أزمة الوظائف في فلسطين تحتاج إلى مُعالجةٍ مُبتَكَرة

بقلم سيليا بازارباسيوغولو *

قد يكون الحصول على وظيفة بعد التخرج من الجامعة في أي مكان أمراً صعباً، لكنه أكثر صعوبة في البلدان المُتأثّرة بالصراعات، مثل فلسطين، حيث يقترب معدل البطالة هناك حالياً من 30%، وما زال يأبى على الانخفاض، خصوصاً بين الشباب والنساء. فإحتمال حصول الشباب الفلسطيني على فرصة عمل لا تتجاوز ثُلُث فرص نظرائه في إسرائيل.
أما في قطاع غزة، فإن أفق فرص العمل يبدو أكثر قتامة. ففي هذه المنطقة، لا تتوفر الكهرباء إلا لفترة تتراوح بين أربع وست ساعات يومياً، فضلاً عن أن القيود الهائلة الموضوعة على التنقل تحدّ من أنواع السلع التي يمكن أن تنتقل عبر الحدود. وفي ظل القيود الصارمة على النشاط الاقتصادي، تصل معدلات البطالة بين الشباب إلى 60%.
ومن جهتهن تواجه النساء عقبات أكبر. فالوظائف المُتاحة لهنّ أقل عدداً من تلك المُتاحة للرجال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القيود الإجتماعية، والعقبات التي تُعيق الحركة بما في ذلك نقاط التفتيش، تساهم في إنخفاض معدل مشاركة النساء في القوى العاملة حيث لا يتجاوز 19%. وقد وجد تقريرٌ حديث للبنك الدولي أن نسبة إحتمال إلتحاق شخص حاصل على شهادة متوسطة بسوق العمل تصل إلى 65% في حين أنها لا تتجاوز 8% بين الإناث.
تُعاني فلسطين من أزمة وظائف لا تزال تتفاقم. فالقطاع الخاص الذي يُعتبَر مُحرّكاً لنمو الوظائف، بات عاجزاً عن إتاحة العدد الكافي من فرص العمل لمواكبة نمو السكان. ورغم إرتفاع مستوى التعليم ونسبة الشباب، فإن البيئة الإقتصادية الهشّة المُترَعة بالصراعات كثيراً ما تُثبط عزيمة الشركات الخاصة عن الإستثمار في هذا الركن الصغير من العالم الذي يضم نحو 4.5 ملايين نسمة. فالمستثمر الذي يبحث عن بيئة داعمة لممارسة الأعمال سيتجه على الأرجح إلى مكان أكثر أمناً، وأقل معاناة من المخاطر السياسية، وأكثر إتصالاً وتواصلاً بالأسواق العالمية – ولنقل دبي، مثلاً، وليس رام الله أو مدينة غزة.
في بيئة قد يبدو تحقيق نتائج مُستدامة فيها أمراً بعيد المنال مع تعدد القيود، ما الذي يُمكن عمله لتعبئة المزيد من الإستثمارات الخاصة لخلق الوظائف؟
– زيادة الثقة وتحسين الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص؛
– قيام المانحين، كمجموعة البنك الدولي، بتحوّل كبير في الإستراتيجية وذلك لدعم التوجهات والأدوات المُبتَكرة التي يمكن أن تُساعد على تحفيز إستثمارات القطاع الخاص.
ونعكف – في مجموعة البنك الدولي – على العمل على ثلاثة مسارات مالية مُبتَكَرة لزيادة رأس المال الخاص من أجل النهوض وخلق الوظائف في فلسطين، هي كما يلي:
1. الشركات الناشئة على مسار التمويل في المرحلة الأولى: في حين تظل روح ريادة الأعمال مُتوَهّجة في فلسطين، فإن العديد من الشركات الناشئة الواعدة يفشل قبل أوان وصوله إلى أعتاب مستثمري المراحل الأولى، وذلك بسبب ظروف السوق الصعبة. فمن الضروري زيادة الدعم لبناء حاضنات لمستثمري المراحل الأولى وتجهيز الشركات الناشئة للإستثمار.
2. إستثمارات خاصة أكبر في القطاعات الرئيسية: إن تحفيز المزيد من التوظيف التقليدي في شركات متوسطة وأكبر حجماً لا يقل أهمية عن دعم الوظائف في الشركات الناشئة. ومساهمةً في تمويل الشراكات مع القطاع الخاص، بوسع مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار المساعدة على تحفيز الإستثمار وتخفيف المخاطر. وندرس حالياً إختبار هذا النهج من خلال مشروع لدعم خلق الوظائف في غزة.
3. تدريب وتنمية مهارات الشباب والنساء وتوفير الوظائف الملائمة لهم: من المهم أيضاً التأكد من إمتلاك الخرّيجين المهارات المطلوبة لشغل الوظائف التي تتوفر. وسيتم دعم ذلك من خلال أداة جديدة – وهي سندات الأثر الإنمائي – التي يتم من خلالها مساعدة مستثمري القطاع الخاص في تمويل الإجراءات التداخلية ويجنون ثمارها إذا تحققت نتائج إيجابية. ونظراً إلى أن المستثمرين لن يحصلوا على ما دفعوه إلا بعد تحقيق النتائج، فإن هيكل الحوافز يركّز على تحقيق النتائج أكثر من تركيزه على نفقات البرنامج ومدخلاته.
إن مجموعة البنك الدولي تدعم هذه الجهود من خلال سلسلة مشاريعها المسماة التمويل بهدف خلق فرص عمل، والتي دُشِّنت في العام 2015 بمساهمة أساسية قدرها خمسة ملايين دولار. وقد تمت الموافقة أخيراً على 9.5 ملايين دولار إضافية لمواصلة هذا العمل.
ليست هناك “عصا سحرية” في التنمية، خصوصاً في البلدان الهشّة والمُتأثّرة بالصراعات. ومسؤوليتنا – نحن مجموعة البنك الدولي – هي تشجيع التوجهات الجديدة وتحمّل المخاطر والترويج للتعاون بين القطاعين العام والخاص. وهذا مهم “لجذب” رأس مال القطاع الخاص المطلوب للتمكن من خلق وتوليد الوظائف، والحدّ من الفقر، وتحقيق الرخاء المشترك.
فالابتكار من خلال أدوات التمويل يتيح فرصة مُهمّة للتصدي لتحديات خلق الوظائف وزيادة الرغبة في معرفة ما الذي يُمكِن أن ينجح.

• سيليا بازارباسيوغولو هي المديرة المسؤولة عن الممارسات المالية والأسواق العالمية في مجموعة البنك الدولي منذ 1 شباط (فبراير) 2017.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى