تونس تعود إلى سابق عهدها؟

تسبب التغيير الحكومي، وقانون المصالحة الإدارية، وتأجيل الانتخابات في تونس بتعاظم الإستياء العام من الأوضاع التي يُنظَر إليها بأنها عودة إلى نظام زين العابدين بن علي السابق.

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد: خسر من شعبيته كثيراً بسبب الحكومة الجديدة.

بقلم أمير الصفاقسي*

في 11 أيلول (سبتمبر) 2017، وافق مجلس نواب الشعب التونسي على الحكومة الجديدة التي شكّلها رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وهي المرة الثامنة التي تشهد فيها البلاد تغييراً حكومياً منذ الثورة في العام 2011. على الرغم من أن الشباب التونسي أبدى تفاؤله بدايةً حيال الشاهد لدى تسلّمه رئاسة الوزراء في آب (أغسطس) 2016 بسن الأربعين، إلا أنهم يشعرون الآن بخيبة الأمل من حكومته الجديدة التي تضم وزراء كانوا جزءاً من النظام القديم في عهد زين العابدين بن علي. لقد أعلن الشاهد، في الكلمة التي ألقاها في مناسبة تقديم الحكومة الجديدة إلى البرلمان، أنه يُنتظَر من “حكومة الحرب” التي يرأسها مكافحة الفساد، ومعالجة الإضطرابات الإجتماعية في المناطق الداخلية، والقيام بإصلاحات “مؤلمة”. لكن في الأسبوع عينه، طرح تطوّران سياسيان غير شعبيَّين إلى حدّ كبير، علامات إستفهام حول الإنتقال الديموقراطي في تونس. ففي 13 أيلول (سبتمبر)، أقرّ البرلمان قانون المصالحة الإدارية، الذي يمنح العفو لمسؤولين من النظام القديم يُشتبَه في تورّطهم في صفقات الفساد أو ضالعين في هذه الصفقات، في حال أقدموا على إعادة الأموال إلى الدولة. بعد بضعة أيام، في 18 أيلول (سبتمبر)، عمدت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات إلى إرجاء الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في كانون الأول (ديسمبر)، وذلك إلى أجل غير مسمّى. لقد تسبّبت هذه الخطوات بتعاظم الإستياء العام، وأثارت مخاوف من أن الحكومة المعيَّنة حديثاً قد تدشّن حقبة جديدة من السلطوية.
يبدو أن حكومة الشاهد الجديدة تُبقي على الوضع القائم، بيد أن نظرة عن كثب إلى التعديل الوزاري تُظهر ترسيخ حزب “نداء تونس” لموقعه، والمحاولات التي يبذلها رئيس الجمهورية من أجل تعزيز السلطة التي يتمتع بها منصب الرئاسة. في حين أن الحكومة الجديدة تحتفظ بحقائب وزارية للشركاء الآخرين في إئتلاف حكومة الوحدة – بما في ذلك وزراء من “النهضة”، و”آفاق تونس”، و”المسار”، و”الجمهوري” – إلا أنها تتضمن عدداً أكبر من المستقلين الذين تجمعهم روابط أوثق بحزب “نداء تونس”. ومن الوزراء الذين أُخرِجوا من الحكومة وزيرتان هما سيدة الونيسي، كاتبة الدولة في وزارة التكوين المهني والتشغيل، من “حزب النهضة” الإسلامي، وفاتن قلال، كاتبة الدولة في وزارة شؤون الشباب والرياضة، من حزب “آفاق تونس”. وقد أُبقي على وزراء آخرين من حكومة الشاهد السابقة – بينهم رياض المؤخر، وزير الشؤون المحلية، ومهدي بن غربية، الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان – على الرغم من الإشتباه في ضلوعهم في الفساد. ومن الوزراء الجدد وزير التربية حاتم بن سالم، وهو شخصية مستقلة تولّى الحقيبة الوزارية نفسها في عهد بن علي من العام 2008 إلى العام 2011، ويعتبره كثرٌ مدافعاً عن النظام السابق نظراً إلى مواظبته على إنكار إنتهاكات نظام بن علي لحقوق الإنسان. أما وزير المالية الجديد، رضا شلغوم، وهو أيضاً شخصية مستقلة وكان يتولى الحقيبة الوزارية نفسها في عهد بن علي، فهو مقرّب من أسرة بن علي، ويُشتبَه في أنه ساعدها على كسب ثروة غير مشروعة قبل الثورة.
لكن على الرغم من أن التعديل الوزاري جعل الشاهد يتعرض لسهام الغضب العام، إلا أنه ليس على الأرجح المهندس الحقيقي لهذا التعديل. بل إن تدخّل الرئيس باجي قائد السبسي واضح في الخيارات الوزارية. كان العديد من المعيَّنين الجدد، مثل وزير المالية رضا شلغوم ووزير الصحة العامة سليم شاكر، مستشارين رئاسيين سابقاً. ويُعرَف أيضاً عن وزير الدفاع عبد الكريم زبيدي ووزير الداخلية لطفي براهم أنهما مقرّبان من حزب “نداء تونس”، ومن السبسي شخسياً. لعلها محاولة من الرئيس التونسي لممارسة تأثير على مزيد من المؤسسات الحكومية، لا سيما منذ خسارة “نداء تونس” أكثريته البرلمانية بسبب إنقساماته الداخلية إعتباراً من العام 2014 – من 85 مقعداً من أصل 217 إلى 58 مقعداً، ليحتل المرتبة الثانية بعد “حزب النهضة” الذي حصل على 68 مقعداً. ومن المرتقب أيضاً من نجل الرئيس، حافظ قائد السبسي، وهو شخصية مثيرة للجدل تسبّبَ بظهور الانقسامات داخل حزب “نداء تونس” من خلال سعيه إلى السيطرة على قيادته – أن يشقّ طريقه نحو البرلمان. بعد يوم واحد من التعديل الحكومي، أعلن “نداء تونس” أن حافظ السبسي هو مرشّحه لملء المقعد البرلماني الذي أصبح شاغراً مع قيام الشاهد بتعيين حاتم الفرجاني، الذي كان نائباً في كتلة “نداء تونس”، كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية. وقد إعتبر المجتمع المدني أن هذا التعيين هو خطوةٌ إضافية تندرج في إطار المحسوبيات التي يمارسها الرئيس ونجله.
وتعكس المحاولات التي يقوم بها السبسي لتعزيز مكانته ومكانة حزبه في الحكومة، إعتقاده بأن دور الرئيس”محدود” جداً في المنظومة شبه البرلمانية في تونس. وقد أشار أيضاً إلى أنه ربما حان الوقت للنظر في تعديل الدستور من أجل منح السلطة التنفيذية مزيداً من الصلاحيات. ويظهر تأثيره أيضاً في المبادرتَين الأخيرتين. يستند قانون المصالحة إلى النص الذي قدّمه الرئيس إلى مجلس النواب في العام 2015، مع العلم بأن البرلمان قام بتعديله لينطبق فقط على المسؤولين العامين، وليس على رجال الأعمال، من حقبة بن علي. وقد إنتقد المجتمع المدني الحكومة لأنها ضغطت على البرلمان لإقرار مشروع القانون بدلاً من إعطاء الأولوية للتشريعات التي تُعتبَر أكثر إلحاحاً – مثل قانون السلطات المحلية المعروف بمجلة الجماعات المحلية – وتمهيد الطريق للإنتخابات عبر تعيين أعضاء جدد في الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات للحلول مكان أولئك الذين قدّموا إستقالتهم في أيار (مايو) الماضي. وكان يُتوقَّع من الإنتخابات المحلية تحويل السلطة بعيداً من الحكومة المركزية ونقلها إلى السلطات في المناطق، لكن إنطلاقاً من الحسابات السياسية التي إرتأت أن حزب الرئيس لن يتمكّن من الحصول على مقاعد كثيرة في تلك الفترة الزمنية، إختار حزب “نداء تونس” والحكومة التي يقودها إرجاء الإنتخابات.
على الرغم من أن هذه الإصلاحات تعكس بصورة أكبر تأثير السبسي، إلا أن الشاهد مرغَم على القبول بها ودعمها، فمع أنه أصبح أكثر شعبية في أوساط التونسيين بعد إعلانه حربه على الفساد في أيار (مايو) 2017، لا يزال يعتمد على رئيس الجمهورية للحصول على الدعم السياسي. لقد عرّضه الوضع الاقتصادي والسياسي المشحون الذي تتخبط فيه البلاد، للإنتقادات من داخل حزبه السياسي ومن قادة المعارضة. علاوةً على ذلك، تتسبب الإصلاحات الأخيرة بإضعاف الدعم الذي يقدّمه مجلس النواب لرئيس الوزراء وحزب “نداء تونس”، وتقويض الخطط الآيلة إلى تطبيق الإجراءات التقشفية المؤلمة التي يفرضها صندوق النقد الدولي في العام 2018. والهجوم الكبير الأحدث عهداً على الشاهد صدر عن حليفه المفترَض، “حزب النهضة”، الذي طلب زعيمه راشد الغنوشي من الشاهد أن ينسى أمر الترشح للانتخابات في العام 2019، محذّراً إياه من مغبة “إستغلال الوضع السياسي”. ليس أمام الشاهد من خيار سوى أن يكون “رجل الرئيس”، على الرغم من أنه يقضي بذلك على صورته في عيون التونسيين، لا سيما الشباب منهم.
لقد أدّى تأجيل الانتخابات المحلية، التي يُتَوَقَّع أن تساهم في تحفيز التنمية المحلية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المزرية في المناطق الداخلية التونسية التي تشهد تململاً وإضطرابات، وكذلك إقرار قانون المصالحة الإدارية الذي يثير جدلاً واسعاً، إلى زعزعة الثقة بالتزام الحكومة بالإنتقال الديموقراطي في تونس في شكل عام، وبحملة مكافحة الفساد في شكل خاص – ما جعل التونسيين، مرةً أخرى، في حالة من الغضب والحرمان من الحقوق.

• أمير الصفاقسي زميل في كلية فولبرايت في الجامعة الأميركية ومستشار في السياسات العامة. لمتابعته عبر تويتر: EmirSX@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى