تونس تعمل على إنعاش الإقتصاد من طريق نمو الناتج المحلّي الإجمالي بدعم دولي

فيما الرياح الإقتصادية المُعاكسة، وعدم الإستقرار الإجتماعي، وإرتفاع معدلات البطالة تعصف في الساحة التونسية، تعمل حكومة يوسف الشاهد بجهد وجدّ مع المؤسسات الدولية لمواجهة هذه التحديات ولإنعاش الإقتصاد وإعادة النمو إلى الناتج المحلي الإجمالي.

الإقتصاد التونسي: بين التشاؤم والأمل

تونس – باسم رحّال

لا شك أن الدعم الكبير الذي تتلقاه تونس من الشركاء الدوليين يساعدها إلى حد كبير على العودة إلى النمو الإقتصادي فيما تواجه البلاد رياحاً معاكسة إقتصادية، وعدم إستقرار إجتماعي، وإرتفاع معدلات البطالة.
في نيسان (إبريل) 2016، وقّعت الحكومة التونسية إتفاقاً مع صندوق النقد الدولي بشأن منحها تسهيلات تمويل قيمتها 2.83 ملياري دولار، مُقسَّمة إلى شرائح على مدى أربع سنوات، ومُعلَّقة على مراجعات منتظمة من جانب مسؤولي الصندوق.
وقد أُنجِزت أول هذه المراجعات في حزيران (يونيو) الفائت، مما أدى إلى صرف شريحة ثانية تبلغ حوالي 314.4 مليون دولار، وهو ما يساوي تقريباً المبلغ الذي حصلت عليه تونس في الوقت عينه من العام الفائت.
وبموجب شروط حزمة التمويل، يجب أن تذهب هذه الأموال إلى دعم الإستثمارات العامة ذات الأولوية، وأن يتم الإفراج عنها بشرط أن تقوم الحكومة بتجديد النظام الضريبي وتحسين تقديم الخدمات العامة، وهي جزء من دفعة لتخفيض مستوى الدين العام إلى ما دون 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2020 .
إن التحرّكات لإصلاح الضرائب والإنفاق بعد الموافقة الأولية على إعطاء التسهيلات المالية الدولية تم نشرها مع موازنة هذا العام في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، وشملت زيادة نسبة 7.5٪ في ضريبة الشركات وتنفيذ قواعد ونُظم في محاولة للحدّ من التهرب الضريبي بين المهنيين الليبراليين.
وقد أُعلِن أيضاً أنه سيكون هناك تجميد في التوظيف في معظم وظائف القطاع العام، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي لاحظ في الشهر الماضي معارضةً عامة لهذه التغييرات، والبيئة الإجتماعية – السياسية الهشّة عموماً يمكنها أن تؤثر في جهود الإصلاح الإضافية وثقة المستثمرين.
وتشمل تحصیلات المدفوعات المستقبلیة إتخاذ تدابیر للحفاظ علی التضخم بمعدل أقل من 4٪ وضمان المرونة في سعر الصرف. وقال صندوق النقد الدولي إن الإصلاح الضريبي الذي سيجري في العام 2018 ينبغي أن يُسهم في تحقيق الإستقرار المالي، بما في ذلك إنشاء وحدة جديدة لكبار المؤسسات تستهدف اساساً زيادة العدالة الضريبية وجمع المتأخرات الضريبية والجمركية التي تبلغ حوالي 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

الإلتزام الدولي

في حزيران (يونيو) الفائت، وافق البنك الدولي على منح “قرض سياسات التنمية لتحسين بيئة الأعمال التجارية ومساندة ريادة الأعمال” دعماً للجهود المتواصلة للحكومة التونسية لزيادة معدلات النمو وتوسيع دائرة المستفيدين منه، وتدعيم جهود القطاع الخاص لخلق الوظائف، لا سيما للشباب والنساء وفي المناطق الأقل نمواً من الناحية الإقتصادية. ويُساند هذا القرض الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار الإصلاحات الرئيسية الرامية لتحسين بيئة الأعمال التجارية، وتعزيز ثقة المستثمرين، وكذلك تشجيع ريادة الأعمال، وتيسير الحصول على التمويل.
وتعليقاً على ذلك، قالت ماري فرانسواز ماري نيلي، المديرة الإقليمية لمنطقة المغرب العربي ومالطة في البنك الدولي: “لقد تسارعت وتيرة الإصلاحات في السنوات الأخيرة، لكن من الضروري الحفاظ عليها وضمان فعالية تنفيذها”. وأضافت: “هناك عدد كبير من الشباب من أصحاب المواهب من الرجال والنساء المُستعدّين لإغتنام الفرص المتاحة. وكل ما يحتاجون إليه هو تهيئة الظروف المناسبة، ومنها الحصول على التمويل.”
ويهدف القرض الجديد، الذي يُشكّل جزءاً من إلتزامٍ بقيمة 5 مليارات دولار وُقِّع في أيار (مايو) الفائت، إلى مساندة الركائز الرئيسية لخطة التنمية الخمسية للسنوات 2016-2020 التي أطلقتها الحكومة التونسية وتسعى من خلالها إلى جعل القطاع الخاص في صميم أجندة النمو والوظائف، وتهيئة تكافؤ الفرص للمنافسة، وتنمية المناطق غير الساحلية، وتشجيع خلق فرص العمل، وتنظيم المشاريع ولا سيما بين الشباب، وتيسير الحصول على التمويل للشركات حديثة العهد ورواد الأعمال. وتُشرف وزارة االتنمية والإستثمار والتعاون الدولي على تنفيذ الإصلاحات وتنسيقها مع وزارات أخرى، مع مشاركة كبيرة من وزارة المالية ومكتب رئيس الوزراء، وسيكفل هذا الجهد الثلاثي المتابعة الدقيقة لنتائج عملية الإصلاح.
ووفقاً للبنك المركزي التونسي، فقد بلغ معدل البطالة 15.5٪ في العام الماضي، مع وصول بطالة الشباب تقريباً إلى ضعف هذا الرقم.
من ناحية أخرى، جاء عرض آخر لخلق فرص عمل جديدة قُدِّم في في الشهر الفائت، عندما أعلنت مؤسسة التمويل الدولية، وهي عضو في مجموعة البنك الدولي، عن تعاونها مع مركز تمويل رواد الأعمال التونسيين.
وبموجب الإتفاق، ستتعاون الهيئتان لتوسيع فرص الحصول على التمويل الأصغر للمشاريع الصغيرة وأصحاب المشاريع من الشباب، مع قيام مؤسسة التمويل الدولية بإسداء المشورة إلى تونس بشأن كيفية إدارة المخاطر المرتبطة بالإقراض للمشاريع الصغيرة، وبالنسبة إلى المنتجات المالية المُناسِبة والأفضل لهذه الشركات.
ومن شأن تحركاتٍ من هذا القبيل أن تساعد على خفض معدل البطالة، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض إلى 12٪ في العام المقبل.
وبصورة عامة، تتوقع الحكومة أن تنفق ما يقرب من 8.5 مليارات دولار حتى العام 2021 لتحويل وتغيير وجهة إقتصادها والوفاء بالوعود التي قطعتها خلال ثورة العام 2011.

تقوية وتحديات

هذه التحركات المُنَسَّقة من قبل الشركاء الدوليين تأتي كمؤشرات إلى أن الإقتصاد التونسي يُبدي علامات إنتعاش.
في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 2.1٪ على أساس سنوي، مقارنةً مع 0.9٪ في الفترة عينها من العام الماضي، في حين شهدت البطالة إنخفاضاً طفيفاً من 15.5٪ في نهاية العام 2016 إلى 15.3٪ في نهاية آذار (مارس) الفائت، وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي.
ويُعزى هذا الإنتعاش، إلى حد كبير، إلى الإرتفاع الطفيف في الإيرادات من الصناعات الزراعية والتعدين والسياحة.
ويُذكر أن من الأمور ذات الأهمية الخاصة للإقتصاد التونسي هي السياحة التي إنخفضت مساهمتها المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 10 في المئة في العام 2010 إلى 6.6 في المئة في العام المنصرم، وبلغت إيراداتها 5،5 مليارات دينار تونسي (2,1 ملياري يورو). وفي أعقاب الثورة، أدّت هجمات الإسلاميين المُتشدّدين على متحف باردو ومنتجع سوسة السياحي في أوائل العام 2015 إلى إيقاف بعض رحلات العطلات السياحية وزيادة تقييد النمو الإقتصادي.
ووفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة، مع ذلك، يبدو أن قطاع السياحة في تونس يتحوّل حالياً إلى الأفضل: فمن المتوقع الآن أن ينمو بنسبة 2.5٪ هذا العام، وبنسبة 3.6٪ سنوياً حتى العام 2027.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى