شركات الطيران الخليجية تربح في المنتوج و … تخسر في السياسة

فيما يستعر الخلاف بين قطر وجيرانها، تستغل شركات الطيران الأميركية الكبرى الوضع وتضغط بواسطة الكونغرس وغيره على شركات الطيران الخليجية الثلاث: الإتحاد للطيران (أبو ظبي)، طيران الإمارات (دبي) والخطوط الجوية القطرية، لإيقاف إتفاق الأجواء المفتوحة ومنعها من الإستفادة من السوق الأميركية المُربحة.

الخطوط الجوية القطرية: الحصار يضيّق طموحاتها

واشنطن – محمد زين الدين

“ثلاث شركات طيران من دولتين بحجم ولاية كارولينا الجنوبية تحاول السيطرة على الطيران التجاري”، يقول “فيديو تعليمي” صدر أخيراً عن شركة “ديلتا إيرلاينز” (Delta Airlines). وكان الفيلم الذي يستمر 15 دقيقة آخر محاولة من شركات الطيران الأميركية (ديلتا، أميركان إيرلاينز” و”يونايتد”) ضد شركات “طيران الإمارات”، و”الإتحاد للطيران”، و”الخطوط الجوية القطرية” (المعروفة معاً بإسم الشركات الخليجية الثلاث)، حيث صوّرت هذه الشركات العربية على أنها مشاريع تَفَاخُرٍ مدعومة من الحكومة، وهي تأخذ وظائف “الأميركيين الذين يعملون بجد” من خلال المنافسة غير المشروعة.
والشركات الخليجية الثلاث بالتأكيد لديها منتوج فائز. وقد فازت بالعملاء والزبائن من خلال طائرات جديدة، وخدمة أفضل، وأسعار تنافسية للغاية على الرحلات التي يُمكن أن تمتد في جميع أنحاء العالم مع توقف واحد – يساعدها في ذلك الوصول إلى وقود رخيص، وقوانين عمل متراخية، ومطارات يُمكنها أن تعمل 24/7، من دون قلق بالنسبة إلى قيود الضوضاء ليلاً.
إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست غريبة عن كونها منطقة مُربحة جداً للطيران وعبوره. لقد تلقى حكام الخليج مبالغ كبيرة مقابل حقوق الهبوط لطائرات الشركة الجوية البريطانية على المسارات الى الهند في ثلاثينات وأربعينات القرن الفائت، وإلى حد كبير تلقى النظام الملكي في ليبيا دعماً أميركياً واسعاً في مقابل إستخدام قاعدة ويلس الجوية في خمسينات وستينات القرن الفائت. في الآونة الأخيرة، ضاعفت الناقلات الثلاث – جنباً إلى جنب مع الخطوط الجوية التركية – عدد ركابها ثلاثة أضعاف بين عامي 2005 و2015، ليصل إلى 155 مليون في السنة.

المرور بحالة إضطراب

مع ذلك، بقدر ما أثبتت شركات الطيران الخليجية الثلاث بشكل فردي نجاحاً إقتصادياً، فقد كانت في وضع غير مؤات سياسياً في مواجهة منافسيها في أميركا لسبب بسيط: الجاذبية الوطنية وحدود الدولة التي تُقسّمها بدلاً من أن توحّدها. في حين أن “الإتحاد للطيران” و”طيران الإمارات” يمكنهما أن تحققان درجة من “التنافس الودي” في الإطار الإتحادي لدولة الإمارات، فإن المنافسة بين قطر والإمارات العربية المتحدة (المُوسّعة حديثاً في مواجهة إقليمية واسعة النطاق) تُحبط أي أمل في عملية تنسيق أوسع للناقلات الخليج الثلاث.
وترى جميع شركات الطيران الأميركية الكبرى في توسع شركات الطيران الخليجية تهديداً مماثلاً، حيث تُحكَم كلها بواسطة نظام سياسي واحد، وكلها في وضع جيد لكي تلعب ورقة القومية الإقتصادية التي يتبنّاها خطاب ترامب “أميركا أولاً”. وبالمثل، فإن هدفها الشامل واضح: مراجعة إتفاق “الأجواء المفتوحة” مع مختلف دول الخليج والحدّ من وصول شركات الطيران الخليجية الثلاث إلى السوق الأميركية المربحة.
والنتيجة كانت التعاون: مجموعة ضغط مُموّلة من شركات الطيران الأميركية وتدعى “أميركيون من أجل أجواء عادلة” (Americans for Fair Skies)، تُصوّر التدابير ضد شركات الخليج الثلاث كوسيلة للحفاظ على الوظائف في الولايات المتحدة، في حين تقوم كل واحدة من الشركات الأميركية على حدة بمهاجمة منافساتها في الخارج. فبالإضافة إلى فيديو شركة “ديلتا”، على سبيل المثال، فقد ألغت “أميركان إيرلاينز” إتفاقات تقاسم الرموز مع الخطوط الجوية القطرية والإتحاد للطيران، حيث وصفت قرارها بأنه “إمتداد لموقفنا من الإعانات غير القانونية التي تتلقاها هذه الناقلات من حكوماتها”.
وقد أعطى هذا العمل المُتضافر ثماره، حيث أفيد أن البيت الأبيض ينظر حالياً في إتخاذ إجراءات، إلى جانب حلفائه في الكونغرس. كما أن الأوامر التنفيذية التي إتخذتها إدارة ترامب قد لمست ولو بشكل طفيف مصالح الشركات الخليجية الثلاث، على الرغم من أنه من المستحيل معرفة ما إذا كان هذا عملاً مُتعمّداً أو أضراراً جانبية.
إن الحظر الذي فرضته إدارة ترامب على أجهزة الكمبيوتر المحمولة ومنعها على متن رحلات ناقلات منطقة الشرق الأوسط الأتية إلى الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام شكّل بالتأكيد ضربة لمبيعات درجة رجال الأعمال المُربحة لشركات الطيران الخليجية. في حين أنه تم رفع الحظر، و(جنباً إلى جنب مع التأثير السلبي للأوامر التنفيذية الأخرى التي تقيّد الدخول إلى الولايات المتحدة)، فقد سبَق السيف العذل وصار الأثر فعلياً: لقد سجلت طيران الإمارات إنخفاضاً بنسبة 35 في المئة على الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة حتى آذار (مارس) الفائت.

علاقات صعبة

على الرغم من الإحتواء التدريجي والإنتقاد الدفاعي من قبل المديرين التنفيذيين لشركات الطيران الخليجية — عادة تعليقات لاذعة لرئيس مجلس إدارة الخطوط القطرية أكبر الباكر- فإن شركات الطيران الخليجية الرئيسية هي في الوقت الحاضر منقسمة للغاية بسبب الخلافات السياسية بين أسيادها السياسيين حيث لا تستطيع تشكيل جبهة موحدة ضد جهود الضغط هذه. بالتأكيد إن هذه الناقلات وناقلات شقيقة لها في المنطقة تستفيد من شعور القومية الإقتصادية، فضلاً عن أنها تُشكّل رموز البذخ لدول الخليج ووسيلة لتلميع سمعتها الدولية. إلّا أن القيام بذلك عزز الأهداف المختلفة لحكوماتها الراعية ومالكاتها بدلاً من إبراز الإهتمام المشترك بالدفاع عن نموذج أعمالها المحوري المشترك.
ومنذ مطلع حزيران (يونيو)، فرضت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ضغوطاً على الخطوط الجوية القطرية كجزء من حملتها الشاملة لإجبار قطر على إلتزام سياسة دول مجلس التعاون الخليجي بشأن العلاقات مع إيران ودعم الجماعات الإسلامية، الأمر الذي أجبر الشركة على حرق وقود إضافي على طرق أطول للحفاظ على العلامة التجارية الوطنية وإبعادها من المعاناة.
بالإضافة إلى المطالب السياسية، يمكن القول أن الحصار له هدف إقتصادي: وقف تقدم الخطوط الجوية القطرية على حساب ليس فقط “الإتحاد للطيران” و”طيران الإمارات”، ولكن أيضاً بالنسبة إلى الشركتين الباهتتين السعودية والبحرينية، “السعودية” و”الخليج للطيران”.
من جهتها تحاول الخطوط الجوية القطرية مواجهة الضغط والدفاع عن نفسها، من طريق إنشاء مركز ثانٍ لها في سلطنة عُمان المُحايدة “ظاهرياً” ومحاولة شراء حصة 10 في المئة في “أميركان إيرلاينز”. كما عمدت الشركة القطرية إلى إيجار بعض طائراتها القصيرة الجاثمة من دون عمل من طراز “إيرباص A320” إلى الخطوط الجوية البريطانية (التي تملك حصة فيها) لمساعدة “بريتبش إيرويز” على تجاوز الإضراب الذي أعلنه بعض نقاباتها. ومع ذلك، لا يزال العديد من طائرات الخطوط الجوية القطرية جاثمة على الأرض في حين أن شركة الطيران تعاني من إنخفاض أعداد الركاب بسبب الحصار.
كل هذا لا يفعل شيئاً يُذكر للدفاع ضد الإعتداءات الحمائية من قبل شركات طيران قائمة على العبور عبر العالم، ونماذج الأعمال المحورية. لقد حصل الحكام في أبو ظبي ودبي والدوحة على “قوة موقع أفضل” من خلال وضع مطاراتهم (وأراضيهم) عند مفترق الطرق الجوية العالمية. غير أن إنخفاض أسعار الهيدروكربونات أجبر المسؤولين على إعادة التفكير في الدعم الذي تتلقاه شركات النقل الخليجية، وبعضها يخضع بالفعل لضغوط مالية – وخصوصاً الإتحاد للطيران، بعد شرائها الكارثي لشركة “أليطاليا”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن شراء الطائرات البعيدة المدى ذات الكفاءة في إستهلاك الوقود، مثل طائرة “إيرباص A350” وطائرة “بوينغ 787 دريملاينر”، تطرح علامات إستفهام حول إستدامة هذه الإستراتيجية في المدى الطويل.
وبدلاً من التنسيق لمواجهة التحديات المتزايدة التي تواجهها الناقلات في المنطقة، فإن شركات الطيران الخليجية يمكنها أن تُلحِق بنفسها أضراراً مالية وببعضها البعض. وقد أظهرت شركات الطيران الأميركية أنها يمكنها أن تنظر إلى ما بعد المنافسة المباشرة للتنسيق بشأن القضايا الإستراتيجية. فيما منافساتها في الخارج، التي تتعلّق بسياسات أسيادها الإقليمية المتقلبة بعمق، قد أظهرت أنها لا تستطيع ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى