ما هو مستقبل قوات “الحشد الشعبي” في العراق؟

فيما تعمد الفصائل العراقية المُتحالفة مع إيران داخل ميليشيات “الحشد الشعبي”، إلى توسيع نفوذها السياسي، يعمل رئيس الحكومة حيدر العبادي في بغداد من أجل تعزيز الفصائل المنافسة لها ودمجها في الجيش.

رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي: العمل على إبعاد الهيمنة الإيرانية عن العراق

بقلم حمدي مالك*

في الأول من آب (أغسطس) الماضي، توصّلت الميليشيات المنضوية تحت لواء قوات “الحشد الشعبي” في العراق – بما فيها منظمة بدر، وكتائب “حزب الله”، وكتائب “سيّد الشهداء”، و”عصائب الحق”، و”جند الإمام” – إلى إتفاقٍ أوّلي مبدئي للترشّح على قائمة مُوحَّدة في الإنتخابات البرلمانية العراقية المُقبلة المُزمع إجراؤها في نيسان (إبريل) 2018. وهذه المحاولات التي تبذلها هذه الفصائل المدعومة من إيران لتشكيل كتلة سياسية، تُسلّط الضوء على الصراع حول ما إذا كانت قوات “الحشد الشعبي” التي تتألف من أكثرية شيعية، سوف تُستخدَم في شكل أساسي لتعزيز المصالح الإيرانية في المنطقة أو لتعزيز البُنى الأمنية العراقية.
الواقع أنه بعد ثلاث سنوات على إنشائها، فإن قوات “الحشد الشعبي” صارت تُشكّل قلب الصراع بين تيارَين في العراق. التيار الأول يسعى جاهداً إلى تحويل وقَولَبة الحشد على شاكلة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وجعله بديلاً من الجيش العراقي. وتُهيمن عليه شخصيات، على غرار أبو مهدي المهندس، تابعة للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وتحصل على الدعم المادّي منه. أما التيار الثاني فيُعارض هذا النهج، ويُحبِّذ الإندماج الكامل ل”الحشد الشعبي” في القوات المسلّحة. هذا التيار المدعوم من رئيس الوزراء حيدر العبادي، يتألف في معظمه من مجموعات خاضعة للإشراف وللتمويل الجزئي من مواقع دينية شيعية محلية تابعة لآية الله علي السيستاني.
لا شك أن التطلعات السياسية للفصائل المدعومة من إيران تُمثِّل تحدّياً مستمراً للجهود التي يبذلها العبادي من أجل دمج الحشد في الجيش. فهذه القوات تعتبر نفسها عنصراً أساسياً في “محور الممانعة” الذي تقوده إيران، وتضطلع بأدوار قتالية إضافية خارج الحدود العراقية. وقد أكّد علي الياسري، الأمين العام لسرايا الخرساني: “أينما كانت هناك حاجة إلينا، سوف نكون موجودين. فنحن نعمل إنطلاقاً مما تُمليه المصلحة العليا لمحور الممانعة”. نتيجةً لذلك، فإن هذه القوات لا تتبع بالضرورة أوامر القائد الأعلى العراقي، حيث أقدمت في مناسبات عدة على عصيان رئيس الوزراء حيدر العبادي. وذلك نابعٌ من إعتقادهم بأنهم مُلزَمون بإتّباع آية الله خامنئي لأنه الولي الفقيه، ووفقاً لإحدى المدارس الشيعية، ينبغي على جميع المؤمنين إتّباع تعليماته بغض النظر عن جنسيتهم. تقريباً جميع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تقرّ على الملأ بأنها تتبع المرشد الأعلى الإيراني، وبأن توجيهاته الدينية تحتل الصدارة المطلقة، حتى إنها تأتي قبل قانون الدولة العراقية. وأكّد قيس الخزعلي، الأمين العام ل”عصائب أهل الحق”: “عندما يتناقض القانون الديني مع قانون الدولة، فإن الكلمة الفصل هي للقانون الديني”.
ويُثير هذا الموقف سجالاً أكبر عندما تُؤخَذ في الإعتبار تطلعات قادة “الحشد الشعبي” التابعين لإيران الذين يسعون إلى السيطرة على المشهد السياسي. قال الخزعلي في الذكرى الثالثة لتأسيس الحشد في حزيران (يونيو) الفائت: “النصر العسكري من دون نصر سياسي ليس له معنى ولا قيمة”. وقد عمدت فصائل على غرار “عصائب أهل الحق” إلى تكثيف أنشطتها إستعداداً للإنتخابات البرلمانية في العام 2018. وسعت هذه المجموعات جاهدة، منذ آذار (مارس) 2017، إلى تشكيل كتلة سياسية مُوَحَّدة تعزّز موقعها في الإنتخابات المقبلة. ويبدو هذا الهدف، على ضوء الإتفاق الأخير، أكثر واقعية من أي وقت مضى. كما أنها عمدت إلى زيادة أنشطتها التواصلية وتوسيعها، على غرار تشكيل منظمات شبابية، وإلقاء خطابات في الجامعات، وعقد لقاءات مع وجهاء القبائل. وعلى الرغم من أن العبادي قد شدّد وكرر في مرات عدة على أنه لا يُسمَح لقادة الحشد، نظراً إلى صفتهم العسكرية، بالإنخراط في أي نشاط سياسي، فإنهم تجاهلوا هذا الحظر إلى حد كبير. بيد أن هؤلاء القادة يُشدّدون على أنه يجب السماح لهم بالمشاركة في السياسة طالما أنهم غير مسجَّلين رسمياً بصفة قادة عسكريين في “الحشد الشعبي”.
تحظى هذه الفصائل بالتأييد في أوساط الشيعة، الذين يرون فيها الجهة المُنقِذة للأمة، لأنها كانت القوة الوحيدة إلى جانب البشمركة الكردية التي إستطاعت وقف تقدّم تنظيم “الدولة الإسلامية” في صيف 2014. ووفقاً لإستطلاع أجراه أخيراً المعهد الوطني الديموقراطي، أبدى 97 في المئة من السكّان في المحافظات الجنوبية ذات الأكثرية الشيعية تأييدهم ل”الحشد الشعبي”. وبلغت نسبة التأييد لهادي العامري، الأمين العام ل”منظمة بدر”، 66 في المئة، بالمقارنة مع 52 في المئة لرئيس الوزراء الحالي العبادي. والعامري الذي تجمعه روابط وثيقة جداً بإيران، طُرِح إسمه في مرات عدة من جانب النوّاب الشيعة كمرشح لرئاسة الحكومة. لذا من شأن إنشاء كتلة موحّدة بقيادة “منظمة بدر” أن يزيد من حظوظه كمنافس أساسي للعبادي، على الرغم من أنه بإمكان الأخير أن يعوّل أيضاً على بعض الدعم من الجماعات السنّية.
في غضون ذلك، يحاول العبادي إبعاد تلك الفصائل من المنافسة عبر الإظهار بأنها ليست بحاجة إلى أن تكون مجموعات سياسية، وأنه من الأفضل إستخدامها كجزء من الجيش العراقي. وقد إشتملت الجهود التي بذلتها الإدارة العراقية من أجل منع هذه المجموعات من الإنخراط في السياسة، على قانون، تمت صياغته بلغة مُبهَمة، أقرّه مجلس النواب في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، وينصّ على أن الحشد الشعبي سيكون جزءاً من مؤسسة عسكرية مستقلة ضمن القوى الأمنية. وقد أصبح القانون أيضاً العائق الأساسي أمام حلّ الحشد ودمج مقاتليه في الجيش. وبدلاً من العمل على إبطال هذا القانون، يحاول رئيس الحكومة العراقية تعزيز وترسيخ فصائل الحشد غير المتحالفة مع خامنئي وتمكينها، بما فيها “لواء علي الأكبر” و”فرقة الإمام علي القتالية”. وأكبر هذه الفصائل هي “فرقة العباس القتالية” التي تضم أكثر من سبعة آلاف مقاتل في الخدمة الفعلية و40 ألف في الإحتياط. وفي هذا المجال، يحظى العبادي بالدعم من آية الله العظمى علي السيستاني، وهو أعلى سلطة شيعية في النجف. وعلى الرغم من أن النداء الذي وَجّهه السيستاني إلى العراقيين لحمل السلاح ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العام 2014 قد أدّى إلى إنشاء “الحشد الشعبي”، إلّا أن السيستاني إمتنع عن الإعتراف بالتنظيم بسبب هيمنة الفصائل الخاضعة لسيطرة إيران عليه. بدلاً من ذلك، عمد منذ العام 2014 إلى تشجيع إنشاء مجموعات عسكرية خاضعة للإشراف وللتمويل الجزئي من مواقع دينية شيعية محلية تحت رعايته، وذلك من أجل وضع حدٍّ للإحتكار الإيراني للفصائل الشيعية شبه العسكرية، وإبقاء قوات “الحشد الشعبي” تحت سيطرة المؤسسات العراقية. وتعمل فصائل قوات “الحشد الشعبي” التابعة للسيستاني عن كثب مع الجيش العراقي وليست لديها تطلعات سياسية. وعلى الرغم من أن بعض مقاتليها ترد أسماؤه على جدول الرواتب الخاص بالحشد الشعبي – الذي يُشرف عليه أبو مهدي المهندس – إلّا أن هذه الفصائل لا تتلقّى أوامرها من قادة الحشد المدعومين من إيران، حتى إنه لديها تعليمات محدّدة من السيستاني بعدم لقاء أي شخصية عسكرية غير عراقية أو المشاركة في الحرب السورية.
لقد وافق العبادي على دمج ألف مقاتل من “فرقة العباس القتالية”، وهي الفصيل الأكبر والأفضل تجهيزاً بين الفصائل التابعة للسيستاني، في الجيش العراقي. وفي هذا الصدد، سمحت الحكومة للفرقة تعبئة ثلاثة آلاف مقاتل إضافي من الإحتياط في تموز (يوليو) الفائت من أجل تدعيم قواتها في عملية تلعفر، الأمر الذي منح الفصائل الشيعية المنضوية في صف العراق أدواراً أكبر في العمليات. وقد يفسح ذلك في المجال أمام دمجٍ إضافي للفصائل الشيعية في الشرطة والجيش العراقيَّين، وهو ما تعارضه بشدّة الفصائل المدعومة من إيران. وإذا إستمرّت الحكومة في بذل جهود حثيثة في هذا الاتجاه، فقد يقود ذلك في نهاية المطاف إلى تسريح “الحشد الشعبي” وإلى وضع حدٍّ لآفاق ظهور قوة عقائدية مُلزَمة ومُلتَزِمة بإتباع تعليمات خامنئي. وتماشياً مع الفصائل التابعة للسيستاني التي أعلنت عن إستعدادها للإندماج في قوات الشرطة والجيش، فقد طالب أيضاً رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر – زعيم “سرايا السلام”، وهو فصيل ميليشياوي شيعي ضخم – بدمج مقاتلي الحشد الشعبي في القوات المسلحة العراقية.
غير أن الفصائل الموالية لإيران، التي ضمنت مكانة مستقلة لها في القانون الخاص ب”الحشد الشعبي”، ليست مُستعدّة للنظر في هذا الخيار، وهي بالتالي تطرح تحدّيات خطيرة أمام هذا النموذج. على سبيل المثال، على الرغم من أن “الحشد الشعبي” يحصل على 6 في المئة فقط من الإنفاق العراقي على الأمن، إلّا أن هيئة “الحشد الشعبي” التي تسيطر على الموازنة (التي بلغت 1.63 مليار دولار في العام 2017) تخضع لهيمنة الفصائل المدعومة من إيران. ويعمد أبو مهدي المهندس، قائد العمليات في هيئة “الحشد الشعبي”، إلى مكافأة الفصائل الموالية لطهران بطريقة غير متكافئة. وقد خاضت الفصائل التابعة للسيستاني، منذ العام 2015، سلسلة من الخلافات مع قادة هيئة “الحشد الشعبي” مُتّهمةً إياها بقطع الموازنة المخصصة لها ومصادرة أحد ألويتها.
في الوقت الراهن، يقع على عاتق العبادي بذل الجهود والحؤول دون سيطرة الفصائل المدعومة من إيران على المشهد السياسي، وسوف تحدّد إنتخابات 2018 إذا كان تياره هذا يحقق نجاحاً. لكن فيما يخسر تنظيم “الدولة الإسلامية”، العدو المشترك لفصائل “الحشد الشعبي”، آخر ما تبقّى له من الأراضي في العراق، فإن تلك الفصائل المدعومة من طهران سوف تضغط بقوة أكبر لتعطيل هذه الجهود. وإذا نجحت في تحقيق نجاح في تأدية دور سياسي أكبر وأوسع فإن ذلك سيؤدّي إلى توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة.

• حمدي مالك هو طالب دكتوراه في جامعة كيل في المملكة المتحدة، حيث يدرس التطورات الإجتماعية والسياسية للعراق ما بعد صدام. وهو مساهم منتظم في نبض العراق في “المونيتور”، وفي القسم الفارسي في “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي). لمتابعته عبر تويتر@HamdiAMalik:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى