مَن يُنقِذ سعد الحريري من المشاكل الإقتصادية والعقبات السياسية التي تواجهه؟

يواجه رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري حصاراً ومعضلة صعبة أفقداه الكثير من رصيده الشعبي، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدانه العديد من المقاعد النيابية إذا لم يتمكن من إدارة مشاكله وحل العقبات التي تعترضه في الوقت المناسب كما يفيد التقرير التالي:

الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري: ما هو هدف تعزيز تحالفهما السياسي؟

بيروت – رئيف عمرو

منذ تسلمه منصب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، واجه سعد الحريري عدداً من المعضلات. إن قدرته على الإستمرار في إدارتها سيكون لها تأثير في شعبيته السياسية في الفترة السابقة للإنتخابات البرلمانية في لبنان، والتي من المقرر أن تجري، بعد تأجيلات متعددة، في ربيع العام المقبل.
ويُمكن تلخيص مشاكل الحريري بإيجاز عادل إلى حد ما. إن الإفلاس الأخير لشركته “سعودي أوجيه”، وهي واحدة من أكبر الشركات السعودية، قوّض مصداقيته، ولكن أيضاً الأهم من ذلك قوة قيادته. وهذا هو السبب في أن الأولوية الأولى لرئيس الحكومة اليوم هي البقاء في منصبه، وإعادة تشكيل شبكات المحسوبية التي من شأنها أن تسمح له بتمويل حملاته السياسية والإحتفاظ بقاعدة سياسية متينة في مجتمعه السنّي.
ومع ذلك، فإن هذا الإصرار على البقاء في منصبه هو أيضاً يُعتَبَر ضعفاً. إن منافسيه الرئيسيين، وخصوصاً “حزب الله”، يفهمون أن الحريري سيبذل قصارى جهده لتجنّب أي مواجهة قد تُسقِط حكومته. وهذا يعني أن الحزب الشيعي في وضعٍ يسمح له بالضغط وعرض مطالبه عليه. وبالمثل، فإن الحريري، الذي عزّز تحالفه السياسي مع رئيس الجمهورية ميشال عون، هو أيضاً عرضة لشروط العماد التي قد يفرضها عليه.
وهذا الوضع يبعث على الأسى والقلق لدى القاعدة المجتمعية لرئيس الوزراء، حيث يرغب الكثيرون في الطائفة السنية منه إتباع نهج أصلب وأكثر مواجهة مع “حزب الله” والرئيس عون. إلّا أن ذلك قد لا ُيهدّد الحكومة فحسب، وبالتالي مستقبل الحريري السياسي، بل يُمكن أن يزيد التوتر الطائفي في لبنان في وقت تقترب البلاد بشكل خطير من الإنهيار الإقتصادي.
ومما يزيد الأمور سوءاً بالنسبة إلى الحريري تطوران آخران. أولاً، إن محاكمة المشتبه بهم في إغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 تمضي قُدُماً، حيث إتُّهم عدد من أعضاء “حزب الله” بالمشاركة في الجريمة. في هذا السياق، يأتي تعاون الحريري مع الحزب في الحكومة ضد رغبة محازبيه الذين يرفضون ذلك.
وفي الوقت نفسه، فإن حرص رئيس مجلس الوزراء اللبناني على المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سوريا لا يقل إثارة للجدل. إن مثل هذه العملية ستُعزّز بلا شك نظام بشار الأسد، بحيث يبدو أن حماس الحريري يشير إلى تخليه عن السوريين المعارضين للنظام، على الرغم من إدعاءاته العكسية. ولهذا السبب عندما رد الحريري سلباً على إجتماع عُقد أخيراً بين وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ونظيره السوري وإنتقده، فإن غضب رئيس الحكومة لم يكن مُقنعاً جداً.
الواقع أن الحريري ضحية تطورين متزامنين. أولاً، تغيير القيادة في المملكة العربية السعودية، الراعي الإقليمي لرئيس الوزراء. فالقيادة الجديدة لم تكن راغبة في دفع المال لحلّ مشاكل حليف سياسي في الوقت الذي تواجه السعودية تحديات إقتصادية. كان هذا سبباً رئيسياً وراء استمرار المملكة في مواجهة “سعودي أوجيه”، على الرغم من ولاء الحريري.
كما دفع الحريري ثمن غيابه الطويل عن لبنان بين عامي 2011 و2016، الذي دمّر شبكاته السياسية. خلال فترة حساسة جداً للبلاد، مع إندلاع الحرب في سوريا، لم يكن موجوداً أبداً. وقد تفاقم ذلك بسبب نقص المال وبالتالي تقلص مدى رعاية الحريري لمحازبيه ومؤيديه، حتى أنه عندما عاد إلى لبنان في أواخر العام الماضي، كان فقد الكثير من التعاطف.
وعلى رغم جميع الإنتقادات الموجهة إليه، فقد أبدى الحريري سمات محترمة أيضاً. فوسط دعواتٍ لرفع الحرارة ضد “حزب الله”، فقد أدرك رئيس الوزراء بأن مثل هذا النهج سيفشل تقريباً في تغيير سلوك الحزب، بالإضافة إلى زيادة التوترات الطائفية. وبعبارة أخرى، فقد تجنب اللعبة الشعبوية المدمرة، بغض النظر عما يفعله ذلك لجاذبيته الشعبية.
كما حاول الحريري الحفاظ على الصداقة عبر الطائفية مع الطائفة المارونية من خلال تقاربه مع عون وصهره باسيل. ويبدو أن رئيس الحكومة حاول أن يلعب لعبة التثليث، واضعاً نفسه بين رئيس الجمهورية و”حزب الله”. في حين أن هذا الأمر لم ينجح، ولا يزال الحليفان الأخيران حليفين، فربما كان حساب الحريري هو أن المسافة بين هذين الحليفين ستتوسع مع دفاع عون عن الرئاسة ضد “حزب الله” الحريص دائماً على تقويض المؤسسة لتحقيق مكاسبه الخاصة.
ولعل أكبر تهديد للحريري هو الإقتصاد. لم يتمكن رئيس الوزراء من إدخال الإصلاحات التي تشتد الحاجة اليها فى نظام إقتصادي يُعاني من الفساد والديون. وإذا إنخفضت قيمة الليرة، فمن المرجح أن يدفع الحريري أثقل الأثمان، نظراً إلى أنه يُعتبر المراقب والحارس للسياسة الإقتصادية السليمة. إن مصير “سعودي أوجيه” لن يكون مطمئناً في هذا الصدد، ولكن السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكان الحريري إستخدام المخاوف المتزايدة من الإفلاس الوطني لتعزيز يده السياسية.
لقد إتهم البعض الحريري بالرغبة في تأجيل الانتخابات حتى لا يظهر مقدار الدعم الذي فقده. ولكن القرار لن يكون له. إذا كان على المرء أن يُخمِّن ويتوقع، فإن معضلاته تعني أنه سوف يفقد العديد من المقاعد البرلمانية في العام 2018.
لا يزال الحريري معتدلاً صادقاً، لكنه يجب أن يقلق أيضاً من أن يصبح سياسياً عاجزاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى