أُعِيد رسم خريطة الحرب السورية، لكن لا تَستخلِص الإستنتاجات الخاطئة من مكاسب النظام الأخيرة

بعد إنتصارات الجيش السوري وحلفائه الأخيرة، بدأت خريطة الحرب السورية تترتب وتتشكل بشكل منهجي، الأمر الذي لا يعني نهاية النزاع. ومن المتوقع أن لا تتغير هذه الخريطة كثيراً في المستقبل القريب إلّا إذا حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان.

خريطة توزيع القوى في سوريا حتى 29 حزيران )يونيو( 2017 بعد البدء بمعارك التحرير ضد “داعش”

بقلم حسن حسن*

بدأت خريطة الحرب السورية تبدو بشكل متزايد منهجية ومُرَتّبة. من جهته يعمد النظام السوري بإطراد إلى تأمين وتوسيع مناطق نفوذه، فيما القوات التي يدعمها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تبتلع الأراضي التي كان يسيطر عليها “داعش” في معظم أنحاء شرق سوريا، وفي العملية، تسيطر على منطقة قابلة للحياة بدلاً من جيوب صغيرة.
تقلّص نفوذ المعارضة أرضياً وسياسياً بشكل كبير، ولكن قد تتحدّد جيوبها المُتَبَقِّية على خطوط واضحة في العام المقبل. وتواجه فصائل المتمردين ضغوطاً، على حدٍّ سواء، من حلفائها والقوات الموالية للأسد التي عاد إليها النشاط، للتراجع والتقهقر أو وقف الأنشطة العسكرية ضد النظام. وقد إختلفت أميركا والأردن أخيراً مع ثلاثة من الفصائل الرئيسية التي تقود التمرد ضد النظام وتنظيم “داعش” في الصحراء السورية. كما أن “هيئة تحرير الشام”، التابعة لتنظيم “القاعدة”، تزيل تدريجاً المنافسة ضدها وتسحقها وتحتل معقل المتمردين في إدلب.
من غير المرجح أن تتغلب المعارضة السورية على الهيمنة الجهادية والإسلامية، وبالتالي فإن فرصها ضئيلة للفوز بدعم المدافعين الدوليين من أجل دور أكبر. يرى الداعمون الإقليميون والدوليون حلاً سياسياً حصراً من خلال عملية جنيف، وهي سياق أُلحِقت به عملية آستانا التي ترعاها روسيا، إستناداً إلى وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه أنقرة وطهران وموسكو.
وتُحدَّد قيمة المعارضة إلى حد كبير بمدى جدواها كقوة ضد المتطرفين الدينيين، حيث أن أهدافها الأصلية المُتمّثلة في التغيير السياسي العميق قد تخلّى عنها داعموها. هذا القرار القائم على مكافحة الإرهاب قد إتخذه أنصارها وكذلك منتقدوها. ويؤكد مؤيدوها أن المتطرفين لا يمكن هزيمتهم من دون حلٍّ مقبول من القوى التي وقفت ضد النظام. ويقول منتقدوها أن قيمة المعارضة تتضاءل بسبب عدم قدرتها على إخراج المتطرفين من وسطها.
من المحتمل أن يستمر الإتجاه الناشئ على الخريطة. وقد وضعت كلٌّ من روسيا والولايات المتحدة عيونهما على دير الزور لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من معاقله الرئيسية الأخيرة في البلاد — بعد هزيمة الجماعة الإرهابية في الرقة. هذا الأسبوع، كسر جيش النظام وحلفاؤه حصاراً دام ثلاث سنوات حول حامية عسكرية للجيش إستطاعت الصمود والنجاة على مدى خمس سنوات من المضايقات والهجمات المتكررة التي شنّها المتمردون وتنظيما “القاعدة” و”داعش”. وإذا ساد التفكير الحالي في واشنطن، فإن بقية المحافظة ستحررها أيضاً القوات الديموقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن طول معركة دير الزور المُتوَقَّعة، وبعد أن يُحدَّد ويُسمّى أيّ فريق سيعالج أي جزء من المحافظة الشرقية، فمن المؤكد أن خريطة الصراع ستبدأ في أخذ شكلها الدائم.
وللتأكيد، إن الوضع لن يكون ثابتاً وجامداً تماماً. قد يستعيد النظام بعض ما يعتبره مناطق حيوية حول معاقله في الشمال الغربي وبالقرب من العاصمة. ولكن، وبصرف النظر عن التغيّرات المحتملة الصغيرة، فقد أصبح من الممكن الآن تصوّر طريق للمضي قدماً بالنسبة إلى النزاع السوري.
في هذا السياق، حان الوقت للاعبين الكبار للإستثمار بجدية في حلٍّ سياسي بدلاً من الإستسلام لفكرة أن بشار الأسد ينتصر. في حين أن مصير الرئيس السوري يبدو الآن مستقراً، فهذا ليس الشيء نفسه كما لو أن النظام على وشك تسوية نتائج الحرب. والوضع العسكري الحالي يُتيح فرصة للهجوم السياسي. ومن الممكن أن تُسهّل هذه الدفعة السياسية ديناميتين جديدتين.
أولاً، الولايات المتحدة هي الآن لاعبٌ مع نفوذ ضخم على الأرض الذي لم يكن لديها قبل ثلاث سنوات. إن إنخراط واشنطن السابق مع المعارضة، على الرغم من جديته، فشل في تحقيق نتائج بالنسبة إلى الإستقرار. اليوم، اأميركا موجودة داخل سوريا، والإلتزام المستمر ضروري لمواجهة “داعش” والجماعات الجهادية الأخرى.
ثانياً، لا تسيطر ميليشيات مسلحة على المناطق المُحرَّرة من تنظيم “الدولة الإسلامية” كما كان الحال قبل صيف 2014. ويُمكن أن يستفيد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بما يمكن وصفه ب”تأثير مسحوق التنظيف”: عندما يتولى تنظيم “داعش” إحدى المناطق، فمن أولوياته العليا تطهير المنطقة من أيّ منافسين وخلايا إسلامية أو جهادية. وحالما يتم تحرير هذه المنطقة من “داعش”، يكون للمحررين “منطقة نظيفة” يمكنهم العمل فيها.
وسيكون على عاتق التحالف الدولي تشكيل المجتمعات المحلية الخالية من تنظيم “داعش” وضمان فشل الجهاديين في إعادة بناء شبكاتهم. فعلى سبيل المثال، كان على تنظيم “القاعدة” أن يبني نفوذه تقريباً من الصفر في المناطق التي طرد منها تنظيم “الدولة الإسلامية”. وسيتعيَّن عليه أن يفعل ذلك حتى في الأماكن التي كان له فيها وجود محلي قوي في السابق، كما هو الحال في دير الزور. وسوف يتوقف نجاحه أو فشله على ما يأتي بعد تنظيم “الدولة الإسلامية” وما إذا كان السكان المحليون لا يزالون يرون حكامهم الجدد كمحررين.
وكما تغيَّرت خريطة الحرب السورية على مدى السنوات الثلاث الماضية، كذلك طبيعة مشاركة الغرباء والأجانب. فالولايات المتحدة لديها الآن النفوذ والأصول اللذين يمنحاها أن يكون لها رأي وازن في الصراع، وفي الوقت نفسه، ليس أمامها خيار سوى البقاء إذا أرادت أن تقضي بشكل نهائي على تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية”. إن الاستخدام الحكيم لهذا النفوذ هو ضمان ليس فقط أن “داعش” لن يعود ولكن أيضاً أن الولايات المتحدة لن تعود مرة أخرى للتعامل مع نزاع كانت تجنّبته سابقاً.
أحد الأخطاء الذي يقترفه المراقبون الخارجيون هو النظر إلى الخريطة العسكرية المتغيّرة والإستنتاج بأنه نظراً إلى أن النظام يكسب بإطراد ولأن الأهداف السياسية الأصلية للمعارضة صارت مستحيلة التحقيق، فإنه سيتم تسوية المسألة لصالح النظام. وهذا لن يؤدي إلّا إلى إبطال أي نجاح مؤقت تَحَقَّق على مدى السنوات الثلاث الماضية. إن الواقع العسكري المتغيّر في سوريا بالكاد يوفّر فرصة متجدّدة لتوجيه البلاد نحو الإستقرار.

• حسن حسن هو زميل رفيع في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى