة. لقد أجهز صباحي على حظوظه بالترشح للانتخابات منذ أصبح شخصية مُثيرة للإنقسام بسبب مشاركته في السباق الرئاسي في العام 2014، والذي رأى فيه كثرٌ وسيلةً لإضفاء شرعية على إنتخابات مُزوّرة. أما خالد علي، الناقد المخضرم للنظام الذي لاقى إهتماماً كبيراً من الرأي العام لقيادته المعركة القانونية ضد نقل جزيرتَي تيران وصنافير إلى السعودية، فقد أُدينَ بالإخلال بالآداب العامة، وبانتظار النتيجة التي ستتأتّى عنها معركته القانونية، سوف يتم تجريده من أهلية الترشح للانتخابات في حال أصبح سجلّه الجنائي مُلطّخاً. ومحمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، وهو من الذين يوجّهون إنتقادات شديدة للحكومة حيث جُرِّد من مقعده في شباط (فبراير) الماضي بتهمة “تحقير مجلس النواب”، فقد أعرب عن نيّته الترشح لكنه لا يحظى بالدعم الكافي بما يتيح له إمتلاك حظوظ حقيقية في المنافسة.
إذا أُجريت الإنتخابات الرئاسية في العام 2018، فسوف تَحدُث في خضم ظروف إقتصادية وأمنية تشهد تدهوراً سريعاً، وعلى وقع معارضة علنية – ليس فقط في أوساط الرأي العام، إنما أيضاً في السلك القضائي وفي صفوف النخب السياسية والعسكرية – لقرار النظام المُثير للجدل بنقل جزيرتَي تيران وصنافير الواقعتَين في البحر الأحمر إلى السعودية. والواقع أن هذه المسألة تُلحق ضرراً شديداً بالسردية التي يروّج لها النظام مدّعياً من خلالها أنه حامي الأمّة. على سبيل المثال، من الإتهامات التي تُستخدَم لتبرير الإنقلاب على “الإخوان المسلمين” الزعم بأنهم خططوا لبيع سيناء أو قناة السويس إلى قطر. ومن شأن الانتخابات أن تتيح شيئاً من التدقيق في سجل السيسي، وتلفت الانتباه إلى تراجع شعبيته منذ العام 2014، وهو ما أقرّ به بنفسه وما أكّدته إستطلاعات الرأي التي جرت بإشراف حكومي.
حتى لو كانت إعادة إنتخاب السيسي أمراً مؤكّداً، فمن شأن تمديد الولاية الرئاسية أن يجعله يُفلت من التدقيق العام المحتمل أو حتى أن ينجو من إحراج صغير مشابه لما جرى في الإنتخابات الرئاسية في العام 2014، عندما تحدّى صباحي السيسي داعياً إياه إلى مواجهته في مناظرة، غير أن الأخير رفض حضورها. ومن شأنه أن يؤدّي أيضاً إلى تعزيز نفوذ الرئاسة ويُجنِّب النظام التلهّي في حملة تأتي في توقيت غير مناسب ويُمكن أن تلفت الأنظار إلى سجلّه المتفاوت في الشؤون الاقتصادية والأمنية. وعلى الرغم من أن النظام يُحكِم سيطرته على الميدان السياسي، إلّا أنه يبدو أنه يناور من أجل كسب الوقت. فإرجاء الانتخابات يمنح السيسي على الأقل سنتَين إضافيتين لإحكام قبضته أكثر على السلطة قبل أن يلوح في الأفق أيّ مظهر من مظاهر السجال الإنتخابي.

• ماجد مندور محلل سياسي وكاتب عمود “سجلات الثورة العربية” ” Chronicles of the Arab Revolt” على موقع “أوبن ديمقراسي” (Open Democracy) وكاتب على موقع “صدى” التابع لمركز كارنيغي للسلام. لمتابعته عبر تويتر: MagedMandour@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى