هل تشتعل الحرب بين الولايات المتحدة وإيران في سوريا؟

يبدو أن الولايات المتحدة وإيران تسيران على مسار في سوريا قد يؤدي إلى تصادمهما وإشعال معركة عسكرية بينهما وبين حلفائهما قد تقرر مستقبل بلاد الشام.

“حركة النجباء” العراقية: أداة إيرانية للضغط على الأميركيين والنظام العراقي.

بقلم أحمد مَجيديار*

بدأت إيران وحلفاؤها منذ فترة إرسال تعزيزات إلى محيط منطقة خفض التوتر فى جنوب شرق سوريا للضغط على القوات الأميركية للإنسحاب من ثكنة إستراتيجية بالقرب من معبر التنف الحدودي. وترى طهران ودمشق بأن وجود هذه القوات التي تُدرِّب المتمرّدين في التنف، وكذلك في شمال شرق سوريا، يشكّل تهديداً خطيراً لمحورهما. كما تنظر الجمهورية الإسلامية الى طرد الجيش الأميركي من المعبر الحدودي الإستراتيجي بين سوريا والعراق والأردن كشرط مسبق وأساسي لتأمين وضمان إمدادات مُستدامة لسوريا ولبنان، فضلاً عن إقامة جبهة معركة جديدة ضد إسرائيل في جنوب سوريا. ويُنذِر هذا التصعيد الجديد ويُهدّد بفتح مواجهة برية أخرى، وربما أكثر خطورة، بين الولايات المتحدة والقوات المدعومة من إيران في سوريا في المستقبل القريب.

تعزيزات بالقرب من التنف

في 30 آب (أغسطس) الفائت، نشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً لرجالٍ من “حركة النجباء” (الشيعية العراقية) مُدَجَّجين بالسلاح في جنوب شرق سوريا. “منذ أن تم الكشف عن أن أميركا تدعم “داعش” لوجستياً وروحياً في المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن، فإن الحركة الإسلامية “حركة النجباء” كثّفت نشر مقاتلينها لدحر هذه المجموعة التكفيرية الإرهابية والقضاء عليها”، كتبت “وكالة تسنيم للأنباء”، التابعة للحرس الثوري الإسلامي. وتُظهر هذه الصور قوات الميليشيا العراقية التي تُشرف عليها إيران في الصحراء السورية تتقدم بإتجاه التنف ومعها دبابات وشاحنات “بيك أب”، وعدد كبير من ال”آر بي جي”، وأسلحة ثقيلة أخرى.
ووفقاً للتقارير فان هذه الميليشيا تشكل تعزيزات إضافية إذ أن عشرات الميليشيات المرتبطة بإيران تمركزت فعلياً بالقرب من منطقة خفض التوتر حيث تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتدريب متمرّدين من الجيش السوري الحر. وفي 27 آب (أغسطس)، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية صوراً لجنازة مُسلّحين من “حركة النجباء” قُتلوا بالقرب من منطقة التنف ونُقلوا إلى العراق لدفنهم. مئاتٌ من العراقيين، بمن فيهم قادة كبار من الحشد الشعبي، شاركوا في الحفل وهتفوا بشعارات ضد “داعش” والولايات المتحدة.

المواجهة مع الولايات المتحدة

من ناحية أخرى، تُشير التعليقات فى وسائل الإعلام الايرانية، وخصوصاً في تلك التي تتبع الحرس الثوري، إلى أن طهران تعتقد بأنها قادرة على إجبار القوات الأميركية على الإنسحاب من التنف من طريق إرسال المزيد من القوات إلى المنطقة. وكما كان الحال في الماضي، فإن الحرس الثوري الإسلامي قد يختبر عزيمة أميركا وإستمرار قوتها في الجنوب الشرقي عبر عبور الخطوط الحمراء الأميركية في منطقة خفض التوتر. في الماضي، قامت الطائرات الحربية الأميركية بقصف قوات موالية للنظام السوري كانت تتجه إلى منطقة خفض التوتر في التنف مرات عدة، وقد أوضح البنتاغون بأنه سيقوم بغارات مماثلة ليحمي قواته وقوات حلفائه في المستقبل.
نشرت صحيفة “فارارو” المحافظة مقالة بعنوان “إمكانات المواجهة بين إيران وأميركا في التنف؟” قالت فيها أن الجيش السوري وقوات الميليشيات المدعومة من إيران مُصمّمان على طرد الولايات المتحدة من منطقة التنف. وإدّعت بأنه “قد تم إحراز تقدم كبير لتحقيق ذلك”. وبحسب المقالة، فإن إيران وحلفاءها يركّزون بشكل متزايد على التنف، بخاصة بعد قطع رأس محسن حجاجي، الضابط الإيراني الذي قبض عليه مقاتلون من تنظيم “الدولة الإسلامية” بالقرب من التنف في أوائل الشهر الفائت. وتعهد كبار المسؤولين العسكريين الايرانيين، بمن فيهم قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، بالإنتقام. كما اشارت المقالة الى إدّعاء “كتائب سيد الشهداء”، وهى ميليشيا عراقية أخرى تدعمها إيران، بأن الولايات المتحدة وحلفاءها مسؤولون عن مقتل 36 من القوات الموالية للأسد بالقرب من التنف في آب (أغسطس) الفائت. وقد سخر المسؤولون في واشنطن وبغداد من هذا الإدعاء.
وتضيف المقالة بأن منطقة التنف ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى إيران لأنها تربط بغداد بدمشق وبيروت. وقالت أن واشنطن نجحت في منع الجمهورية الإسلامية من الوصول إلى المنطقة، لكنها أكدت على أن القوات الموالية للنظام المدعومة من إيران “تحاول السيطرة على هذا الممر”. كما أشارت المقالة إلى أن القوات الموالية للنظام وصلت بالفعل إلى الحدود العراقية شمال التنف في 9 حزيران (يونيو)، مانعةً المتمرّدين المدعومين من الولايات المتحدة من التحرك شمالاً والربط والتواصل مع المقاتلين الأكراد الموالين لأميركا في دير الزور. كما أشارت إلى أن “الأميركيين غير راضين عن هذا” لأن الطريق يسمح بإمداد النظام السوري بالأسلحة من خلال العراق.
ويردّد العديد من المُحلّلين الإيرانيين وجهات نظر مماثلة. وفي هذا المجال قال حسن هاني زاده، الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة أنباء تسنيم أن الولايات المتحدة تسعى إلى “إعادة الإرهابيين”إلىي التنف لوقف المكاسب الأخيرة التي حققتها دمشق وطهران. “نظراً إلى هزيمة الجماعات الإرهابية في الموصل والعديد من المناطق السورية مثل تدمر وحمص ودير الزور وحمص، أدرك الأميركيون أن المشروع المشترك الذي دام ست سنوات بين أميركا وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا لتغيير رقعة الشطرنج السياسية والعسكرية في سوريا قد فشلت … لذلك، يتمركز مسلحون أميركيون في مثلث الحدود المشتركة بين سوريا والأردن والعراق للإستفادة من الوضع وإعادة تجميع الجماعات الإرهابية الأخرى”، كما يدّعي.

شكوك حول روسيا

على الرغم من التعاون الوثيق بين روسيا وإيران حول سوريا، فإن الكثيرين في الجمهورية الإسلامية ما زالوا يُشكّكون في موسكو وحذرون من أن تحدث صفقة سرية محتملة بين البيت الأبيض والكرملين قد تقوّض المصالح الإيرانية في سوريا والمنطقة الأوسع. وقد حذّرت المقالة في فارارو: “حتى الآن عملت روسيا كوسيط لتجنيب المواجهة بين الولايات المتحدة والقوات المدعومة من إيران في سوريا. بيد أنه كما أشارت الحوادث والإشتباكات المتقطعة الأخيرة، فإن روسيا لم تُقصّر عن القيام بهذا الدور لكنها إتّخذت موقفاً إلى جانب الولايات المتحدة بطريقة ما “. وأضافت بأن “هذا الرأي تَعزّز بعد الإتفاق بين بوتين وترامب في قمة هامبورغ”.

أهمية التنف

من وجهة نظر طهران، فإن طرد القوات الأميركية من التنف لا يُزيل تهديداً طويل الأمد لنظام بشار الأسد فحسب، بل يساعد أيضاً على تعزيز الخطط الإستراتيجية الإيرانية في سوريا ومنطقة المشرق العربي. “إن تحرير التنف وتطهير المناطق المتبقية من “داعش” يمنح إيران إمكانية الوصول الى شواطئ البحر الابيض المتوسط والحدود الشمالية للأراضي المحتلة” كتبت “الوقت نيوز” (Alwaght News). “هناك أدلة على أن واشنطن، بالإضافة إلى توطيد سيطرتها على التنف، تسعى إلى الإستيلاء على منطقة البو كمال أيضاً في محافظة دير الزور. وتهدف من ذلك السيطرة على معبرين إستراتيجيين للحدود بين سوريا والعراق بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”. ويبدو ان أول من سيدخل المعركة مع “داعش” على البو كمال سيكون أمراً مهماً”، تضيف.
إذا إستطاعت الولايات المتحدة المحافظة على السيطرة على هذين المعبرين الحدودين الإستراتيجيين، وفقاً للمقالة، فسوف تكون قادرة على منع خطوط التواصل والإتصالات الأرضية للقوات المدعومة من ايران بين العراق وسوريا. “الطريق البري إلى دمشق لا يُقوّي فقط أمن محور المقاومة، ولكن يُمكنه أيضاً زيادة قوة المناورة لمحور المقاومة على الأرض، والقدرة على المساومة السياسية في مواجهة المعارضة”.
ويشير بعض المنشورات الإيرانية إلى أن الولايات المتحدة تقوم بحظر ومنع وصول الإيرانيين إلى منطقة التنف من أجل ضمان أمن إسرائيل. “واشنطن تسعى إلى خلق فراغ على طول الحدود العراقية السورية من أجل منع الاتصال الجغرافي لهذين االبلدين ومحور المقاومة وذلك لكي تضمن أمن إسرائيل”، كتب “جافان أون لاين”، وهو موقع آخر على الإنترنت للحرس الثوري. “كان هدف الأميركيين هو التقدم في وقت واحد من التنف إلى الشمال ومن الرقة إلى الجنوب وذلك للاستيلاء على مدينة دير الزور وتقسيم العراق وسوريا. ولكن الهدف الأميركي هُزم من طريق حكمة وشجاعة المقاومة”، كما إدّعت المقالة.

التهديد لإسرائيل

إن الوجود المتزايد ل”حركة النجباء” في جنوب سوريا سيزيد من قلق إسرائيل أيضاً. وقد أعلنت هذه الجماعة أنه بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ستكون معركتها المقبلة إلى جانب “حزب الله” اللبناني ضد إسرائيل من سوريا. وفي آذار (مارس) الفائت، أعلنت “حركة النجباء” أنها أنشأت لواءً جديداً للإستيلاء على مرتفعات الجولان، مُدّعيةً أن “الإنتصارات الأخيرة” ضد “داعش” والمتمردين السنّة في العراق وسوريا سمحت للمجموعة الشيعية وحلفائها بالتركيز على إسرائيل. وإدّعى زعماء المجموعة أن أعضاء اللواء الجديد مُدَرَّبون تدريباً جيداً ومُجهَّزون تجهيزاً جيداً وقادرون على محاربة الدولة اليهودية. إن “إسرائيل أضعف من شبكة العنكبوت. إن المقاومة الاسلامية قادرة على مواجهة محور الشر والقضاء على النظام الصهيوني المحتل”، قال زعيم الحركة الشيخ أكرم الكعبي لتلفزيون “الميادين” الذي يتخذ من لبنان مقراً له.
إن “حركة النجباء” – المعروفة أيضاً بإسم “حركة حزب الله النجباء” – هي جماعة طائفية شيعية عراقية بارزة تعمل تحت قيادة قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني التابع للحرس الثوري. وهي تقاتل في سوريا منذ العام 2013 وقد تعهد الكعبي بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. ومن جهته يستخدم الحرس الثوري “حركة النجباء” ليس فقط لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وإنما أيضا كأداة ضغط ضد حكومة بغداد، والدول الإقليمية، والولايات المتحدة. وقال الكعبي إنه سينشر المزيد من القوات في سوريا بعد إطاحة تنظيم “داعش” في الموصل وتلعفر.
• أحمد مجيديار زميل ومدير مشروع “إيران مراقبة” في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى