تونس تسبق بريطانيا وأميركا وكل العالم العربي في مجال حقوق المرأة!

بقلم فيصل اليافعي

قبل حوالى أسبوعين، مَنَح البرلمان التونسي موافقته النهائية على مشروع قانون يهدف إلى إنهاء “كافة أعمال العنف ضد المرأة”. وعندما يدخل حيّز التنفيذ فى العام المقبل فسوف يستهدف القانون “أي إعتداء بَدَني او معنوي او جنسي او إقتصادي” ضد النساء في هذه الدولة العربية الواقعة فى شمال إفريقيا.
والتفاصيل التي يشملها هذا التعريف الواسع مُهمّة. لكن القانون يهمّ أيضاً بسبب كيفية تغييره للعلاقة الفلسفية بين الأسرة والدولة، وبسبب الطريقة التي يسعى القانون من خلالها إلى إستخدام سلطة الدولة الوطنية للنهوض بحقوق المرأة.
لنبدأ بالقانون نفسه. إن الجانب الذي إستحوذ على العناوين الرئيسية هو إزالة البند المُثير للجدل في القانون التونسي الذي يسمح للمُغتصبين الهرب من العقوبة إذا تزوّجوا من ضحاياهم، حيث تواجه بعض النساء، وخصوصاً خارج المدن التونسية، الضغوط للرضوخ والقبول بذلك من أجل “تجنيب” المُغتصب العقاب أو التقليل من “العار” العائلي بسبب التعرّض للإغتصاب. وقد قُدِّمت أحياناً تعويضات مالية مقابل الصمت. لقد تم إلغاء هذا البند الآن.
(ما يقرب من ستة بلدان عربية أخرى لا يزال لديها مثل هذا القانون، مع إستمرار نشطاء فيها بالإحتجاج لإزالته. وفي وقت سابق من هذا العام، وصل إحتجاج لبناني لافت ضد قانون مماثل إلى وسائل التواصل الإجتماعي وعاث فيروسياً، حيث علّق نشطاء فساتين الزفاف الأبيض على مشانق عبر كورنيش بيروت).
ويستهدف القانون أيضاً العنف المنزلي، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها تونس بسن تشريعات مُحدَّدة لمكافحة مثل هذا النوع من العنف. وهذا أمرٌ مهم في بلد وَجَدَ فيه إستطلاعٌ إستقصائي أُجري في العام 2010 أن 47 في المئة من النساء تعرّضن للعنف العائلي، مقابل متوسّط عالمي يبلغ 35 في المئة.
إن الذي يفعله القانون الجديد هو تغيير الطريقة التي تنظر فيها الدولة إلى العنف ضد المرأة في الأسرة، مما يجعلها، في الجوهر، في المجال المُجتمعي. في السابق كان يُنظَر إلى العنف ضد المرأة على أنه مسألة عائلية، وكما هو الحال في كثير من الأحيان في البلدان المحافظة، كان يُنظَر إليه على أنه شيء يتجاوز صلاحيات الدولة ولا دخل لها فيه. من خلال تغيير القانون – التي تُوضِّح صياغته أن التعريف الواسع النطاق الذي تستخدمه الحكومة التونسية ينطبق على الإعتداء والعنف “في الحياة العامة والخاصة” – تشير الحكومة إلى أن الأسر ستكون مسؤولة علناً وعرضةً للمحاسبة عمّا تفعله داخل منازلها، فضلاً عن السماح للدولة بالتدخل وطرح الأسئلة حول سير العلاقات الأُسَرية.
وهذا سيعني، على سبيل المثال، أنه سيتم تمكين الأطباء والمُعلّمين من السؤال عن الكدمات وإتخاذ الإجراءات إذا كانوا يشتبهون في حصول عنف.
قد لا يبدو هذا التغيير كبيراً جداً في المراكز الحضرية، ولكن في المناطق الريفية فالأمر مهم جداً، إذ أن الأسرة كبيرة ومتمدِّدة حيث تمارس سلطة على أفرادها وتتمتع بتأثير كبير في حياتهم، حتى إلى درجة أن الدولة التونسية، التي ضعفت فعلياً خارج المراكز الحضرية، لا تتدخل.
هذا التغيير إذاً كبيرٌ فلسفياً، ولكن أيضاً لأنه يجلب معه تغييراً في السياسات، حيث سيسمح بتأهيل أفراد من الشرطة وجعلهم أكثر تخصصاً، وتدريب العاملين في المجال الطبي والمُعلّمين على الإكتشاف الفوري لعلامات سوء المعاملة.
إن القانون مثيرٌ للإهتمام بشكل خاص لأنه يفعل ثلاثة أشياء لمكافحة الإعتداء المنزلي بما يتجاوز السماح بالملاحقة القضائية. سيكون القضاة قادرين على التقديم للنساء اللواتي هنّ في خطر الخيار لمأوى أو ملجأ – هنا، لاحظت المعارضة أنه ليست هناك أموال إضافية قُدّمت لبناء هذه الملاجئ – وسوف يكونوا قادرين على إصدار أوامر زجرية (ومنع) ضد الجناة المشتبه بهم. ولكن القانون الجديد يستهدف أيضاً العناصر المحافظة المتبقية داخل الشرطة، حيث جعل إقدام أي شخص، يُحقّق في قضية سوء معاملة، على ممارسة الضغط ضد المرأة لجعلها تتخلّى عن الشكوى أو تغييرها جريمة. إن ما يسعى القانون إلى القيام به هو إستهداف الحالة عندما يحاول الشرطي الذي يدوّن ويتلقى الشكوى، وخصوصاً في المناطق الريفية حيث يعرف الناس بعضهم بعضاً بسهولة، إقناع النساء بإسقاط الشكوى أو ب”النظر” إلى سمعة العائلة.
وأخيراً، يفتح القانون أيضاً إمكانية مقاضاة الشركات للتمييز الجنسي، بفرض غرامات على أرباب العمل الذين “يميّزون بشكل متعمّد” ضد النساء من طريق دفع أجور أقل.
هناك ميلٌ لرؤية تونس منارة لحقوق المرأة في الشرق الأوسط، ولكن هذا الرأي هو في الواقع محدود نوعاً ما. إن تونس تعمل أفضل من العديد من الديموقراطيات الأوروبية في تعزيز المساواة بين الجنسين. فقانونها الإنتخابي ينص على أن تشكل النساء 50 في المئة من مرشحي الأحزاب السياسية، وهو أمر لا يزال نادراً في جميع أنحاء أوروبا. ونسبة تمثيل المرأة في البرلمان، التي تبلغ 31 في المئة، هي أعلى من أي نسبة في أي بلد في الشرق الأوسط، بل هي أعلى بالفعل من المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة (30 و 26 و 19 في المئة على التوالي).
مع هذا القانون، تستكشف تونس ما يمكن “لنسوية الدولة” القيام به لتعزيز حقوق المرأة. إن نسوية الدولة لها علاقة ببلدان الشمال الأوروبي أكثر من نسوية نظيراتها في بلدان الأطلسي مثل بريطانيا والولايات المتحدة. هنا، تسير الدولة في المقدمة، وتبتعد من موقفٍ يمكن للمنظمات المختلفة أن تناقشه. وبالتالي، فإن سائق التغيير ليس الرأي العام، بل الدولة نفسها، لذا فإن تركيز النشاط النسائي لا ينبغي أن يكون على تغيير عقل الجمهور، وهو الآلية المعتادة في الديموقراطيات، بل على تغيير وجهات نظر وآراء وعقول السياسيين.
وفي بلدان الشمال الأوروبي، يعمل هذا النموذج بنجاح لأن الأهداف العامة مُتّفقٌ عليها بصورة عامة. لكن في تونس، فقد وقعت تاريخياً بين رؤيتين للمجتمع، الليبرالية المدعومة من الجيش، والمحافظة المستوحاة دينياً، ويبدو أن هذه الحركة النسوية تعمل لأنها تسمح بإجراء مناقشات على مواقف ملموسة، وليس على مفاهيم نظرية، أحياناً دينية. وهذا يخلق جواً تونسياً فريداً.
والسؤال: هل يُمكن أن تنتشر العدوى وتقوم بلدان أخرى في شمال إفريقيا أو في دول أبعد بصياغة قوانين مماثلة؟ يبدو أنه لا يزال يتعيّن الإنتظار. إن “الإستثناء التونسي” سيكون وحيداً إلى حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى