لبنان: من فشل “النجاح” … إلى الأزمة الكبرى

بقلم البروفسور غسان الشلوق*

“خافوا على الطلاّب لا منهم”
إدوار حنين
(وزير لبناني سابق –كبير- للتربية)

ليَعذُرني أصدقائي وزملائي في قطاع التعليم اللبناني عموماً وفي وزارة التربية و”التعليم العالي” المُشرِفة عليه خصوصاً، فلستُ من الفَرِحين ولا طبعاً من المُصفّقين ل”سياسة النجاح للجميع” المُستمِرَّة منذ سنوات على طريقة البرنامج التلفزيوني الفرنسي المعروف “Ecole des fans” (أي مدرسة المُشجّعين). اذ كيف يُمكن ان ينجح 90% ويزيد في أحد فروع الثانوية العامة في الدورة الاولى لإمتحانات شاملة لكل أرجاء البلاد والذي يعني، حتماً، ” النجاح للجميع” بإعتبار أن الغائبين هم وحدهم الذين لم يَنجَحوا؟ كأن المسؤول بات يخاف من الطلاب فيلقيهم مع “نجاحهم” أو “نجاح” قسمٍ كبيرٍ منهم في …الفشل!
ولا ينفع في شيء القول أن النتائج الفرنسية مثلاً أتت هذه السنة بمعدلات قريبة، فالمقارنة هنا غير متكافئة علماً ان الفشل يبقى فشلاً في أي موقع كان.
وهذا يعني أن الإمتحان الحقيقي والواجب أُرجِىء الى موقع آخر، الى….الحياة، وتحديداً الى الحياة الوظيفية والنشاط الإقتصادي. إلّا إذا كانت غالبية “الناجحين” تتطلع، بدعم سياسي ما، الى وظائف صورية في قطاعات عامة طبعاً… وحتى في بعض القطاعات الخاصة.
والمؤسف أكثر أن “النجاح للجميع” يتوسّع ليشمل ما يُسمّى الجامعات، ولا سيما منها تلك الوهمية، والتي يزداد دورها للأسف برعاية رسمية وشبه رسمية، وبكل أشكال التجاوزات، وبكل صنوف المشاكل… حيث يتضاعف للأسف أعداد “المُتخرّجين ” الذين يشكون أن لا عمل لهم.
وبالعودة الى الأساس، فإن هذه السياسة تنطوي على أزمة كبرى، وعلى سلبيات واسعة تُسيء إلى سمعة لبنان التعليمية ومركزه المُتقدّم في هذا المجال في المنطقة العربية والعالم.
وتنطوي كذلك على خسائر إقتصادية جمّة على مستوى الإقتصاد الكلي عموماً، وعلى مستوى القطاع التربوي خصوصاً، وهو قطاع نما وتوسّع ليعود ويتعرّض منذ فترة إلى هزّة حقيقية.
ويصدف أن هذه الهزّة تترافق مع هزّة أُخرى أُصيبَ بها، على رغم كل التفسيرات المُتناقضة، القطاع الصحي التجميلي، وهو قطاعٌ شهد هو الآخر توسّعاً ملفتاً في السنوات الأخيرة.
لكن المشكلة الإضافية التي تكشّفت أخيراً تمثّلت في غياب كلّي للإدارة، ومنها طبعاً الإدارة الضريبية التي “تعفي” – بالمناسبة – مئات الملايين وتُلاحق أصحاب الألوف ومئات الألوف.
ليتنا نعي … ونُدرك … ونتحرّك قبل فوات الأوان.

• أكاديمي، خبير إقتصادي، والعميد السابق لكلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى