إيران تُكثِّف جهودها لطرد الجيش الأميركي من الشرق الأوسط للهيمنة على المنطقة

في العام 2008 أصدر ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب” الزميل كابي طبراني بالإنكليزية عن دار “أوتور هاوس” في الولايات المتحدة كتاباً بعنوان: كيف تُخطط إيران لمحاربة أميركا والهيمنة على الشرق الأوسط” (How Iran Plans to Fight America and Dominate the Middle East)، وقد لاقى يومها إقبال كبير في أميركا خصوصاً لدى صناع القرار في واشنطن، حيث كتب أحدهم لدار النشر يقول: لقد قرأت الكتاب بإمعان، ولكن هل تستطيع دولة بحجم إيران مقارعة دولة بحجم وقدرة أميركا؟ لقد إستفدتُ كثيراً من معلومات وتحليل هذا الكتاب، ولكن لا أرى داعياً للخوف من إيران.
بعد 7 سنوات على صدور هذا الكتاب، عاد السؤال عينه يبحث عن جواب والذي يحاول الخبير في الشؤون الإيرانية أحمد مَجيديار إعطاءه.

الأسطول الخامس الأميركي في البحرين: العين الساهرة الأميركية على مياه الخليج العربي.

بقلم أحمد مَجيديار*

مع إنهيار تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وفقدانه الأرض في سوريا، ترى إيران ووكلاؤها من القوى الإقليمية أن الولايات المتحدة باتت تشكّل التهديد الأساسي لنفوذها وطموحاتها، لذا كثّفت جهودها أخيراً على هذا الأساس لطرد الجيش الأميركي من المنطقة. من خلال التوعية الديبلوماسية – وفي بعض الأحيان التهديدات المُحجَّبة – يحثّ القادة الإيرانيون الحكومتين الأفغانية والعراقية على طرد القوات الأميركية من بلديهما. كما عمدت طهران الى تعميق علاقاتها مع طالبان وتعاونت مع موسكو لتقويض جهود الإستقرار التي تقودها أميركا فى أفغانستان التى مزّقتها الحرب. وفي العراق، تُطلِق القوات شبه العسكرية المدعومة من إيران الدعاية المسيئة ضد واشنطن وحلفائها وتضغط على حكومة بغداد لطرد القوات الأميركية من البلاد. وبالمثل في سوريا، فإن قوات الحرس الثوري الإسلامي وحلفائها من الميليشيات الشيعية الإقليمية تهدّد بشكل متزايد الجيش الأميركي وحلفائه. وعلاوة على ذلك، فإن القوات البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري في كثير من الأحيان تضايق السفن الأميركية في الخليج العربي، كما أن القادة السياسيين والعسكريين في إيران قد رفعوا من حدة خطاباتهم العدائية ضد القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط.

تقويض مهمة الولايات المتحدة فى أفغانستان

في 27 حزيران (يونيو) الفائت قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني لنظيره الأفغاني عبد الرؤوف إبراهيمي بأنه “ليست هناك حاجة لوجود قوات عسكرية اجنبية فى أفغانستان”، وتعهّد بأن إيران مستعدة لمساعدة كابول على مواجهة تحدّياتها الأمنية. وأضاف كبير المُشرِّعين الإيرانيين بأن “الشعب الأفغاني قادر على التعامل معهم [الإرهابيين]، وأن وجود قوات أجنبية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب قد عرقل تنمية أفغانستان”. خاتماً: “إن ايران ستفعل ما بوسعها لمساعدة أفغانستان على مكافحة الإرهاب”.
وعلى الرغم من أن طهران لا تريد عودة طالبان – العدو الإيديولوجي لإيران الشيعية – الى السلطة فى أفغانستان، فإنها ترى أن وجود القوات الأميركية على طول حدودها الشرقية يشكّل تهديداً أكبر. ومع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران على برنامج الصواريخ الباليستية الأخير ودعم الإرهاب، فقد عززت قوات الحرس الثوري تمويلها وتأويتها وتدريبها لمقاتلي طالبان لخلق مشكلة ومأزق للجيش الأميركي وإجباره على مغادرة أفغانستان.
وقد إقتصر معظم الدعم الإيراني لطالبان جغرافياً على غرب وجنوب أفغانستان. بيد ان التقارير الأخيرة فى وسائل الإعلام الأفغانية تُشير الى أن قوات الحرس الثوري الإيراني قد تكون وسّعت نطاق دعمها لمقاتلي طالبان إلى شرق وشمال أفغانستان أيضاً. وفي 30 أيار (مايو) الفائت، أعلنت قوات الأمن الأفغانية بأنها إستولت على أسلحة إيرانية الصنع من طالبان في باكتيكا، وهي مقاطعة مضطربة في جنوب شرق أفغانستان حيث تمارس “شبكة حقّاني” الخطيرة نفوذاً كبيراً. “إني أعرف كل أنواع الأسلحة ولكني أرى هذه الأسلحة لأول مرة. إن الطوابع الإيرانية واضحة عليها”، أوضح قائد الشرطة المحلية لوكالة أنباء “باجهوك”.
كما ذكر مسؤولون أفغان وأميركيون أن إيران أقامت معسكرات تدريب جديدة لمقاتلي طالبان على طول الحدود الأفغانية وسلّمت أسلحة روسية للمتمردين فى المقاطعات الغربية والجنوبية الأفغانية.

طرد القوات الأميركية من العراق

كانت إيران والولايات المتحدة حليفتين بحكم الأمر الواقع في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق منذ العام 2014. وعلى الرغم من أن واشنطن وطهران لم تُنسّقا جهودهما بشكل مباشر في العراق، فقد قدّم الجيش الأميركي الدعم الجوي واللوجستي للعمليات البرية العراقية التي تشمل قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران. ولكن مع خسارة العدو المشترك للموصل، فقد نقلت إيران وحلفاؤها فعلياً الإهتمام إلى الوجود والدور الأميركيين في العراق.
في أواخر الشهر الفائت قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن إيران تُعارض وجود قوات أميركية فى العراق وحثّ رئيس الوزراء العراقي على عدم الإعتماد على واشنطن. “لا تثق بالأميركيين تحت أي ظرف من الظروف لأنهم ينتظرون الفرصة للإضرار”، قال المرشد الأعلى لحيدر العبادي في إجتماع عُقد في طهران. وإتهم خامنئي الولايات المتحدة ببذر الفتنة في العراق من أجل مصالحها الجيوسياسية، وأضاف: “لا ينبغي منح الأميركيين هذه الفرصة. كما يجب تفادي نشر القوات الأميركية في العراق بحجة التدريب وغيره من الأمور”. كما أعرب الزعيم الأعلى الإيراني عن تأييده لقوات الحشد الشعبي، وحذّر رئيس الوزراء العراقي من الإستماع إلى النصيحة الأميركية بشأن إضعاف أو حلّ هذه القوات بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وعلاوة على ذلك، كثّفت وحدات الحشد الشعبي الدعاية المسيئة ضد الولايات المتحدة، مما يشكل مخاطر أمنية على المستشارين العسكريين الأميركيين الذين يساعدون قوات الأمن العراقية في البلاد. ويتهم قادة الحشد الشعبي بشكل متزايد أميركا وحلفاءها بمساعدة تنظيم “الدولة الإسلامية” وهم يضغطون على حكومة بغداد ل”طرد” القوات الأميركية من البلاد. “إن التحالف الدولي لم يساعد العراق إلّا في قتل المدنيين ومساعدة الإرهابيين”، قال المتحدث بإسم الحشد الشعبي، علي الحسيني، في مقابلة مع وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري. “كان للإئتلاف أيضاً دور في دعم “داعش”. وبالإضافة الى تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية لهذه المجموعة الإرهابية، فقد لعب دوراً ايضاً فى مساعدة أفرادها على الفرار”، كما إدّعى. وأضاف أن “الحشد الشعبي العراقي يحثّ حكومة بغداد على طرد التحالف الدولي من معركة الموصل ومعارضة نشر البنتاغون لجنود أميركيين إضافيين في العراق”.
إن التصعيد الأخير في مجال الدعاية المسيئة يثير الخوف من عودة وكلاء إيران إلى أعمالهم التخريبية التي كانوا يقومون بها قبل وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” ضد الولايات المتحدة ومصالحها في العراق والمنطقة الأوسع.

مواجهة الولايات المتحدة في سوريا

في سوريا، نشر الحرس الثوري الإيراني أخيراً الآلاف من مقاتلي “حزب الله” اللبناني وكذلك الميليشيات العراقية والأفغانية إلى جنوب وشرق سوريا لتحدّي ومواجهة وجود القوات الأميركية في منطقة التنف على طول الحدود السورية مع العراق والأردن، ومنع قوات المتمردين السوريين المدعومة من الولايات المتحدة من التوجه نحو محافظة دير الزور شرق سوريا. وفي وقت سابق من حزيران (يونيو) الفائت، أطلقت طائرة إيرانية من دون طيار النار على التنف، مما أثار الجيش الأميركي للرد عليها وتدميرها. وفى أيار (مايو) الفاائت شنّت القوات الأميركية أيضاً غارة جوية على قافلة مُوَجَّهة من إيران إقتربت من قوات التحالف بالقرب من منطقة التنف. وتؤكد وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري بأن الميليشيات الموالية لدمشق ستواصل تحدّي التهديدات الأميركية وتوسيع نطاق سيطرة الحكومة السورية في الجنوب والشرق.
قبل ثلاثة أسابيع، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا إرتبطت وتواصلت أخيراً على طول الحدود المشتركة بين البلدين. وهذا لا يساعد فقط خطة إيران على إنشاء وضمان ممرٍّ أرضي للوصول إلى لبنان من خلال سوريا والعراق، ولكن أيضاً على منع قوات المتمردين السوريين المدعومة من أميركا في الجنوب والشمال من الربط في شرق سوريا. وعلى الرغم من أن مسؤولين عسكريين أميركيين يصرّون على أنهم لا يرغبون في مواجهة دمشق وحلفائها الأجانب، فإن إحتمال نشوء نقاط إحتكاك للمواجهة بين القوات الموالية للنظام السوري والجيش الأميركي وحلفائه سيزداد بشكل ملحوظ فيما يحاول جميع الأطراف السيطرة على المزيد من الأراضي من “داعش” في شرق سوريا.

توتر في الخليج العربي

يشكو المسؤولون العسكريون الأميركيون من أن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري تقوم بإنتظام بمضايقة السفن الأميركية في المياه الدولية في الخليج العربي، ويحذّرون من أن هذا السلوك الإيراني قد يؤدي إلى سوء تقدير ومواجهات خطيرة في المستقبل. وفي 14 حزيران (يونيو) الفائت قال مسؤولون أميركيون أن ثلاث سفن وطائرة مروحية (هليكوبتر) تابعة للبحرية الأميركية واجهت “لقاءً غير آمن وغير مهني” مع سفينة تابعة للبحرية الإيرانية التي إقتربت إلى مسافة 800 ياردة من سفينة الهجوم البرمائية الأميركية “باتان” في مضيق هرمز. كما وجّهت السفينة الإيرانية أشعة الليزر إلى المروحية الأميركية المُصاحِبة للسفن.
وفى أواخر نيسان (إبريل) الماضي قال مسؤولون أميركيون أن مُدَمِّرة صاروخية تابعة للبحرية الأميركية أطلقت طلقة تحذيرية لردع سفينةٍ تابعة للحرس الثوري من الإقتراب منها في الخليج العربي. من جهته إستخدم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف موقع “تويتر” للدفاع عن تحرّك الحرس الثوري الإيراني حيث غرّد: “عاجل: بَحريتنا تعمل – نعم هذا صحيح – في الخليج “الفارسي” وليس في خليج المكسيك. السؤال هو ماذا تفعل البحرية الأميركية على بعد 7,500 ميل من وطنها”، وأضاف على التغريدة أيضاً خريطة تُبيِّن مسافة 7,592 ميلاً بين الخليج العربي وميامي.
في آذار (مارس)، صرّح قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل للكونغرس الأميركي بأن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني زادت أنشطتها البحرية “غير المهنية وغير الآمنة وغير الطبيعية”. وقال: “علينا أن نحمّل إيران المسؤولية”. وقد جاء تعليقه بعد أيام فقط على قيام الحرس الثوري الإيراني بإرسال قوارب سريعة الهجوم بالقرب من “يو أس أوسنز إنفينسيبل” في مضيق هرمز، مما أجبر السفينة الأميركية على تغيير مسارها. ورداً على تصريحات فوتيل ، دعا وزير الدفاع الإيراني حسين دهغان واشنطن إلى مغادرة المنطقة وقال: “ماذا يفعل الأميركيون في الخليج “الفارسي”؟ من الأفضل لهم أن يغادرون هذه المنطقة ولا يثيرون مشاكل لدولها”. متسائلاً: هل من المقبول أن يسطو لص مسلح مجنون على منزل شخص ما ويتوقع أن يتم طرح السجادة الحمراء له؟”
كما هدّد مسؤولون إيرانيون كبار أخيراً بمهاجمة إسرائيل والقواعد الأميركية فى الشرق الاوسط اذا ما إرتكبت واشنطن “أية أخطاء” تجاه إيران. “الأسطول الخامس التابع للجيش الأميركي يحتل جزءاً من البحرين، وأبعد قاعدة عسكرية للعدو متمركزة في المحيط الهندي. ولكن هذه المواقع في متناول الصواريخ الإيرانية. وإذا إرتكب العدو خطأ، فسوف يتم تدميره”، قال مُجتبى زنور، المستشار السابق للمرشد الأعلى علي خامنئي لدى الحرس الثوري.

• أحمد مَجيديار هو زميل ومدير “مشروع رصد إيران” في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى