الكويت تسير على حبل مشدود في الخليج مع إستمرار أزمة قطر

بعد وقوع الأزمة بين الدول الأربع، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، من جهة، وقطر من جهة أخرى، إستطاع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أن يكون وسيطاً ناجحاً بين الجانبين حيث رفع الآمال بقرب حلّ هذه الأزمة. لكن زيارته الأخيرة إلى واشنطن وتصريحاته التي أعلنها خلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس دونالد ترامب أثارت إستياء في الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة، الأمر الذي قد يعثّر مهمته على الرغم من تأييد واشنطن له.

الرئيس دونالد ترامب والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: تصريحات الأخير خلال المؤتمر الصحافي المشترك أثارت إستياء لدى الرياض وحلفائها

الكويت – علي الشعلان

أطلق اللقاء الذي عُقد أخيراً في البيت الابيض (في 7 أيلول (سبتمبر) الجاري)، بين أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة من النشاط الديبلوماسي. ولفترةٍ وجيزة، بدا وكأن هذا اللقاء قد يؤدي إلى فتح فجوة وإيجاد حلّ للنزاع الذي دام ثلاثة أشهر، حيث قسّم حلفاء واشنطن في الخليج العربي إلى فريقين: قطر من جهة، والتكتل الذي تقوده المملكة العربية السعودية ويشمل أربع دول من جهة أخرى .
مع ذلك، تراجعت الآمال عندما إنهارت الجهود وتحوّلت إلى مزيد من الإعلانات والإتهامات المضادة المريرة بين السعودية وقطر. ولكن هذه المرة، كان هناك تطور جديد في النزاع: بعضٌ من القدح والذم، على الرغم من صياغته بعناية في سمات ديبلوماسية، كان مُوجَّها إلى الكويت. وسلّطت هذه الحلقة الضوء على مدى حساسية الوضع بالنسبة إلى إمارة آل الصباح التي إضطلعت بدور الوسيط في الصراع الذي يُمزّق مجلس التعاون الخليجي.
كانت العلامات تبدو واعدة بعدما إلتقى أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد مع ترامب. بعدها إتصل ترامب بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفي اليوم التالي إتصل وتحدث الشيخ تميم بدوره مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الهاتف.
ولكن بعد ذلك بفترة وجيزة، تراجع الزخم وصار عكسياً.
بعد ساعات على المكالمة، ذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية ان الأمير تميم “رحّب بإقتراح “الامير محمد” بتعيين مبعوثَين للسلام. من جهتم كان السعوديون غاضبين، وإعتقدوا أن البيان القطري جعلهم يبدون وكأنهم يتنازلون. وأعلنت الرياض عن توقف الحوار وكل الإتصالات مع قطر.
هذه الأخبار كانت مثيرة للقلق بالنسبة إلى الكويت، التي تتوق إلى حلّ النزاع. ولكن كان الأشد قلقاً بالنسبة إلى الشيخ صباح الأحمد هو النقد المُوجَّه إلى بلاده من قبل حلفائه وأشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي.
كانت الدول الاربع – المملكة العربية السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة بالإضافة الى مصر – أصدرت بياناً مُشتركاً إنتقدت فيه بعض تصريحات امير الكويت خلال مؤتمره الصحافي مع ترامب. وخصوصاً عندما صرح بأن “الأزمة معقدة، لكن لا توجد عقدة ليس لها حل… المهم أننا نجحنا في وقف أي عمل عسكري خلال الأزمة الخليجية”. وقد رفضت الدول الاربع تصريح الأمير قائلة أن العمل العسكري لم يُدرس أو يُبحث أبداً. وبالإضافة إلى ذلك، فقد إعترضت على كلمات الأمير بشأن الطلبات ال13 التي قدمتها إلى قطر. والواقع أن تعليقات الأمير على هذا الموضوع، التي سُمعت من مترجم، بدت غامضة ومُربِكة، ولكن الدول الأربعة رفضت أي إقتراح بأن قطر يمكن أن تفرض أي شروط مُسبقة للمفاوضات.
من الصعب جداً على الكويت الصغيرة أن تُبحِر في هذا النزاع. مع عزم الأمير السعودي الشاب محمد بن سمان على عرض العضلات الإقليمية للمملكة، فإن قرار الكويت بعدم السير في ركب وخط الرياض هو أمر محفوف بالمخاطر.
محشورة جغرافياً بين ثلاث قوى أكبر بكثير – العراق وإيران والمملكة العربية السعودية – فإن الكويت تتمتع بخبرة وتجربة مع الدول المجاورة القوية وتريد أن يبقى مجلس التعاون الخليجي تحالفاً قوياً. كما أنها تُدرك وتتفهم إغراءات الدول القوية ومخاطرها، بعد أن حاول العراق إبتلاع الكويت بغزوها في العام 1990.
الشيخ صباح الأحمد، وزير خارجية سابق، هو مفاوض من ذوي الخبرة. وعلى الرغم من عمره البالغ 88 عاماً، فهو يدير هذه الأزمة شخصياً. وفي السادس من حزيران (يونيو)، بعد يوم على قيام المملكة العربية السعودية وحلفائها بقطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر، متهمةً إياها بدعم الإرهابيين وبتقربها من إيران، سافر الشيخ صباح إلى الرياض وأبو ظبي لإجراء محادثات، ثم توجه إلى قطر في محاولة حازمة لمنع تدهور الأزمة.
وعلى الرغم من أنه نجح في الحصول على موافقة الطرفين بأن يصبح الوسيط الرئيسي، فإنه لم يستطع إحراز أي تقدم إضافي يُذكر.
في الوقت عينه، فإن الضغط على الكويت آخذٌ في الإزدياد، مع تذكير منتظم بأنه من دون مساعدة المملكة العربية السعودية، قد لا تكون الكويت موجودة اليوم. وقد كتب الصحافي السعودي عبد الرحمن الراشد عن الأيام الأولى لإحتلال العراق للكويت، مذكّراً القراء – والكويتيين – بأن المملكة العربية السعودية، في إجتماع لمجلس التعاون الخليجي آنذاك، قد إنتقدت جهود قطر لربط دعم إستقلال الكويت بقضايا أخرى. وأشار الى أن الملك السعودي آنذاك الملك فهد إتخذ قراراً محفوفاً بالمخاطر وهو السماح للقوات الأميركية يالتمركز على الاراضي السعودية لتحرير الكويت.
وتحاول الكويت تهدئة المخاوف السعودية. في أواخر (تموز) الفائت أعلنت السلطات الكويتية أنها إكتشفت خلية تجسس إرهابية ترتبط بإيران وطردت على أثرها السفير الإيراني ومعظم الديبلوماسيين الايرانيين. وقبل بضعة أسابيع، بدأ النائب العام الكويتي دعوى جنائية ضد مستخدمي وسائل الإعلام الإجتماعية الذين إنتقدوا الدول العربية لقطع علاقاتها مع قطر.
وكلما طال أمد أزمة الخليج، كان من الصعب على الكويت مقاومة الضغوط للإنضمام إلى الجانب السعودي. في الوقت الراهن، فإن أحد أقوى مصادر الحماية هو دعم واشنطن لمهمة الأمير.
وأشاد ترامب بجهود الوساطة التي يبذلها الأمير وما وصفه ب “الإسهامات الحرجة التي تقدمها الكويت الى الإستقرار الإقليمي”. كما أعرب ترامب عن إستعداده للتوسط شخصياً، قائلاً انه يمكنه التوصل بسرعة الى إتفاق.
بيد أن إدارة ترامب لم تكن محايدة تماماً في النزاع. فالرئيس الأميركي في البداية وقف إلى جانب المملكة العربية السعودية، حتى أن أسباب الأزمة أُعيدت إليه والتي بدأت مباشرة بعد مغادرته الرياض في أول رحلة خارجية له كرئيس. لكن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قاد الجهود الرامية إلى إعادة التوازن إلى الموقف الأميركي، مُذكّراً الرئيس بأن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وهو أمر حيوي للجهود العسكرية الحالية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتمثّل أهم بصمة أميركية بالقرب من إيران.
من المعلوم أن تيلرسون يتيمتع بإتصالات وثيقة مع القادة في الرياض والدوحة تعود من أيامه في “إكسون موبيل”، وقد شارك في بعض الديبلوماسية المكوكية الشخصية وأرسل مبعوثين إلى المنطقة. ولكن حتى الآن، يبدو أن قطر غير راغبة في القبول بالقائمة الصارمة للمطالب الصادرة عن الكتلة التي تقودها السعودية، بما في ذلك إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية، وهي مصدر قوة ناعمة هائلة لقطر ولكن المنتقدين يتهمونها بإثارة التطرف.
خلال مؤتمره الصحافي مع أمير الكويت أعرب ترامب عن رغبة واشنطن في حل النزاع قائلاً: “سنكون أكثر نجاحاً مع مجلس التعاون الخليجي متّحد وموحّد”. لكنه عرض ايضاً دعماً للسعوديين، وقال أن الأزمة بدأت لأن “هناك تمويلاً هائلاً للإرهاب من قبل بعض الدول”، مضيفاً: “اذا لم توقف هذه الدول تمويل الارهاب فانني لا أريدها ان تجتمع وتتوحّد”.
إن الإحتمال نتيجة ذلك، سيكون أزمة تزداد سوءاً في المستقبل المنظور، وهو بالضبط السيناريو الذي تريد الكويت تجنبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى