المعرفة هي أهم وقاية من العنف في المنطقة

بقلم عمار الحلاق

في 18 أيلول (سبتمبر) الجاري، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي، مشروعاً للتعليم الإلكتروني العربي، ضمن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية.
وتسعى هذه المبادرة إلى خلق تحدٍ جديد يتمثّل بإنتاج 5000 فيديو و11 مليون كلمة في مجال العلوم والرياضيات، وفق أفضل المستويات العالمية، من خلال إيصال هذه العلوم عبر أحدث الطرق وأسهلها إلى 50 مليون طالب من صفوف رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، وتوفيرها إلكترونياً بشكل مجاني لكافة طلاب الوطن العربي، حيث تهدف إلى تحفيز جيلٍ عربيٍ جديد، يمتلك شغف التعلم والرغبة في نقل وتحويل واقع العلم في وطنه. وقد دعت الهيئة المُولَجة بالمشروع جميع أفراد المجتمع العربي الذين يمتلكون المهارات اللازمة لترجمة وتعريب الأعمال المُنَسَّقة للعلوم والرياضيات إلى الإنخراط في هذا المسعى.
وتعكس هذه المبادرة في الواقع إلتزام دولة الإمارات بالتعليم وفهمها الواسع بأن خط الدفاع الأول والأفضل ضد المشاكل الأكثر تعقيداً التي تواجه المنطقة هو إكتساب العلم والمعرفة.
أكثر من ذلك، إن فضائل التدريس باللغة الأم ليست فكرية فحسب، ولكنها أيضاً إجتماعية وإقتصادية. في عصر حيث يُتاح معظم المواد التعليمية على الإنترنت للشباب في اللغة الإنكليزية، فإن تحويل المحتوى التعليمي ونقله إلى العربية وإتاحته للأجيال المقبلة له أهمية قصوى، خصوصاً أننا نعيش في عصر من التغيّرات السريعة والإكتشافات العظيمة.
على مدى العقد الفائت، أبصر العديد من المبادرات التعليمية واللغوية الضوء، مما جعل دولة الإمارات مركزاً عالمياً للغة والثقافة العربية. وقد شملت هذه المبادرات ميثاق اللغة العربية في العام 2012، و”عام 2016… عام القراءة”، وكُشف النقاب عن مكتبة محمد بن راشد، التي سيتم ربطها رقمياً بمكتبات عدة في جميع أنحاء العالم، حيث تتيح تقاسم وإسترجاع مصادر نادرة وقيّمة من المعلومات كان من الصعب الحصول عليها. وهذا سيضمن الحفاظ المادي والرقمي للمعلومات وحماية اللغة العربية وكل هذه المعرفة للأجيال الآتية. وبالنسبة إلى “الأولوية الأولى فهي التعليم، والأولوية الثانية فهي التعليم، والأولوية الثالثة فهي التعليم” كما أكّد الشيخ محمد.
مع هذا المشروع، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، في خطوة بارعة، أعادت إرتباطها بقوة بالعصر الذهبي الإسلامي (القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر تقريباً) الذي أورث خزينة من المعرفة الواسعة للعالم مدعومة بروح مُتَّقِدة بالإستفسار والإستفهام والتحقيق. على مدى حوالي 500 سنة أو أكثر، كانت اللغة العربية، وفقاً للمؤرخين، تتماشى وتتناسب تماماً مع المساعي والمحاولات والأبحاث في مجالات العلوم والرياضيات التي كان يقودها الجوع إلى التعلّم والمعرفة.
ومن الجوانب الواضحة والبارزة لإتقان العرب للمعرفة كانت حركة الترجمة والتعريب التي بدأها حكام ذلك العصر، حيث كانت المعلومات العلمية باللغة العربية مُتاحة بلغات أخرى بينما قام العرب بالإستفادة من كنوز المعرفة الأجنبية من خلال تعريبها. وقد أثبتت تلك الفترة أن الحضارات يُمكن أن تتعاون، بدلاً من أن تتصادم، حيث رُسِمَت فضيلة الإثراء المُتبادَل وخُطِّط لها بشكل جيد بواسطة سياسة حكيمة ومسؤولين عرب حكماء الذين حققوا هذا التعاون بفطنة ملحوظة. على سبيل المثال، كان العرب هم الذين يسّروا وسهّلوا إنتشار نظام الرقم الهندي والحساب في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، فإن الدعوة إلى مشروع التعلم الإلکتروني للترجمة والتعريب وإعتباره إستراتیجیة أساسیة لديه صدى عمیق في التاریخ.
كما أن توقيت المشروع يشكّل أهمية حاسمة. لقد كشف العديد من الأبحاث والدراسات الإستقصائية عن الثغرات في مجال التعليم في المجتمعات العربية الحديثة. فعلى سبيل المثال، هناك 1 في المئة فقط من علماء عرب يساهمون في البحث والتطوير في العالم، في حين أن نوعية تعليم العلوم والرياضيات في المدارس في العالم العربي مُنِحت معدل 3.9 من أصل 7، وفقاً لتقرير المنتدى الإقتصادي العالمي.
ومن الواضح أنه لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به، ويبدو أن دولة الإمارات، وخصوصاً الشيخ محمد بن راشد، هي دائماً في الطليعة تقود الطريق إلى إحياء روح التعلم العربي وخلق المعرفة للأجيال لكي تستفيد وتُفيد.
ولكن هذا ليس كل شيء. إن الإصلاح التعليمي الأخير يُسلِّط الضوء على الدور المهم الذي سيؤديه هذا القطاع في مستقبل دولة الإمارات وفي مستقبل المنطقة العربية، لأنه لا توجد طريقة أفضل لمحاربة الجهل والتطرف والعنف أكثر من الثقافة والتعليم والمعرفة والتسامح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى