من يَربَح الصراع على إدلب بين تركيا والنظام السوري؟

يبدو أنه لم يأتِ الأسوأ في سوريا، فما شهدته حمص وحلب وغيرهما قد لا يُقارَن بما ستشهده محافظة إدلب، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” التي أفادت في 30 أيار (مايو) الفائت بأن المحافظة ستشهد المعركة الأكثر دموية إذا مضت قوات النظام في مخططاتها للسيطرة عليها. ويشار إلى أن إدلب هي من المناطق القليلة التي تُسيطر عليها المعارضة السورية بالكامل، وإذا قرر النظام إستعادتها بالقوة فإن حياة قرابة مليون شخص ستكون في خطر داهم. وقد بدأ بالفعل في شنّ هجمات على مناطق فيها خارقاً بذلك إتفاقات إنشاء مناطق تخفيف التوتر، التي تم التوصل إليها في إجتماعات أستانا برعاية روسية – إيرانية – تركية. ومن هذا المنطلق طالبت تركيا أخيراً بأن تكون قواتها هي التي ستشرف على إنشاء منطقة تخفيف التوتر في إدلب منعاً لوصول النظام إليها. ولكن أمام هذا المطلب صعوبات كثيرة.

جبهة تحرير الشام: هي المعضلة الآن في إدلب

دمشق – محمد الحلبي

أعلنت أنقرة في 22 حزيران (يونيو) عزمها على نشر قواتها في إدلب كجزء من خطة إنشاء “مناطق تخفيض التوتر” المُتفَّق عليها مع روسيا وإيران في أيار (مايو) الفائت خلال إجتماعات أستانا. وقال إبراهيم كالِن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، لوسائل الإعلام المحلية أن منطقة تخفيض التوتر في إدلب ستخضع في الغالب لقوات تركية بينما ستركّز روسيا وايران على المناطق القريبة من دمشق. جاء هذا الإعلان وسط تقارير على مواقع التواصل الإجتماعي تفيد بأن القوات التركية تتجمّع بالقرب من الحدود الشمالية الغربية السورية.
وكان نشر قوات تركية كجزء من عملية مناطق تخفيف التوتر نقطة خلاف بين المتمرّدين السوريين في إدلب لأسابيع عدة. في بيان في أيار (مايو)، أشارت “جبهة تحرير الشام”، المعروفة سابقاً ب”جبهة النصرة”، إلى الدور التركي المُحتمَل في إدلب إلى جانب المتمردين المعتدلين بأنه سيكون لمحاربتها: “تلقينا أخباراً من مصادر مختلفة عن تحركات لم يسبق لها مثيل من قبل (فصائل متمردة تمّ تفكيكها ) … لكسر عزم المجاهدين وهزيمتهم”. وفي 26 حزيران (يونيو)، كررت الجماعة معارضتها لأي وجود تركي في إدلب بعد تصريحات كالِن.
وهذا القلق الذي تُبديه “جبهة تحرير الشام” حول هذه التحركات يثير فرصة للتعامل مع معضلة متزايدة التعقيد يواجهها المتمرّدون المعتدلون والمهتمون الأجانب في إدلب. تُعتبر المحافظة معقل المتمردين الرئيسي اليوم، حيث يعيش ما لا يقل عن مليون من المدنيين هناك. وهي أيضاً الجيب الرئيسي الوحيد في سوريا الذي يسيطر عليه الفرع الرسمي السابق لتنظيم “القاعدة”. وليست هناك قوة فى البلاد تبدو مستعدة للإنخراط في معركة مستمرة لإستعادة المحافظة فى المستقبل المنظور.
وبالتالي، فإن السؤال حول ما يجب عمله في إدلب يظل مسألة حساسة ودقيقة. إن هجوماً للنظام على إدلب سوف يؤدي إلى تشريد عشرات الآلاف من المدنيين إلى تركيا، التي أشارت وأعلنت فعلياً إلى عدم رغبتها في إستقبال المزيد من اللاجئين السوريين، وإستعدادها لإغلاق حدودها إذا لزم الأمر. وكجزء من محاولةٍ لتجنب مثل هذا السيناريو، فقد توصلت أنقرة إلى إتفاق مع روسيا وإيران لإنشاء مناطق تخفيض التوتر في شمال وجنوب سوريا.
ومنذ ذلك الحين ساد الهدوء في إدلب، ولكن القلق لا يزال قائماً بالنسبة إلى وجود مجموعة لا تزال الولايات المتحدة وبلدان أخرى تعتبرها فرعاً لتنظيم “القاعدة”. ويخشى الناس في الداخل أيضاً من أن يكون إنعدام العنف هو بمثابة الهدوء قبل العاصفة، مشتبهين بأن دمشق وحلفاءها سيحوّلان إهتمامهما في نهاية المطاف إلى إدلب.
الواقع أن هناك طريقة لعكس تأثير “جبهة تحرير الشام” وتجنّب وقوع كارثة إنسانية في إدلب، ويُمكن أن تبدأ بإستغلال الخلاف والإحتكاك بين الجماعة المتشددة وأقسام من المعارضة حول مصير إدلب. وينبغي أن يتضمّن هذا الحلّ جهدين.
الأول هو تقديم دور السلام التركي، رغم معارضة “جبهة تحرير الشام”، كبديل من مهاجمة النظام لإدلب. ترى “جبهة تحرير الشام” أن الوجود التركي في إدلب يشكل تهديداً، لكن الكثيرين في المعارضة السورية ينظرون إلى هذا الدور بشكل إيجابي، سواء لأن الإسلاميين المعتدلين وغيرهم يرون أنه حليف أو بسبب الهدوء النسبي الذي تمكّن من تأسيسه في 5000 كيلومتر مربع شرق حلب منذ الصيف الماضي.
وقد إرتفعت حدة التوتر بين تركيا و”جبهة تحرير الشام” منذ الصيف الفائت، بسبب عداء الأخيرة للجماعات التي قبلت القتال تحت قيادة الجيش التركي في حلب. لكن المتمردين المتحالفين مع تركيا تقرّبوا من أنقرة أكثر منذ تدخلها في العام الماضي، ودعا البعض أخيراً الى نشر قوات تركية لمنع هجوم النظام في إدلب. وعلى هذا النحو، إزداد التباين بين “جبهة تحرير الشام” والفصائل المُناهِضة للنظام منذ ذلك الحين. إن الدور التركي في إدلب سيعمّق هذا الإختلاف، ويُمَكِّن تركيا من تعزيز قدرات القوى الأقل تطرفاً.
الجهد الثاني هو الدفع من أجل نقل القيادة إلى المعارضة المعتدلة في إدلب، وهو ما تعارضه بشدة “جبهة تحرير الشام”. ورفضت المجموعة المتشددة المحاولات السابقة للسماح للحكومة المؤقتة للمعارضة بإقامة مقرٍ لها فى المدينة على الرغم من العرض الذي قُدِّم إلى المجموعة المتطرفة والذي بموجبه تبقى الشرطة والمحاكم تحت سيطرتها.
من ناحية أخرى، ينبغي أن يتضمن كلٌّ من هذين الجهدين إطاراً دولياً لضمان الإنفاذ وتجنب السيناريو الذي تُرسّخ فيه “جبهة تحرير الشام” نفسها بهدوء داخل هياكل المعارضة السورية في إدلب. وفي نيسان (إبريل)، كشف أيمن هاروش، وهو رجل دين معروف متحالف مع “حركة أحرار الشام” المُقرَّبة من تركيا، أن رئيس الحكومة المؤقتة جواد أبو حطب قدّم للجماعة المتشددة والفصائل المتحالفة معها عرضاً للسيطرة على الشرطة والمحاكم في مقابل السماح لحكومته بالعمل من إدلب.
وفقاً لهاروش، الذي إدّعى أنه كان حاضراً عند تقديم العرض، فإن زعيم المعارضة أبلغ المجموعة المُتشدّدة بأن الحكومة المؤقتة ستعمل كواجهة أمام المجتمع الدولى لإنهاء مظهر الفصائل المتمردة المتشددة. وإدّعى بأن المجموعة المتطرفة رفضت العرض السخي. وأبو حطب، وهو إسلامي مقرب من تركيا، أصبح رئيساً للحكومة الانتقالية في أيار (مايو) 2016، ولم يتضح بعد ما إذا كان قدّم العرض المزعوم قبل ان تُعلن الجماعة إنسحابها من تنظيم “القاعدة”.
الرواية، إذا كانت صحيحة، تُظهر خطر أي جهد غير خاضع للرقابة دولياً. يُمكن لأنقرة أن تساعد إدلب على تجنب مصير حلب، ولكن يجب على تركيا ودول أخرى أن تكون على علم بأي محاولات تَعِدّها الجماعة المتطرفة لترسيخ نفسها من خلال المعارضة. لا يوجد بديل جيد من دور تركي إيجابي في إدلب. مثل هذا الدور يتعيّن عليه أن يبني نفسه على الإختلاف بين المتمردين المعتدلين و”جبهة تحرير الشام” لعكس هيمنتها على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى