هل ستكون هناك محاسبة لمرتكبي الفظائع في سوريا؟

بقلم كابي طبراني

أصدرت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول سوريا في 6 أيلول (سبتمبر) الجاري تقريراً عن الوضع في البلاد، خلصت فيه إلى أنه على الرغم من إحراز بعض التقدم بالنسبة إلى الحدّ من العنف في مناطق خفض التصعيد، فإن الأطراف المُتحاربة تواصل إرتكاب جرائم ضد المدنيين في إنتهاكٍ صارخٍ للقانون الدولي.
ويشمل هذا العنف التشريد القسري، والهجمات المُتَعَمَّدة ضد المدنيين، وإستخدام الأسلحة الكيميائية.
إن الجماعات الإرهابية – التي ورد ذكرها في التقرير هي “هيئة تحرير الشام” و”داعش” – تستخدم أساليب وحشية ضد المدنيين؛ وقد إستهدفت الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة الأخرى الأقليات الدينية من خلال التفجيرات الإنتحارية بالسيارات وإستخدام القناصة، وأخذ الرهائن، بما في ذلك في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية؛ ومن جهتها واصلت القوات الحكومية إستهداف المدنيين عمداً، بما في ذلك إستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وفيما تُعتبر أكثر النتائج حسماً حتى الآن للتحقيقات في هجمات الأسلحة الكيماوية خلال الصراع أكد التقرير على أن “طائرة حربية حكومية أسقطت غاز السارين على خان شيخون في محافظة إدلب في نيسان (إبريل) الفائت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 87 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال”، ووصف ذلك بأنه جريمة حرب.
على الرغم من النفي المُنتَظِم الذي يُصدِره النظام السوري، والذي تؤيده وتدعمه موسكو بإستمرار، فإن تقرير محققي الأمم المتحدة قد توصّل إلى نتيجة مختلفة، حيث أشار إلى أن الحملة الجوية إستهدفت أيضاً المرافق الطبية في جميع أنحاء المنطقة المُهَاجَمَة، مما أضعف بشكل خطير قدرة المنظمات الدولية على تقديم المساعدة للضحايا، الأمر الذي أدّى إلى زيادة عدد الإصابات في صفوف المدنيين، كما إستخدمت القوات السورية في كلٍّ من إدلب وحماه والغوطة الشرقية الكلور القاتل. وقد شكّلت جميع هذه الهجمات إنتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي وإتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي وقّعت سوريا عليها في العام 2013 بعد هجوم “السارين” السابق.
وقبل الإفراج عن التقرير الأخير للمنظمة الدولية، كانت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الاسلحة الكيميائية بدورها أكّدت إستخدام الاسلحة الكيميائية على خان شيخون، لكنها لم تُحدّد هوية الجاني، على الأرجح بسبب ضغط روسيا.
وخلص التقرير الدولي الأخير إلى أن “القوات الحكومية واصلت نمط إستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة”.
وقد تمكّنت لجنة الأمم المتحدة، التي كلّفها مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية بالتحقيق في جميع إنتهاكات القانون الدولي في سوريا وتسجيلها منذ آذار (مارس) 2011، من توثيق ما لا يقل عن 33 هجوماً كيميائياً حتى الآن، حيث قالت أن 27 منها إرتكبتها دمشق. ولا تزال هناك شكوك في هوية الأطراف المسؤولة عن الستة الباقية.
وكان أول هجوم كبير بالأسلحة الكيميائية إرتكبه النظام السوري في آذار (مارس) 2013 على بلدة خان العسل، في محافظة حلب. وأعقب ذلك هجوم كيميائي أكثر تدميراً في آب (أغسطس) 2013 قامت به طائرة حربية سورية على ضاحية الغوطة في دمشق، مما تسبب بوفاة ما لا يقل عن ألف شخص.
ووجد التقرير أيضاً أن القوات الأميركية لم تتخذ جميع الإحتياطات المُمكنة لحماية المدنيين والأهداف المدنية عندما أغارت على إرهابيين مزعومين ودمّرت جزءاً من مجمع المسجد في قرية الجينة بالقرب من حلب في آذار (مارس) الفائت، في إنتهاكٍ للقانون الإنساني الدولي.
في الفوضى السائدة في سوريا، حيث تتنافس الفصائل والمنظمات والقوى العظمى على السلطة والهيمنة، فإن الحقيقة المُحزِنة، التي غالباً ما يتمّ تجاهلها، هي أن المدنيين الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن.
لكن كما قال رئيس لجنة الأمم المتحدة، باولو سيرجيو بينهيرو: “يجب على أطراف هذا الصراع المروّع إعادة تنظيم تكتيكاتها من الأساس وفقاً للمفاهيم الإنسانية الأساسية، ويجب على المجتمع الدولي أن يُعيد تنشيط إلتزامه بتحقيق العدالة والمُساءلة المُجدِيين مع جميع مرتكبي الجرائم إذا أردنا أن نرى تحوّلاً كبيراً بعيداً من تجاهلٍ ماكيافيلي لمصالح الشعب السوري والتقدم نحو التخفيف من معاناة المدنيين”.
وبمجرد أن يستقر السلام في هذا البلد الذي مزّقته الحرب وروّعت وشرّدت أهله، يجب أن تكون هناك مساءلة عن جميع الفظائع التي إرتُكِبَت هناك. وسيتعيّن إستخلاص الدروس من سوريا، من جانب المعنيين مباشرة بالنزاع هناك والعالم بأسره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى