التغيير في المملكة العربية السعودية آتٍ… ولو بعد حين

بقلم إيمان الحسين*

التغيير ليس أمراً سهلاً على الإطلاق. على المستوى الفردي مثلاً، يتطلب تغييرَ عادةٍ جُهداً وعملاً شاقاً. وقد أُلِّف العديد من الكتب لتقديم المساعدة الذاتية والإرشادات في هذا المجال. وتحوّل ذلك إلى أعمال متنامية تزدهر بإستمرار.
ولكن ماذا لو أراد بلدٌ ما أن يتغيّر؟ وعلاوة على ذلك، ماذا لو كان الناس في ذلك البلد مُترَدِّدين في التغيّر؟
هذا هو واقع المملكة العربية السعودية اليوم. منذ سنوات قليلة، أظهر الحديث عن التغيير أنه ليس سعودياً، بل أن مواطني البلد الذين يشعرون بالقلق يتشكّكون بالتغيير ويقاومونه.
يقول كثير من الدخلاء والمُحلِّلين السياسيين أن الحكومة السعودية هي التي تقف في وجه التغيير الذي يُطالِب به مواطنوها. فهؤلاء يفترضون أن السكان هم في الغالب ليبراليون ومُحاصَرون في بيئة محافظة. كما يعتقدون أن إتّباع نهجٍ للتغيير من أعلى إلى أسفل هو السبيل الوحيد للمضي قُدُماً.
المُطَّلِعون والعالمون ببواطن الأمور يعرفون خلاف ذلك.
بصفتي إمرأة سعودية، فإنني عادةً أميل بشكل كبير إلى التغيير. ومع ذلك، عندما أدرس الوضع في البلد من منظور موضوعي، أُدرِك أن الأمر ليس سهلاً كما يبدو. وسواء كنا نحب ذلك أم لا، يبدو أن غالبية المواطنين مُتردّدة أو مُعارِضة للتغيير، ولا سيما التغيير المُتعلّق بوضع المرأة في المملكة.
من الصعب، وتقريباً من المستحيل، تقديم أرقام إحصائية عن كيفية إنقسام السكان السعوديين. أولاً، كثيرون لا يحبّون أن تُطلَق عليهم تسمية محافظين أو ليبراليين. ثانياً، قد ينسى بعض السعوديين، الذين لا يخجلون من وصف أنفسهم بأنهم ليبراليون، أن المبدأ الأساسي لليبرالية هو الفردية. ومثل هذه المفاهيم تتعارض مع القيم التي هي عزيزة على مُجتمعٍ يُشدّد ويَقُوم على الأسرة والقبيلة أكثر من الفردية والحرية.
إضافة إلى ذلك، هناك جزء كبير من السكان السعوديين الذي لا يصل إليه نظر أو قلم المٌعلّقين الثقافيين والسياسيين. هذه المجموعة لا تعتبر نفسها ليبرالية أو محافظة؛ فهي غير مرتاحة للمطالب الليبرالية، ولكنها ترى أيضاً أن بعض القيم المحافظة قد عفا عليها الزمن. ومع ذلك، فإنها أكثر سروراً بالحفاظ على الوضع الثقافي القائم في البلاد، لأنها تعتقد بأن التغيير قد يجلب الفجور والفوضى.
ولا عجب في أن صناع القرار في المملكة على علمٍ بهذه الفصائل المختلفة داخل المجتمع. وقد تحدّث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان (إبريل) الفائت حول التغيير في البلاد. وقال الأمير للصحيفة الأميركية أنه يشعر بالقلق بالنسبة إلى إستعداد الشعب للتغيير. وقال: “إن المُثير للقلق أكثر من أي شيء آخر هو إذا كان الشعب السعودي غير مقتنع (بالتغيير). ولكن، إذا كان الشعب السعودي مقتنعاً، فإن الفضاء هو الحدود”.
ولعلّ الأمير الشاب يختبر رغبة السكان من خلال إقتراح مشروع البحر الأحمر، وهو خطة طموحة لتحويل الساحل السعودي إلى منتجعات بحرية فخمة. وقد أثار المشروع بالفعل نقاشاً ساخناً حول منصة النقاش المُفضّلة في السعودية، “تويتر”.
وأنتج مشروع البحر الأحمر ثلاثة ردود رئيسية. كان الأول إيجابياً ومتفائلاً، بحجة أن المشروع سيفيد الحياة الإجتماعية والإقتصادية في المملكة.
وكان الردان الآخران إنتقاديين. جادل أحدهما بأن المشروع سيتيح للمرأة إرتداء ملابس السباحة، خصوصاً وأن المنتجع سيكون في منطقة “شبه مستقلة” من شأنها رفع وإلغاء المعايير المحافظة المُتَّبعة في بقية أنحاء البلاد. وأصحاب هذا الرد يشعرون بالقلق من أن هذه القوانين المُريحة والمُتساهلة ستجد حتماً طريقها إلى المجتمع السعودي. وهؤلاء هم المحافظون الذين ما زالوا يشعرون بخيبة أمل من أن الحكومة قد كبحت جماح سلطة الشرطة الدينية في العام الماضي.
أما المجموعة الأخرى فكانت إنتقادية لأن هذا النهج المُتساهِل والمُريح يُمنَح دائماً للأجانب، وليس للمواطنين السعوديين. ويجادل أصحاب هذا الرد بأن المجمع السكني لشركة النفط العربية السعودية (أرامكو) في المنطقة الشرقية سمح للأجانب العيش بشكل طبيعي، وللنساء قيادة السيارات من دون قيود. وترى هذه المجموعة أنه ينبغي تنفيذ التغيير في جميع أنحاء البلاد، وينبغي أن يستهدف على وجه التحديد وضع المرأة بوصفه حجر الزاوية في تحقيق رؤية المملكة للعام 2030.
لحسن الحظ، فإن بناء المرحلة الأولى من المشروع لن تبدأ حتى العام 2019، الأمر الذي يوفّر الوقت الكافي لإدخال وإيصال واقع التغيير إلى أولئك المُترَدِّدين. إن الحكومة تكشف بإستمرار عن مشاريع جديدة وتختبر المواطنين من خلال تغيير العقائد الثقافية بمهارة. وربما، بدورهم، يقوم الشباب في المملكة بالمساعدة على تغيير المعادلة. ومع ذلك، فإن أصوات المحافظين، وتأثيرهم في غالبية السكان الذين يشعرون بالقلق من التغيير، سيكون العامل المهيمن في عملية الدفع إلى التغيير.

• إيمان الحسين باحثة سعودية في شؤون الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى